«هواوي» تشعل الصراع بين الصين والغرب

02:35 صباحا
قراءة 5 دقائق
د. أحمد قنديل *

في تطور مهم على خط سجال آخذ في التصاعد بين بكين وواشنطن، وفي مشهد يراه البعض امتداداً للحرب التجارية بين القوتين الاقتصاديتين الأبرز في العالم، أوقفت السلطات في مدينة فانكوفر الكندية مينج وانزو، المديرة المالية بشركة التكنولوجيا الصينية العملاقة هواوي Huawei، في الأول من ديسمبر/كانون الأول الجاري، خلال تواجدها في مطار المدينة لتبديل الطائرة في رحلة بين هونج كونج والمكسيك.
جاء هذا التوقيف بناء على طلب من جانب واشنطن، التي ترتبط باتفاقية لتسليم المجرمين مع كندا، وتتهم مينج (46 عاماً) بالكذب على عدد من البنوك الأمريكية بشأن العلاقات بين شركة هواوي وشركة «سكايكوم»، ما سمح لهذه الأخيرة بدخول السوق الإيرانية، في انتهاك صريح للعقوبات الأمريكية المفروضة على طهران بسبب برامجها النووية والصاروخية. ويعتبر هذا الكذب من جانب مينج جريمة يعاقب عليها القانون الأمريكي بالسجن لمدة ثلاثين عاما. ورغم أن محكمة كندية أفرجت عن مينج، لأسباب صحية، بكفالة قدرها 7.5 مليون دولار في وقت سابق من الشهر الجاري، إلا أنها فرضت عليها البقاء داخل حدود مدينة فانكوفر الكندية، انتظارا لانعقاد جلسة في فبراير/شباط القادم للنظر في طلب تسليمها للولايات المتحدة.
ويثير اعتقال المديرة المالية وابنة مؤسس شركة «هواوي» الصينية في كندا، بناء على طلب واشنطن، جدلا واسعا حول تبعات هذه الخطوة على الصراع التجاري المشتعل مع بكين منذ قدوم إدارة الرئيس الأمريكي إلى السلطة، لا سيما أن واشنطن وبكين أعلنتا «هدنة تجارية» مدتها 90 يوما، قبل لقاء جمع بين الرئيسين الأمريكي والصيني على هامش قمة العشرين في الأرجنتين في نفس اليوم الذي تم فيه توقيف المواطنة الصينية. حيث اشتعل التوتر السياسي والدبلوماسي بين العملاقين الأمريكي والصيني عقب توقيف مينج، بعدما أكدت وزارة الخارجية الصينية أن بكين «لن تقف مكتوفة الأيدي» إذا تعرض مواطنوها «لسوء معاملة» في الخارج، مشيرة إلى أن الجانب الأمريكي انتهك بشكل جدي و«سيئ للغاية» الحقوق المشروعة ومصالح المواطنين الصينيين. كما حضت الصين، الولايات المتحدة، على «اتخاذ إجراءات فورية لتصحيح الممارسات الخاطئة، وإلغاء مذكرة التوقيف الصادرة بحق المواطنة الصينية». واستدعت بكين أيضا السفير الأمريكي، بعد ساعات من استدعائها السفير الكندي، للاحتجاج على توقيف المديرة المالية لشركة هواوي الصينية.
إلا أن التحركات الدبلوماسية الصينية الأخيرة لا يبدو أنها سوف تنجح بسهولة في حل أزمة شركة هواوي. فإلى جانب اتهامها بانتهاك العقوبات المفروضة على إيران والكذب على البنوك الأمريكية، تتهم المخابرات الأمريكية الشركة الصينية العملاقة بالتجسس لصالح الاستخبارات العسكرية الصينية. ففي وقت سابق من عام 2018، على سبيل المثال، حذرت لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ الأمريكي، إلى جانب مسؤولي مكتب التحقيقات الفيدرالي (إف بي آي) ووكالة الأمن القومي، الأمريكيين من استخدام منتجات «هواوي» لأنها تجعلهم عرضة للتنصت، خاصة بعد أن تم إقرار قانون المعلومات الوطني الصيني في عام 2017، الذي ينص على أن الهيئات والشركات الصينية يجب أن تدعم وتتعاون مع عمل أجهزة الاستخبارات الوطنية.
ويأتي الموقف الأمريكي المتشدد تجاه عملاق التكنولوجيا الصيني هواوي في ظل مخاوف من تهديده للأمن القومي للدول الغربية، بعد أن أصبح أكبر مزود في العالم لمعدات الشبكات المستخدمة من جانب شركات الهاتف والإنترنت. وبحسب واشنطن، سوف تتمكن بكين، من خلال سيطرة شركة هواوي على شبكات الاتصالات الحيوية في العالم، ليس فقط من التجسس على الاتصالات في عواصم الدول الغربية، وإنما أيضا من قطع هذه الاتصالات في حال أي نزاع مستقبلي مع هذه الدول، وهو الأمر الذي سوف يكسبها ميزة استراتيجية كبرى في أي مواجهة مستقبلية مع الغرب.
وفي ضوء ذلك، يمكن تفهم إصرار واشنطن وعدد كبير من حلفائها في بريطانيا واليابان وأستراليا ونيوزيلندا على منع الشركات المحلية لديها من استخدام شركة هواوي في توفير تكنولوجيا إنتاج الجيل الخامس من الاتصالات الحديثة المعروفة باسم SG، وهي التقنية السريعة للغاية وعالية الجودة التي ستربط وتوصل جميع الأجهزة الهاتفية والمعدات المختلفة ببعضها عبر تقنية ذكاء اصطناعي غير مسبوق.
وفي ضوء ذلك، يرى كثير من المراقبين أن استمرار توقيف ابنة مؤسس شركة هواوي الصينية في كندا رغم الإفراج المشروط عنها، واحتمال تسليمها إلى الولايات المتحدة في المستقبل القريب، سيؤدي، على الأرجح، إلى نتائج كارثية بالنسبة لعملاق التكنولوجيا الصيني هواوي مثل خسارته الوصول إلى الأسواق الغربية المربحة، وبالتالي خسارة القدرة على النمو المتواصل وتمويل إنفاقه على الأبحاث والتطوير.
كما أن هذا التوقيف أيضا قد يمنع الشركات الأمريكية مثل «إنتل» و«كوالكوم» من بيع العملاق الصيني شرائح أو غيرها من الأجهزة الإلكترونية التي يتوقف عليها عمل شركة هواوي. وسبق أن اتّبعت واشنطن هذه الاستراتيجية في العام الجاري ضد مجموعة عملاقة صينية أخرى هي «زد تي إيه» للاتصالات التي وصلت إلى شفير الإفلاس بعد منع الشركات الأمريكية من بيعها أجهزة ومكونات وبرامج معلوماتية، قبل أن تتوصل إلى تسوية مالية بدفعها غرامة بقيمة مليار دولار لإدانتها بانتهاك الحظر على إيران، وهي التهمة نفسها الموجهة إلى شركة هواوي.
وفي هذا السياق، من المتوقع أيضا أن يؤدي استمرار توقيف ابنة مؤسس شركة هواوي الصينية إلى صب مزيد من الزيت على النار المشتعلة في العلاقات الصينية- الأمريكية، خاصة أنه يأتي في وقت تتصاعد فيه التوترات بين العملاقين الاقتصاديين، حيث يتهم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بكين بممارسات تجارية غير عادلة، وبتبني حملة قوية لتخطي التفوق الأمريكي في المجال التكنولوجي وبالتالي قيادة النظام الاقتصادي العالمي، سواء من خلال إجبار الشركات الأمريكية، وغيرها من الشركات الأجنبية، على تسليم أسرارها التجارية في مقابل الدخول إلى السوق الصينية أو من خلال سرقة حقوق الملكية الفكرية عبر الإنترنت. كما تعتبر واشنطن أيضا أن خطة التنمية الطموحة طويلة الأجل لبكين، والمعروفة باسم «صنع في الصين عام 2025»، ما هي إلا مخطط لإضعاف الشركات الأمريكية من أجل تسهيل الهيمنة الصينية على العالم في مجالات الروبوتات والسيارات الكهربائية ورقائق الكمبيوتر، من خلال دعم الشركات الصينية بشكل غير عادل في مواجهة المنافسين الأجانب.
أزمة هواوي بين الصين والغرب سوف تضعف بشدة فرص تحسين العلاقات بين الجانبين في المستقبل، خاصة أن كثيرا من الصينيين يعتقدون أن الإدارة الأمريكية الحالية، وحلفاءها في عدد من الدول الغربية، تستخدم هذه القضية عن قصد للقضاء على الشركات الصينية الرائدة، مثل شركة هواوي، ولتحقيق الهدف النهائي المتمثل في سحق منافسهم الجيوسياسي الأول في العالم.

* خبير الشؤون الآسيوية والعلاقات الدولية
(مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية)

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"