«كورونا» يحاصر الصين

03:11 صباحا
قراءة 5 دقائق
د. محمد رؤوف حامد *

عندما ترفرف فراشة بجناحيها في طرف من أطراف العالم، قد يتسبب ذلك في تقلبات مناخية في الطرف الأبعد. تستخدم هذه المقولة في تجسيد نظرية الشواش (فوضى)Chaos theory، بمعنى أن لأي حدث أو متغير سلسلة من الانعكاسات والتوابع، من الممكن أن تؤدي إلى بزوغ أحداث أو متغيرات أخرى لم تكن في الحسبان.
بالنظر إلى الوباء القائم لفيروس الكورونا الجديد «كورونا 2019»، فمن الطبيعي أن تطرأ عنه شواش وتعقيدات تكون أكثر هولاً من أي شواش أو تعقيدات، إذا ما كان هذا الوباء قد نشأ في مكان آخر غير الصين، كإحدى بلدان الجنوب، في إفريقيا أو غيرها.
وهكذا، عنف إشكالية وباء كورونا الجديد لا يتضمن فقط مشكلات الأضرار الصحية والوفيات، وإنما أيضاً سلسلة من التداعيات على التجارة والاقتصاد والعلاقات الدولية، لما للصين من تواصلات من استيراد وتصدير وسياحة ونقل تكنولوجيا.. إلخ، مع معظم مناطق العالم. ذلك فضلاً عما قد تصاعد مؤخراً من تحديات ومجابهات على الساحة الدولية بينها والإدارة الأمريكية.
وهكذا، العنف البيولوجي لفيروس كورونا الجديد يأتي من أحد مراكزها الكبرى في التجارة والنقل الدولي «مدينة ووهان».
لقد تضمنت الانعكاسات غلق الحدود الروسية مع الصين، وتوقف الرحلات الجوية القادمة إليها من معظم العواصم والمدن الكبرى في العالم، فضلاًَ عن انتقال العدوى إلى عديد من بلدان العالم المتقدم، ومن بينها فرنسا واليابان والولايات المتحدة وإيطاليا وألمانيا، إضافة إلى بلدان أخرى مثل تايلاند وماليزيا وسنغافورة والإمارات.
ذلك- بالطبع - غير تضرر عمليات التصدير والاستيراد من وإلى الصين، بما تتضمنه من مواد طاقة وسلع متنوعة.
بمعنى آخر، امتلأ العالم بخليط من الشواش والتعقيدات نتيجة هذا الوباء الجديد القادم من الصين في وقت قد تصاعدت فيه مكانتها ومساهماتها الدولية بكثير عما كانت عليه في بداية القرن الحالي، عندما بزغ وباء «سارس»، من إحدى مقاطعاتها «جواند جونج - 2002».
ربما يتثمل أحد ملامح التعقيدات في شكل اعتقاد البعض بوجود مؤامرة، الأمر الذي سنتطرق إليه لاحقاً.

المرض وتطوراته

ترجع المعرفة بفيروس كورونا إلى خمسينات وستينات القرن الماضي، ومن المعروف عنه مساهمته في الإصابة بحالات تشبه البرد العادي عند الإنسان، وقد تتسبب في التهاب الشعب الهوائية، وذلك قبل أن تنتقل سلالات أخرى منه من الحيوان إلى الإنسان، الأمر الذي قد حدث مرتين قبل الوباء الحالي.
كانت المرة الأولى، هي ما عرف بعدوى سارس sars «عرض مرضي قاسٍ وحاد في الجهاز التنفسي»، والتي ظهرت في الصين عام 2002، لقد أصابت هذه العدوى حوالي 8000 شخص في 26 دولة، وأدت إلى وفاة حوالي 800 شخص.
أما المرة الثانية، فقد عرفت بوباء ميرس mers ونسب إلى الشرق الأوسط Middle East Respiratory Syndrome. كانت بداية هذا الوباء في المملكة العربية السعودية عام 2012، وقد عرف عنه أن مصدره حيواني، الذي من المحتمل أن يكون الجمل، وربما أيضاً بعض أنواع الخفافيش، لقد أصاب هذا الوباء حوالي 2500 شخص في 27 دولة منذ أول ظهور له، محدثاً وفيات في حوالي 860 حالة.
وبخصوص الوباء الحالي، ويسمى «كورونا الجديد - 2019»، فقد ظهر في أواخر ديسمبر الماضي في مدينة ووهان Wuhan، الأمر الذي أدى إلى إغلاق سوق المدينة في أول يناير من أجل التفتيش والتنظيف، نظراً للشك في انتقاله للإنسان من حيوانات السوق. إلا أنه مع زيادة انتشار المرض أصدرت الصحة العالمية «مكتب غرب الباسيفيك»، تصريحاً في 21 يناير يفيد بأن المرض ينتقل أيضاً من إنسان إلى إنسان آخر.
ومما يذكر أن السلطات الصينية، كانت قد صرحت في 7 يناير بأن المرض يمثل سلالة جديدة من فيروس كورونا، وبعدها بخمسة أيام قامت الحكومة الصينية ببث التتابع الجيني Genetic sequence إلى بلدان أخرى عسى أن يساعدهم ذلك على التشخيص.
عن سبب الوباء، فقد تراوحت التحليلات والرؤى بين ثلاثة احتمالات رئيسية.
يتمثل الاحتمال الأول، في أن فيروس كورونا قد اتحد معه «أو دخل في تركيبته» أجزاء «أو مقاطع» جينية، أو وراثية، من الثعابين المعروف انتشارها كغذاء في الأسواق الصينية.
والاحتمال الثاني، هو أن تكون مصادر الأجزاء الوراثية، التي دخلت في تركيب فيروس كورونا قادمة من كل من الخفافيش والمنك، وهو «حيوان ثديي صغير يشبه الأرنب، ويتواجد في أمريكا الشمالية، وفي الشمال الأوروبي الآسيوي».
وأما الاحتمال الثالث، فهو أن يكون الجزء الوراثي الغريب الذي دخل في تركيب فيروس كورونا، وتسبب في الوباء قادماً من فيروس الإيدز.

مؤامرة بيولوجية!!

ربما كان هذا الاحتمال الأخير، سبباً في اعتقاد البعض بنشأة العدوى نتيجة لمؤامرة «بيولوجية» ضد الصين.
بعض من أشاروا إلى هذا الاحتمال، الذي نقل عن عملاء وسياسيين من روسيا، يظنون بأن ظهور كورونا في مدينة ووهان Wuhan الصينية، يمكن أن يكون بغرض تعويقي أو تخريبي ضد الصين، كسلاح بيويولوجي.
وفي المقابل صرح أحد كبار الإعلاميين الصينيين، «هو جيجين Hu Xijin»، الذي يرأس تحرير «جلوبان تايمز»، بأنه لا يعتقد بأن الوباء قد نتج عن مؤامرة.
أما بشأن شدة عنف وباء كورونا 2019 الصيني المنشأ، مقارنة بالوباءين السابقين لفيروس كورونا «ٍSars وMers»، فيمكن هنا ملاحظة أمرين:
* الأول، أن وباء سارس Sars قد تم تحجيمه خلال عدة أشهر من بزوغه، وأنه لم يظهر بعد ذلك، الأمر الذي يحتاج لزمن بخصوص تقييم مماثل لنشاط كورونا 2019. وفي المقابل فقد نشأ عن وباء ميرس Mers ظهور أكثر من موجة وبائية تالية في 2013 و2014 بعد ظهوره الأول في 2012.
إذا ما كانت هناك مؤامرة ما، فبالتأكيد ستتضح ملامحها مع مرور الزمن، لكن لا بد من الانتباه أيضاً إلى أن لدى الفيروسات خاصية التحور الذاتي في شكلها «أي في تركيبتها»، بحيث تستطيع أن تغير نفسها بنفسها ك«طفرة»، مما يطور من إمكانات دخولها إلى العائل Host، سواء حيوانياً أو إنسانياً.
ثانيا: بخصوص بناء جزئيات فيروسية في المعمل، فهو أمر يتم - عادة - لأغراض علمية محضة. ومع ذلك فإن هذا النشاط العلمي يحتاج إلى التحوط من حدوث ثغرات، سواء بقصد أو بدون قصد، الأمر الذي يخضع لضوابط المعايير الأخلاقية.

ماذا عن المستقبل؟

ما حدث من أوبئة فيروسية متتالية في العقود الأخيرة يوجه الانتباه للحاجة إلى زيادة القدرة على التنبؤ والمتابعة، كلاهما، يعتمد في الأساس على توسيع الأنشطة والتطبيقات العلمية ذات الصلة بالسياقات الصانعة للأوبئة في جميع أنحاء المعمورة، ذلك بالإضافة إلى تطوير مستمر لأخلاقيات البيولوجيا ولعمليات التحقق من الالتزام بها.

*أستاذ علم الأدوية (مصر)

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"