أستراليا.. واستغلال الضعف العربي

02:16 صباحا
قراءة 4 دقائق
حلمي موسى

شجع اعتراف أستراليا بالقدس الغربية عاصمة ل «إسرائيل»، رغم الانتقادات اليهودية لهذا الاعتراف، حكومة الاحتلال على الإيمان بأن الطريق بات مفتوحاً لاعتراف عالمي واسع بهذا الواقع الذي فرضته على المدينة المقدسة. ويرى ساسة ومعلقون في دويلة الاحتلال أن «أثر ترامب» واضح في هذه الخطوة التي رأى كثيرون أنها تعبر عن موقف أيديولوجي متطرف أكثر مما تعبر عن موقف سياسي براجماتي.
في كل الأحوال، أعاد الاعتراف الأسترالي بالقدس الغربية إلى الواجهة حالة الضعف العربية التي تعجز عن منع المساس بالحقوق العربية، أو تجنيد التضامن الإسلامي والإنساني لمواجهة عواقب ذلك.
وكان رئيس الحكومة الأسترالية سكوت موريسون قد أعلن اعتراف بلاده بالقدس الغربية عاصمة ل «إسرائيل» بعد شهرين تقريباً من تسريب رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو معلومات عن نية الأول فعل ذلك. وكان نتنياهو تباهى في منتصف أكتوبر/‏تشرين الأول الفائت بأنه تحادث هاتفياً مع موريسون بهذا الأمر، وأنه شكره على ذلك. ودفع ذلك الحكومة الأسترالية حينها إلى الإعلان عن أن بلاده لم تتخذ بعد قراراً، ولكنها تدرس الأمر. وأثار ذلك ردود فعل عربية وإسلامية غاضبة، لكن أستراليا أعلنت أنها ستتخذ قرارها غير متأثرة بالضغوط. وحينها أعلن أن الأجهزة الأمنية الأسترالية تحذر من عواقب هذه الخطوة، وترى أنها ستزيد حدة العنف في الأراضي الفلسطينية المحتلة، والاحتجاجات ضد المصالح الأسترالية في دول عدة.
وقد لعبت السياسة الداخلية الأسترالية دوراً بارزاً في اتخاذ القرار. إذ إن موريسون هو رئيس الحكومة السادس لأستراليا خلال أقل من عشر سنوات، ولم يتول منصبه إلا في شهر أغسطس/‏آب الفائت خلفاً لرئيس حكومة أعلن رفضه الاعتراف بالقدس عاصمة للاحتلال. وينتمي موريسون إلى الكنيسة الإنجيلية التي يؤمن بعض أتباعها بأهمية خدمة اليهود لتقريب الخلاص النهائي للبشرية بالقيامة وعودة المسيح. وأقر موريسون نفسه قبل شهرين بأن من دفعه للاعتراف بالقدس هو ديف شارما الذي كان سفيراً لأستراليا في «تل أبيب» والذي يتنافس على مقعد ولاية فينفرت، حيث الصوت الانتخابي اليهودي بالغ التأثير.
عموماً أثار الإعلان عن الاعتراف بالقدس عاصمة ل «إسرائيل» ردود فعل غاضبة في العديد من الدول العربية والإسلامية، لكن كما يبدو كان لموقف جارتي أستراليا المسلمتين، إندونيسيا وماليزيا، الأثر الأكبر في تقييد تنفيذ هذا القرار. وبرز التأثير الإندونيسي والماليزي في القرار بإعلان وزارة الخارجية الأسترالية تحذيرها لمواطنيها باليقظة والحذر الشديد عند زيارة إندونيسيا. كما أن توتراً شاب العلاقات الأسترالية مع ماليزيا التي أعلن رئيس حكومتها، مهاتير محمد أن نقل السفارة يمكن أن يزيد العنف في المنطقة. وكان الموقف العربي عموماً بعيداً عن الشدة على أقل تقدير، حيث أعلن الأمين العام للجامعة العربية، أحمد أبوالغيط، أن تصريحات رئيس وزراء أستراليا «سكوت موريسون»، التي أشار خلالها إلى أن بلاده تدرس الاعتراف بالقدس عاصمة ل«إسرائيل»، قد جانبها التوفيق وتستدعي التوقف عندها مع الجانب الأسترالي. واعتبرت الجامعة العربية قرار أستراليا، بأنه «لا مسؤول» و«يمثل انحيازاً سافراً لمواقف وسياسات الاحتلال «الإسرائيلي» وتشجيعاً لممارساته وعدوانه المتواصل» على الشعب الفلسطيني.

في كل حال، من الواضح أن القرار الأسترالي أثار غضب الفلسطينيين والعرب ولم يرض الصهاينة. فقد اعتبر وزير الخارجية الفلسطيني رياض المالكي أن أستراليا ومنذ تسلم موريسون الحكم، تقف منحازة بالكامل إلى جانب الاحتلال، محذراً من أن هذا قد يكون موقف كل من الرئيس الجواتيمالي الحالي والرئيس البرازيلي المنتخب. واعتبرت عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير حنان عشراوي القرار الأسترالي بأنه «خطر ومستفز» و«لا مسؤول وغير قانوني».

أما الأردن، والذي يعتبر الوصي على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس، فاعتبر أن القرار الأسترالي «يؤجج التوتر والصراع ويحول دون تحقيق السلام» بين «الإسرائيليين» والفلسطينيين. وقالت الخارجية الأردنية إنها «تدين قرار أستراليا الاعتراف بالقدس الغربية عاصمة «لإسرائيل» الذي يشكّل خرقاً للقانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية». وأشارت الجامعة العربية إلى إدانتها لقرار أستراليا، ورأت أنه «لا مسؤول» و«يمثل انحيازاً سافراً لمواقف وسياسات الاحتلال «الإسرائيلي» وتشجيعاً لممارساته وعدوانه المتواصل» على الشعب الفلسطيني.

وفي «إسرائيل» نفسها كانت التوقعات كبيرة من الحكومة الأسترالية، لدرجة أن القرار أشعر قادة الاحتلال بالخيبة. وأعرب عدد من قادة اليمين عن هذه الخيبة، لأن القرار الأسترالي لم يعترف بالإجراءات «الإسرائيلية» في القدس الشرقية خلافاً لما كانوا يأملون من رئيس حكومة منحاز. وأشارت افتتاحية «هآرتس» لهذه الخيبة حين بينت أن القرار الأسترالي أظهر أن «نتنياهو وحكومته التي ترفض السلام، يضللان الجمهور، وكأن العالم سلّم بإلقاء حل الدولتين إلى مزبلة التاريخ، بل إنه مستعد لأن يغض النظر عن استمرار السيطرة العسكرية «الإسرائيلية» على الفلسطينيين.. أما قرار حكومة أستراليا فهو تذكير مهم بأنه باستثناء اليمين «الإسرائيلي» ثمة إجماع في العالم بأن لا حل للنزاع «الإسرائيلي» - الفلسطيني غير حل الدولتين».
وأبدت حكومة نتنياهو خيبة أمل من صيغة القرار الأسترالي، ظهرت في التسريبات عن ديوان رئاسة الحكومة وفي التصريحات لمقربين من نتنياهو. ونشرت الصحافة اليهودية أقوالاً لمسؤولين لم تذكر أسماءهم قالوا إن أستراليا أخطأت عندما أنكرت حق الاحتلال في القدس جميعها. والتزم نتنياهو الصمت رافضاً التعليق على القرار الأسترالي حين رد على الأسئلة بالإشارة إلى بيان وزارة الخارجية الذي وصف القرار بأنه «خطوة في الطريق الصحيح». أما الوزير الأقرب لنتنياهو، تساحي هنجبي فقال إن الأستراليين «للأسف خلال إعلانهم تلك الأنباء الإيجابية قاموا بخطأ.. ليس هناك تقسيم للمدينة بين شرق وغرب. القدس كيان واحد متحد. وسيطرة «إسرائيل» عليها أبدية. وسيادتنا عليها لن تتقسم ولن تقوَّض. ونأمل أن تجد أستراليا بسرعة وسيلة لتصحيح الخطأ الذي ارتكبته». وكان رئيس الكنيست، يولي أدلشتاين قد أعلن بعد القرار الأسترالي: «توقعنا أكثر من دولة صديقة مثل أستراليا». وحمل على القرار معتبراً أنه «يشجع بشكل غير مباشر العنف الفلسطيني».
من المؤكد أن ذلك ما كان ليتحقق لو كانت هناك جبهة عربية - إسلامة صلبة في مواجهة الاحتلال «الإسرائيلي»، ولو لم يكن هناك انقسام داخلي فلسطيني وعربي، أو شروخ كبيرة في الجسد والهوية العربية. وليس مستبعداً، والحال هذه، أن تندفع دول أخرى لتقديم فروض الطاعة ل «إسرائيل»، والإقرار بما فرضته بالقوة على الأرض خلال سنوات الاحتلال.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"