آثار مروح وبينونة تحكي تاريخ الأسلاف

تعود إلى أكثر من سبعة آلاف عام
02:35 صباحا
قراءة 4 دقائق
العين:هديل عادل

برهنت اكتشافات أثرية جديدة في جزيرة مروح وموقع بينونة على عمق تاريخي لسكان أبوظبي الأوائل يصل لأكثر من 7 آلاف عام، وبينت الآثار التي تم اكتشافها في تلك المناطق أنها كانت مأهولة بالسكان، الذين تمكنوا من تطوير مهاراتهم وسلوكياتهم الحياتية، وكانوا قادرين على التجارة وسط ظروف صعبة، وتأقلموا مع محيطهم وعالمهم الخارجي، وفيما يلي نسلط الضوء على هذه التنقيبات في محاولة لفهم حياة الأسلاف.
يقول عبدالله خلفان الكعبي، مختص آثار التراث الساحلي في إدارة البيئة التاريخية في هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة: «أظهرت التنقيبات الأخيرة في جزيرة مروح وموقع بينونة الأثري أساليب البناء المتقدمة التي اعتمدها سكان هذه المناطق في أبوظبي خلال العصر الحجري الحديث، والتي أتاحت للخبراء والآثاريين فرصة الحصول على معلومات عن تاريخ تطور الإمارة ومعرفة تفاصيل مهمة في حياة سكانها الأوائل قبل 7.500 عام، ولا شك أن هذه الاكتشافات تدفعنا إلى تكثيف جهودنا والاستمرار في عمليات التنقيب، وإجراء دراسات مهمة لفهم كيف كان يعيش أسلافنا، وطبيعة أرضنا وتاريخها، وتوفير هذه المعلومات لأجيالنا القادمة».
نتائج التنقيبات
عن أهم المكتشفات في جزيرة مروح، يضيف الكعبي: «أكدت الاكتشافات الأثرية في جزيرة مروح قبالة سواحل أبوظبي على أنها من أولى القرى الحجرية التي تم بناؤها في منطقة الخليج العربي، وركزت عمليات التنقيب على واحدة من 7 تلال لتكشف عن بناء معماري لثلاث غرف حجرية متصلة، حيث أظهر اختبار الكربون المشع أن القرية تعود إلى العصر الحجري الحديث، ويعتبر نمط عمارتها فريداً بالنسبة لتلك الفترة، ولم يسبق اكتشافه من قبل في منطقة الجزيرة العربية».
ويتابع: «بينت الاستكشافات أيضاً استخدام سكان المنطقة أدوات حجرية لصيد الحيوانات مثل الغزلان، وقاموا بتربية الماشية، كما أن الكميات الكبيرة من عظام الأسماك وبقر البحر والسلاحف والدلافين كشفت عن طبيعة علاقتهم بالبحر، واستخدام موارده كمصدر مهم للغذاء، وتم كذلك اكتشاف حبات خرز صغيرة مصنوعة من الأصداف وناب لسمكة قرش تم ثقبها بعناية كبيرة واستخدامها لغرض الزينة».
ويشير الكعبي إلى أن نتائج التنقيبات أكدت استخدام سكان جزيرة مروح البحر لغرض التجارة، حيث تم اكتشاف جرة خزفية، أظهرت دراستها أنها من منطقة بلاد الرافدين، وتم نقلها لمسافة تقارب 1000 كم، لتكون بذلك أحد البراهين الأولى على التجارة البحرية لمسافات طويلة عبر الخليج العربي.
ويواصل قائلاً: «كانت معدلات هطول الأمطار في جزيرة مروح قبل 6 آلاف عام أكثر مما هي عليه اليوم، حيث تغير حال المنطقة لتغدو قاحلةً للغاية، ويعتقد أن هذا كان سبب انتقال سكانها إلى مناطق أخرى، وبعد التخلي عن القرية، استخدم السكان بعض غرف مبانيها لدفن أمواتهم؛ حيث تم العثور على هيكلين عظميين في هذه الغرف، وتتشابه هذه الطريقة في دفن الموتى مع نظيرتها في مدافن العصر الحجري الأخرى على غرار مدافن جبل البحيص في إمارة الشارقة، وسيقوم خبراء متخصصون خلال فترة قصيرة بفحص بقايا الهياكل العظمية لاكتشاف مزيد من المعلومات حول عمر أصحابها».
عادات قديمة
يتحدث أحمد عبدالله الحاج الفكي، خبير الآثار من هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة عما أظهرته عمليات التنقيب في موقع بينونة، قائلاً: «جرت عمليات التنقيب الجديدة في بينونة على مسافة 130 كيلومتراً جنوب شرق أبوظبي، وأظهرت جانباً آخر من جوانب الحياة القديمة في الإمارة، حيث تناثرت على سطح صحرائها أجزاء بيضاء اللون لعظام حيوانات يعتقد أنها بقايا لإبل برية تم اصطيادها قبل 6500 عام، وأكدت الأبحاث التي جرت في هذا الإطار أن الناس في الماضي كانوا يستدرجون هذه الحيوانات إلى أرض رطبة (الوحل)، فتغدو غير قادرة على السير، مما يسهل عملية صيدها، وكان صيد هذه الحيوانات البرية الضخمة يشكل تحدياً كبيراً آنذاك، ولذلك فإن إبطاء سرعة الحيوانات يمنح الصيادين فرصة اصطياد المزيد من الإبل، كما أن اكتشاف رأس رمح مصنوع من حجر الصوان داخل القفص الصدري لأحد الحيوانات يوضح آلية اصطيادها».
ويضيف الفكي: «شكلت بينونة دليلاً واضحاً على عمليات الصيد الواسعة لحيوانات الإبل البرية في المنطقة، ومن خلال صيدها، اكتسب سكانها الكثير من المعارف حول عاداتها الطبيعية، وكانت هذه المعلومات ضرورية لترويضها خلال فترة لاحقة، ولم يكن مستغرباً أن تبين الأبحاث العلمية الأخرى أن جنوب شرق المنطقة العربية كان موقعاً لترويض النوع البري منها، وشكل لحمها مصدراً غذائياً مهماً للسكان في ذلك الوقت، الذي كانت تميل فيه مصادر الغذاء الأخرى إلى الندرة شيئاً فشيئاً، حيث كان اصطياد طريدة كبيرة كافياً لإطعام قبيلة بكاملها، وأكدت مواقع أخرى مثل الصفوح في دبي استمرار هذا النمط من صيد الإبل حتى العصر البرونزي».
ويعمل خبراء الآثار في بينونة اليوم على التعمق أكثر في فهم بيولوجية الإبل البرية، حيث تم اكتشاف هيكل عظمي كامل في الموقع، ويحظى ذلك بأهمية خاصة باعتبارها انقرضت ولا توجد معلومات أو دراسات عنها حالياً، وما زالت عمليات التنقيب مستمرة في كلا الموقعين.
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"