يعد الإمام أحمد بن حنبل الشيباني من أهم وأشهر أئمة الحديث، وقد كان من أخلد آثاره وأجزلها فائدة وأعظمها بركة على السنة كتابه «المسند» الذي أورد فيه نحو أربعين ألف حديث، منها عشرة آلاف مكررة، من مجموعة سبعمئة ألف حديث وخمسين ألفاً كان يحفظها، وطريقته في تأليفه أنه يجمع أحاديث كل صحابي في باب واحد، فما روي عن أبي بكر، رضي الله عنه، مثلاً يجمعه في باب واحد، رغم اختلاف موضوعات الأحاديث.
يقول د. مصطفى السباعي في كتابه «السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي»: إن من الأئمة العظام في الحديث الإمام البخاري الذي كان لا يسمع بشيخ في الحديث إلا رحل إليه واختبره وسأل عنه وأخذ منه، وكان آية في الحفظ وقوة الذاكرة والبصر بعلل الأسانيد ومتونها، وقصته في بغداد حين امتحنه علماؤها مشهورة تدل على مبلغ حفظه وإمامته في هذا الفن، وقد كافأه الله على صبره وجلده وتحمله المشاق في سبيل السنة بإقبال الناس عليه وإشادتهم بذكره وفضله، قال محمود بن الناظر بن سهل الشافعي: (دخلت البصرة والشام والحجاز والكوفة ورأيت علماءها، كلما جرى ذكر محمد بن إسماعيل البخاري فضلوه على أنفسهم)، وكان قد سمع مرة شيخه إسحاق بن راهويه يقول لتلاميذه: «لو جمعتم كتاباً مختصراً لصحيح سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم» قال البخاري: (فوقع ذلك في قلبي فأخذت في جمع الجامع الصحيح) وقد أمضى في جمعه وتمحيصه وتأليفه ستة عشر عاماً، وما وضع فيه حديثاً إلا بعد أن يغتسل ويصلي ركعتين، ثم يستخير الله تعالى في وضعه، ولم يخرج فيه إلا ما صح عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بالسند المتصل الذي توفر في رجاله العدالة والضبط واللقيا، ولم يكن يكتفي بإمكان معاصرة التلميذ للشيخ، بل لا بد من ثبوت سماعه منه ولقياه له، وبهذا كان أول كتاب في السنة على هذه الشروط الدقيقة، تجرد من الأحاديث الضعيفة والحسنة، واقتصر على الأحاديث الصحيحة فقط.
ولم يُعْنَ علماء الإسلام بكتاب «بعد القرآن» كما عنوا بصحيح البخاري حتى بلغ الذين كتبوا حوله ما بين شرح واختصار وترجمة رجال، عدداً كبيراً جداً، وحسبك أن تعلم أن عدد شروحه فحسب بلغت اثنين وثمانين شرحاً كما ذكر ذلك صاحب «كشف الظنون»، ومن أشهر هذه الشروح الأربعة: شرح الإمام بدر الدين الزركشي واسمه التنقيح (-497ه)، وشيخ الإسلام ابن حجر (-258ه) في فتح الباري، وهو أجل هذه الشروح وأوفاها وأكثرها شهرة وفائدة. والعلامة العيني الحنفي (-558ه) في عمدة القارئ، والجلال السيوطي (-119ه) في التوشيح.
ويعتبر الإمام مسلم، أحد أئمة الحديث ومشاهيره وضع كتاب «الصحيح» المشهور بصحيح مسلم، وهو من أجل الكتب وأصحها مع «صحيح البخاري»، وبلغت أحاديثه دون المكرر أربعة آلاف، وبالمكرر 7275. وشرحه كثير من الأئمة والحفاظ وذكر منها صاحب «كشف الظنون» خمسة عشر شرحاً من أشهرها شرح الإمام الحافظ أبي زكريا يحيى بن شرف النووي الشافعي (-676ه) ، واختصره أيضاً عدد من العلماء، ومن أشهر مختصراته «تلخيص كتاب مسلم» وشرحه لأحمد بن عمر القرطبي (-656ه) ومختصر الحافظ زكي الدين عبد العظيم المنذري (-656ه)
أيضاً يعد الإمام النسائي إمام عصره في الحديث والقدوة في الجرح والتعديل، وألف سننه الكبرى، أولاً مشتملة على الصحيح والمعلول، ثم اختصرها في السنن الصغرى وسماها «المجتبى» وهي تلي في الدرجة الصحيحين، لأنها أقل السنن ضعفاً وقد شرح سننه الجلال السيوطي في كتاب مختصر سماه «زهر الربى على المجتبي»، وكذلك أبو الحسن محمد بن عبد الهادي السندي الحنفي (-8311ه) اقتصر فيه على ما يحتاج إليه القارئ والمدرس من ضبط اللفظ وإيضاح الغريب.
أما الإمام أبو داود، فقد انتقى سننه من خمسمئة ألف حديث، فبلغت أربعة آلاف وثمانمئة حديث، وقصرها على أحاديث الأحكام وبذلك كان أول من ألف في الأحكام من أصحاب السنن والصحاح، وسننه جامعة للأحاديث التي استدل بها فقهاء الأمصار وبنوا عليها الأحكام، ولذلك قال الإمام أبو سليمان الخطابي في «معالم السنن»: اعلموا رحمكم الله أن كتاب السنن لأبي داود كتاب شريف لم يصنف في علم الدين كتاب مثله، وقد رزق القبول من كافة الناس فصار حكماً بين فرق العلماء وطبقات الفقهاء على اختلاف مذاهبهم، فلكل فيه ورد، ومنه شرب، وعليه معول أهل العراق وأهل مصر وبلاد المغرب وكثير من أقطار الأرض، فأما أهل خراسان فقد أولع أكثرهم بكتاب محمد بن إسماعيل ومسلم بن الحجاج ومن نحا نحوهم في جمع الصحيح على شرطهما في السبك والانتقاد، إلا أن كتاب أبي داود أحسن رصفاً وأكثر فقهاً، وكتاب أبي عيسى (الترمذي) أيضاً كتاب حسن.
ويذكر الإمام الذهبي في كتاب «ميزان الاعتدال»، أن الإمام الترمذي ألف جامعة على أبواب الفقه وغيره، واشتمل على الصحيح، والحسن والضعيف، مع بيان درجة كل حديث في موضعه، وبيان وجه ضعفه، وبين مذاهب الصحابة وعلماء الأمصار في كل المسائل التي عقد لها أبواباً، ومن ميزاته أنه أفرد في آخره فصلاً للعلل جمع فيه قواعد هامة.
وأشار ابن كثير في كتاب «البداية والنهاية» إلى أن الإمام ابن ماجة، يعد واحداً من علماء وأئمة الحديث المشهورين.
ويقول عنه أبو يعلى الخليلي القزويني: وكان عالماً بهذا الشأن صاحب تصانيف منها: التاريخ والسنن وارتحل إلى العراق ومصر والشام، وقال ابن كثير: (صاحب السنن المشهورة وهي دالة على علمه وعمله وتبحره واطلاعه واتباعه للسنة في الأصول والفروع)، ويشتمل على اثنين وثلاثين كتاباً، وألف وخمسمئة باب، وعلى أربعة آلاف حديث، كلها جياد سوى اليسيرة، توفي (رحمه الله) سنة 273ه.
وكان كثير من القدماء والمتأخرين يعدون أصول كتب الحديث خمسة: البخاري ومسلم والنسائي وأبي داود والترمذي، ولكن بعض المتأخرين أضاف إليهم ابن ماجة لأنهم رأوا كتابه عظيم الفائدة في الفقه، وأول من فعل ذلك الحافظ أبو الفضل محمد ابن طاهر المقدسي (-507ه).