أئمة الحديث.. المؤتمنون على السُّنة

وما ينطق عن الهوى
01:59 صباحا
قراءة 4 دقائق

‮ ‬يعد الإمام أحمد بن حنبل الشيباني من أهم وأشهر أئمة الحديث،‮ ‬وقد كان من أخلد آثاره وأجزلها فائدة وأعظمها بركة على السنة كتابه «المسند» الذي‮ ‬أورد فيه نحو أربعين ألف حديث،‮ ‬منها عشرة آلاف مكررة،‮ ‬من مجموعة سبعمئة ألف حديث وخمسين ألفاً كان‮ ‬يحفظها،‮ ‬وطريقته في‮ ‬تأليفه أنه‮ ‬يجمع أحاديث كل صحابي‮ ‬في‮ ‬باب واحد،‮ ‬فما روي عن أبي‮ ‬بكر‮، ‬رضي‮ ‬الله عنه‮، ‬مثلا‮ً ‬يجمعه في‮ ‬باب واحد،‮ ‬رغم اختلاف موضوعات الأحاديث‮.‬
‮ ‬يقول د. مصطفى السباعي‮ ‬في‮ ‬كتابه‮ «‬السنة ومكانتها في‮ ‬التشريع الإسلامي‮»: إن من الأئمة العظام في‮ ‬الحديث الإمام البخاري‮ ‬الذي‮ ‬كان لا‮ ‬يسمع بشيخ في‮ ‬الحديث إلا رحل إليه واختبره وسأل عنه وأخذ منه،‮ ‬وكان آية في‮ ‬الحفظ وقوة الذاكرة والبصر بعلل الأسانيد ومتونها،‮ ‬وقصته في‮ ‬بغداد حين امتحنه علماؤها مشهورة تدل على مبلغ‮ ‬حفظه وإمامته في‮ ‬هذا الفن،‮ ‬وقد كافأه الله على صبره وجلده وتحمله المشاق في‮ ‬سبيل السنة بإقبال الناس عليه وإشادتهم بذكره وفضله،‮ ‬قال محمود بن الناظر بن سهل الشافعي‮: (‬دخلت البصرة والشام والحجاز والكوفة ورأيت علماءها،‮ ‬كلما جرى ذكر محمد بن إسماعيل البخاري‮ ‬فضلوه على أنفسهم‮)‬،‮ ‬وكان قد سمع مرة شيخه إسحاق بن راهويه‮ ‬يقول لتلاميذه‮: «لو جمعتم كتاباً‮ ‬مختصراً‮ ‬لصحيح سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم‮» ‬قال البخاري‮: (‬فوقع ذلك في‮ ‬قلبي‮ ‬فأخذت في‮ ‬جمع الجامع الصحيح‮) ‬وقد أمضى في‮ ‬جمعه وتمحيصه وتأليفه ستة عشر عاماً،‮ ‬وما وضع فيه حديثاً إلا بعد أن‮ ‬يغتسل ويصلي‮ ‬ركعتين،‮ ‬ثم‮ ‬يستخير الله تعالى في‮ ‬وضعه،‮ ‬ولم‮ ‬يخرج فيه إلا ما صح عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بالسند المتصل الذي‮ ‬توفر في‮ ‬رجاله العدالة والضبط واللقيا،‮ ‬ولم‮ ‬يكن‮ ‬يكتفي‮ ‬بإمكان معاصرة التلميذ للشيخ،‮ ‬بل لا بد من ثبوت سماعه منه ولقياه له،‮ ‬وبهذا كان أول كتاب في‮ ‬السنة على هذه الشروط الدقيقة،‮ ‬تجرد من الأحاديث الضعيفة والحسنة،‮ ‬واقتصر على الأحاديث الصحيحة فقط.
ولم‮ ‬يُعْنَ علماء الإسلام بكتاب‮ ‬«بعد القرآن‮» كما عنوا بصحيح البخاري‮ ‬حتى بلغ‮ ‬الذين كتبوا حوله ما بين شرح واختصار وترجمة رجال،‮ ‬عدداً‮ ‬كبيراً جداً،‮ ‬وحسبك أن تعلم أن عدد شروحه فحسب بلغت اثنين وثمانين شرحاً‮ ‬كما ذكر ذلك صاحب «كشف الظنون»،‮ ‬ومن أشهر هذه الشروح الأربعة‮: ‬شرح الإمام بدر الدين الزركشي‮ ‬واسمه التنقيح‮ (-‬497ه‮)‬،‮ ‬وشيخ الإسلام ابن حجر‮ (-‬258ه‮) ‬في‮ ‬فتح الباري،‮ ‬وهو أجل هذه الشروح وأوفاها وأكثرها شهرة وفائدة‮. ‬والعلامة العيني‮ ‬الحنفي‮ (-‬558ه‮) ‬في‮ ‬عمدة القارئ،‮ ‬والجلال السيوطي‮ (-‬119ه‮) ‬في‮ ‬التوشيح‮.‬
‮ ‬ويعتبر الإمام مسلم،‮ ‬أحد أئمة الحديث ومشاهيره وضع كتاب «الصحيح» المشهور بصحيح مسلم،‮ ‬وهو من أجل الكتب وأصحها مع «صحيح البخاري»،‮ ‬وبلغت أحاديثه دون المكرر أربعة آلاف،‮ ‬وبالمكرر ‮ ‬7275. وشرحه كثير من الأئمة والحفاظ وذكر منها صاحب «كشف الظنون» خمسة عشر شرحاً‮ ‬من أشهرها شرح الإمام الحافظ أبي‮ ‬زكريا‮ ‬يحيى بن شرف النووي‮ ‬الشافعي (-676ه)‮ ‬،‮ ‬واختصره أيضاً‮ ‬عدد من العلماء، ومن أشهر مختصراته «تلخيص كتاب مسلم» وشرحه لأحمد بن عمر القرطبي‮ (-656ه) ‬ومختصر الحافظ زكي‮ ‬الدين عبد العظيم المنذري (-656ه)
‮ ‬أيضاً‮ ‬يعد الإمام النسائي‮ ‬إمام عصره في‮ ‬الحديث والقدوة في‮ ‬الجرح والتعديل،‮ ‬وألف سننه الكبرى،‮ ‬أولاً مشتملة على الصحيح والمعلول،‮ ‬ثم اختصرها في‮ ‬السنن الصغرى وسماها‮ «‬المجتبى‮» ‬وهي‮ ‬تلي‮ ‬في‮ ‬الدرجة الصحيحين،‮ ‬لأنها أقل السنن ضعفاً‮ ‬وقد شرح سننه الجلال السيوطي‮ ‬في‮ ‬كتاب مختصر سماه‮ «‬زهر الربى على المجتبي‮»‬،‮ ‬وكذلك أبو الحسن محمد بن عبد الهادي‮ ‬السندي‮ ‬الحنفي‮ (-8311ه) ‬اقتصر فيه على ما‮ ‬يحتاج إليه القارئ والمدرس من ضبط اللفظ وإيضاح الغريب‮.‬
‮ ‬أما الإمام أبو داود،‮ ‬فقد انتقى سننه من خمسمئة ألف حديث،‮ ‬فبلغت أربعة آلاف وثمانمئة حديث،‮ ‬وقصرها على أحاديث الأحكام وبذلك كان أول من ألف في‮ ‬الأحكام من أصحاب السنن والصحاح،‮ ‬وسننه جامعة للأحاديث التي‮ ‬استدل بها فقهاء الأمصار وبنوا عليها الأحكام،‮ ‬ولذلك قال الإمام أبو سليمان الخطابي‮ ‬في‮ «‬معالم السنن‮»: ‬اعلموا‮ ‬رحمكم الله ‬أن كتاب السنن لأبي‮ ‬داود كتاب شريف لم‮ ‬يصنف في‮ ‬علم الدين كتاب مثله،‮ ‬وقد رزق القبول من كافة الناس فصار حكماً‮ ‬بين فرق العلماء وطبقات الفقهاء على اختلاف مذاهبهم،‮ ‬فلكل فيه ورد،‮ ‬ومنه شرب،‮ ‬وعليه معول أهل العراق وأهل مصر وبلاد المغرب وكثير من أقطار الأرض،‮ ‬فأما أهل خراسان فقد أولع أكثرهم بكتاب محمد بن إسماعيل ومسلم بن الحجاج ومن نحا نحوهم في‮ ‬جمع الصحيح على شرطهما في‮ ‬السبك والانتقاد،‮ ‬إلا أن كتاب أبي‮ ‬داود أحسن رصفاً وأكثر فقهاً،‮ ‬وكتاب أبي‮ ‬عيسى‮ (‬الترمذي‮) ‬أيضاً‮ ‬كتاب حسن‮.‬
‮ ‬ويذكر الإمام الذهبي‮ ‬في‮ ‬كتاب‮ «‬ميزان الاعتدال‮»‬،‮ ‬أن الإمام الترمذي‮ ‬ألف جامعة على أبواب الفقه وغيره،‮ ‬واشتمل على الصحيح،‮ ‬والحسن والضعيف،‮ ‬مع بيان درجة كل حديث في‮ ‬موضعه،‮ ‬وبيان وجه ضعفه،‮ ‬وبين مذاهب الصحابة وعلماء الأمصار في‮ ‬كل المسائل التي‮ ‬عقد لها أبواباً،‮ ‬ومن ميزاته أنه أفرد في‮ ‬آخره فصلاً للعلل جمع فيه قواعد هامة‮.‬
‮ ‬وأشار ابن كثير في‮ ‬كتاب‮ «البداية والنهاية» ‬إلى أن الإمام ابن ماجة،‮ ‬يعد واحداً‮ ‬من علماء وأئمة الحديث المشهورين‮.
‬ويقول عنه أبو‮ ‬يعلى‮ ‬الخليلي‮ ‬القزويني‮: وكان عالماً‮ ‬بهذا الشأن صاحب تصانيف منها‮: ‬التاريخ والسنن وارتحل إلى العراق ومصر والشام‬،‮ ‬وقال ابن كثير‮: (‬صاحب السنن المشهورة وهي‮ ‬دالة على علمه وعمله وتبحره واطلاعه واتباعه للسنة في‮ ‬الأصول والفروع‮)‬،‮ ‬ويشتمل على اثنين وثلاثين كتاباً،‮ ‬وألف وخمسمئة باب،‮ ‬وعلى أربعة آلاف حديث،‮ ‬كلها جياد سوى اليسيرة،‮ ‬توفي‮ (‬رحمه الله‮) ‬سنة‮ ‬273ه‮.‬
‮ ‬وكان كثير من القدماء والمتأخرين‮ ‬يعدون أصول كتب الحديث خمسة‮: ‬البخاري‮ ‬ومسلم والنسائي‮ ‬وأبي‮ ‬داود والترمذي،‮ ‬ولكن بعض المتأخرين أضاف إليهم ابن ماجة لأنهم رأوا كتابه عظيم الفائدة في‮ ‬الفقه،‮ ‬وأول من فعل ذلك الحافظ أبو الفضل محمد ابن طاهر المقدسي‮ (-‬507ه‮).‬
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"