أردوغان يلعب بالنار في سوريا

03:14 صباحا
قراءة 5 دقائق
د. محمد فراج أبو النور *

القصف المدفعي التركي للقوات السورية في منطقة إدلب (صباح الاثنين 3 فبراير/شباط) عمل إجرامي أرعن، بالغ الخطورة، يهدد بانفجار شامل للموقف بين دمشق وأنقرة، وهو انفجار- إذا حدث- من الصعب للغاية أن تبقى موسكو بمنأى عنه، وهو أمر ينطوي على مخاطر أكبر، خاصة إذا وضعنا في اعتبارنا أن تركيا دولة عضو في حلف ناتو، وأن الولايات المتحدة تتخذ مواقف متصاعدة في عدائها تجاه روسيا.
تتضارب الروايات حول هذا الموقف الخطر، فيقول أردوغان: إن القوات السورية بدأت بقصف القوات التركية في إحدى نقاط المراقبة في منطقة (سراقب) فقتلت (4) جنود أتراك، وجرحت (9)، ورفعت وزارة الدفاع التركية عدد القتلى إلى (6) في بيان لها، ظهر الاثنين، على الرغم من علمها بتمركز القوات التركية في الموقع، بينما أعلنت وزارة الدفاع الروسية أن تركيا لم تخطرها بعزمها على بناء (3) نقاط جديدة للمراقبة في المنطقة، ولا بوجود قوات لها في هذه النقاط، حسبما تقضي به اتفاقات إقامة مناطق خفض التصعيد، واتفاقية «سوتشي- 1» بخصوص وقف إطلاق النار، وتحركات القوات في إدلب.
وعلى الفور ردت القوات التركية بقصف مدفعي مكثف طال (46) موقعاً سورياً، حسبما قال أردوغان (لاحظ: قصف 46 موقعاً مقابل موقع واحد!)، وعلى الرغم من إعلان أردوغان عن «تحييد»- استشهاد (30- 35 جندياً سورياً) فإنه أضاف «ولا تزال طائرات إف- 16 التركية ترد على قصف جنودنا في إدلب»! و«إننا لا يمكن أن نصمت على استشهاد جنودنا، سوف نواصل الرد!» إلى متى؟! وقال أردوغان مخاطباً روسيا: «لستم الطرف الذي نتعامل معه؛ بل هو النظام السوري، ونأمل ألا يتم وضع العراقيل أمامنا»!

تصعيد متعمد واستقواء

معروف أن المكاسب العسكرية الكبيرة التي حققتها القوات السورية مع حلفائها في إدلب وغربي حلب؛ قد جعلت أردوغان يستشيط غضباً، ويرغي ويزبد، متهماً روسيا بأنها «لم تفِ بوعودها، وأنه يعد أن تفاهمات أستانة واتفاقية «سوتشي- 1» لم تعد موجودة»! علماً بأن هذه الاتفاقية الأخيرة كانت تقضي بإقامة منطقة عازلة بعمق (15- 20كم) حول منطقة إدلب، وسحب قوات الإرهابيين (النصرة وما شابهها) ونزع سلاحها، وفتح طريقي حلب- دمشق، وحلب- اللاذقية بحلول (15 يناير/كانون الثاني 2019)، أي منذ أكثر من عام، كما أن الاتفاقات لا تعطه الحق في إقامة نقاط مراقبة وقتما وحيثما يريد؛ (بل تحدد له 12 نقطة)، ولا بإيواء الإرهابيين داخلها، كما ثبت مراراً وتكراراً.
ومهم هنا أن نذكر أن أردوغان كان قد اتصل بالرئيس الأمريكي ترامب منذ أيام قليلة، ونعتقد أن نتائج هذا الاتصال، قد تسهم في تفسير حالة الاندفاع والاستقواء والإصرار على التصعيد، التي يتسم بها حديث أردوغان، ورد فعله العملي على السواء، والتي تهدد بعواقب خطرة إذا لم يتم ضبطها، ووضع مصالح الأمن والسلام الإقليمي والعالمي في مقدمة الاهتمامات.
على أي حال فإن ما يجري على الحدود السورية - التركية، وفي دمشق وأنقرة وموسكو (وواشنطن)، سيكون محل متابعة دقيقة من جانب المراقبين، وبصورة لحظية - وللعلم فإننا لا نستبعد حدوث تغييرات دراماتيكية في مواقف أردوغان؛ لأسباب تخصه فهو سياسي غريب الأطوار، ومتقلب للغاية، وللتمثيل والابتزاز دور كبير في أدائه.
والواقع أن الدهشة لن تقتلنا إذا اتضح أن كل هذه الضجة الرهيبة هي طريقة أردوغان الخاصة؛ للضغط من أجل وقف إطلاق النار، ووقف مسلسل هزائم الإرهابيين الموالين له، واستعادة بعض أوراق قوته المفقودة في سوريا!

مسلسل الهزائم للإرهابيين

وعلى الرغم من كل أحداث صباح وظهر الاثنين (3 فبراير) فإن معارك القوات السورية إلى جانب حلفائها مستمرة وبقوة حتى كتابة هذه السطور، ولا يزال مسلسل هزائم الإرهابيين مستمراً، وأبرز مكاسب معارك الأسبوعين الماضيين من القتال؛ هو استعادة القوات السورية السيطرة على مدينة (معرة النعمان) الاستراتيجية المطلة على طريق حلب - دمشق الدولي، والمدينة الثانية من حيث المساحة في المحافظة، كما سيطر الجيش على عشرات من القرى والتلال الحاكمة والمواقع الحصينة للإرهابيين.
وتتقدم القوات السورية على ثلاثة محاور في اتجاه مدينة سراقب الاستراتيجية ملتقى الطريقين الدوليين من حلب إلى كل من دمشق واللاذقية، وأصبح الجيش السوري على بعد كيلومترات قليلة من سراقب.
أما في معارك حلب وريفها، فقد تمكن الجيش من استعادة السيطرة على عدد من ضواحي مدينة حلب الغربية، وعدد كبير من القرى والمواقع في ريفها الغربي والجنوبي الغربي، وصد هجوماً مضاداً كبيراً للإرهابيين الانتحاريين وهو يتقدم باتجاه (خان طومان) المهمة على أكثر من محور، وكذلك باتجاه طريق حلب- دمشق من ناحية الشرق، ومعروف أن حلب هي ثاني كبرى مدن البلاد، وعاصمتها الاقتصادية، ومركزها الصناعي الأول، وكانت تركيا قد سرقت نحو (2000) مصنع ومشغل من حلب بمساعدة الإرهابيين عند احتلالها؛ لكن الخبرة الفنية العريقة لا تزال موجودة، والمستثمرون من أبناء المدينة ما يزالون يتواجدون في حلب؛ ولذلك فإن تطهير ضواحي حلب من الوجود الإرهابي، واستعادة الحياة الطبيعية والقدرة الإنتاجية إليها يتسم بإلحاح خاص؛ ولذلك أيضاً يستميت الإرهابيون في القتال؛ لمنع استعادة ضواحيها وأريافها، ويشنون الهجمات الانتحارية، بلا فائدة على القوات السورية حولها.

فرضية «المقايضة»

التقدم الكبير الذي حققته القوات السورية في إدلب - مع هدوء رد الفعل التركي في البداية- جعل بعض المراقبين يتحدثون عن مقايضة روسية - تركية، يسمح بوتين بموجبها لأردوغان بالتدخل في ليبيا، مقابل توغل دمشق في إدلب.. والحقيقة أننا لا نميل إلى هذه الفرضية أولاً- وقبل كل شيء- لأن روسيا لا تملك في ليبيا نفس الأوراق القوية التي تملكها تركيا في إدلب.. فاللاعبون الأقوياء في ليبيا كثر.. وموسكو لا تملك إطلاقاً حق الحديث باسمهم، ولنلاحظ مثلاً رفض توقيع حفتر على وقف إطلاق النار مع السراج.. وفي قلب موسكو.. وثانياً لأن أردوغان ليس من البلاهة بحيث يشتري ممن لا يملك، في ظل معارضة دولية قوية.. ولو كانت روسيا تملك لما كانت باعت موطئ قدم لأردوغان في ليبيا مقابل إدلب، التي ستعود بعد زمن يطول أو يقصر إلى سوريا.. وثالثاً لأن أردوغان لن يتخلى عن نفوذه لدى تيار الإسلام السياسي الدولي- بأهميته القصوى- مقابل وعد لا تملك روسيا أدوات تنفيذه.. وبفرض الاتفاق على «المقايضة» فإن الطرفين يخدع كل واحد منهما الآخر!
والحقيقة أنه لو كانت هناك «مقايضة» لما كان الإرهابيون قد قاتلوا بهذه الضراوة.. والحقيقة أيضاً أن هذه الفرضية هي من نوع «المقايضة» التي تخيل البعض وقوعها بين روسيا وأمريكا حول القرم وسوريا.. والتي لم تحدث أبداً.

* كاتب مصري

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"