أطفال العراق ضحايا الصراعات والحرمان

11 ألفاً منهم مدمنون على المخدرات و800 سجين في المعتقلات
13:13 مساء
قراءة 9 دقائق

كتب على أطفال العراق، أن يدفعوا ثمنا غاليا من دمائهم وبراءتهم وحقهم الطبيعي المشروع في حياة آمنة كريمة ومستقبل أفضل في عهد الرئيس الراحل صدام حسين، وبدلا من أن يجلب سقوط نظامه لهم الراحة والسكينة وتعويض ما فاتهم، إذا بهم يجبرون قسرا على دفع فاتورة باهظة تزيد قيمتها منذ الغزو الأمريكي لبلاد الرافدين في العام 2003.إن أخطر وأبشع ما يواجهه العراق في حاضرنا، وهو يدلف إلى عامه السادس في ظل الاحتلال الأمريكي، هو احتضار الطفولة، التي فقدت كثيرا من خصائصها وسماتها المميزة في شتى بقاع الأرض. فحال الأطفال العراقيين بلغ درجة مزرية من السوء والبؤس، يكاد القلب أن ينفطر بسبب هوله وبشاعته.

يجسد حالهم التعيس خالد أمير الطفل البالغ عمره 14 عاماً، والذي يكسب قوت يومه وهو هائم على وجهه في شوارع بغداد، حيث يبيع الحلويات عند إشارات المرور، وأصبح العنف جزءا لا يتجزأ من حياته اليومية.

ويقول أمير: أحياناً يضربونني أو يغلقون نافذة سياراتهم على يدي وهو يشير إلى الندبة المرتسمة على وجهه حيث كان سائق قد ضربه بسكين في وجهه.

وأضاف أمير قائلاً: الناس لا يهتمون بنا ولا من أين جئنا، ومثلما هو الشأن بالنسبة إلى أمير وأخته سلوى ذات الثماني سنوات، تعج شوارع بغداد بمئات الأطفال الصغار وهم يكافحون كفاحا مريرا من أجل انتزاع لقمة العيش.

حكاية أمير وشقيقته تضعنا أمام جيل ضائع حرم من متعة تذوق حلاوة طعم الطفولة ومباهجها وبراءتها، وإن كانت الحاجة في مثل هذه المواقف تحتم إيراد الدلائل الملموسة لإثبات ما سلف.

وحسب الإحصاءات الحكومية الرسمية وتقارير المنظمات الدولية التي نشرت في الشهور الماضية، فإن في العراق اليوم نحو 5 ملايين يتيم يعيش معظمهم ظروفاً اجتماعية صعبة ومعقدة، كما أن 30% من الذين لم تتعد أعمارهم سن 17 عاما في العراق لم يتمكنوا من أداء امتحاناتهم المدرسية النهائية، ولم تتجاوز نسبة الناجحين في الامتحانات الرسمية 40% من مجموع الطلبة الممتحنين داخل البلاد.

وبلغ عدد الأطفال النازحين في سن الدراسة الابتدائية 220 ألف طفل لم يستطع ثلثاهم مواصلة تعليمهم خلال العام 2007 فضلاً عن أن 760 ألف طفل لم يلتحقوا أصلا بالمدارس الابتدائية، وبلغ المعدل الشهري للأطفال النازحين جراء أعمال العنف والتهديدات من الميليشيات والجماعات الإرهابية 25 ألف طفل تتراوح أوضاعهم بين التهجير الداخلي والهجرة إلى دول الجوار.

وينتشر الأطفال في شوارع بغداد، كما في المدن العراقية الأخرى، للتسول أو العمل في المهن الرثة أو التي تمثل انتهاكاً لطفولتهم. وعلى رغم تباين أسباب تشرد الأطفال إلا أنهم يشتركون في همّ واحد هو فقدانهم لممارسة حقوقهم كأطفال وما يتمتع به أقرانهم في حالات ومواقع اجتماعية أخرى.

وتزيد قتامة الصورة بوجود 11 ألف طفل مدمن للمخدرات في بغداد ولا يصدق أحد بأن أطفال العراق باتوا فريسة للاغتصاب إذ تتعرض عشرات من الفتيات في سن 12 سنة إلى التحرش الجنسي، بل إن هناك أماكن معروفة بالاسم لممارسة الجنس مع الأطفال في بغداد والمحافظات الأخرى. ورغم أن انعدام الأمن هو مشكلة العراقيين جميعاً إلا أن تأثيره المباشر يكون في الأطفال أكثر من سواهم، إذ إن الانفجارات اليومية والسيارات المفخخة التي انفجرت بالقرب من المدارس أودت بحياة المئات منهم، وتشير بعض التقارير شبه الرسمية إلى أن 20% من ضحايا هذه التفجيرات هم من الأطفال، بخلاف أن مناخ العنف السائد في البلاد جعل الأطفال يميلون نحو تفضيل الألعاب العنيفة عند اجتماعهم مع أقرانهم في أوقات الفراغ.

شحنة الأرقام المثيرة للفزع والهلع لم تنته، حيث أكدت تقارير وزارة العمل والشؤون الاجتماعية العراقية وجود 800 طفل في السجون الأمريكية والعراقية، وقد اعترفت القيادة العسكرية الأمريكية في العراق بأن قواتها تعتقل نحو 800 من الأحداث العراقيين تتراوح أعمارهم من عشرة إلى 17 عاما بتهمة زرع عبوات ناسفة، وكشف قادة أمريكيون أخيرا أن معظم المعتقلين الاحداث اعتقلوا وهم يصنعون ويزرعون عبوات على جانبي الطرق أو يعملون مراقبين للقناصين والمسلحين ويقوم بعضهم بالقتال وحمل السلاح.

وقال الجنرال دوجلاس ستون المسؤول عن السجون التي تديرها القوات الأمريكية في العراق إن جميع الاحداث المعتقلين يشكلون تهديدا مباشرا للأمن، وأضاف أنه تم اعتقال 16 حدثا لأكثر من عام برغم أن ذلك يتعارض مع القانون، وأكدت معظم الدراسات التي أصدرتها المنظمات الإنسانية المعنية بالطفولة أن أكثر من مليون طفل في العراق الذين دخلوا ميادين العمل يتعرضون إلى العنف والانتهاكات الجنسية نتيجة اتساع دائرة الفقر الذي بلغت نسبته نحو 33% وأظهرت أن نحو مليون و300 ألف طفل تتراوح أعمارهم بين 8 و16 عاماً يعملون، وهذا يمثل 1.6% من السكان. وكشفت الدراسات أيضا أن 27% من الأطفال يعملون لفترات تمتد إلى أكثر من ثماني ساعات يوميا.

ومع أن كل ما سبق مزعج لحد الانهيار، فإنه توجد جزئية تعد الأكثر قبحا وتتعلق باستغلال الأطفال العراقيين في تجارة الجنس البغيضة وكشفها تقرير للشبكة الموحدة للإعلام الإقليمي حول الشؤون الإنسانية، وحسب التقرير فإن بعض العراقيين وجدوا في تجارة جنس الشذوذ لدى الأطفال مورد معيشة لهم في ظل انسداد الآفاق وتردي الوضع الأمني بالعراق.

ويروي التقرير قصة عراقية يسميها أم زكريا والتي اقعد المرض زوجها عن العمل وهي لا ترى عيبا في أن تسلم ابنيها البالغين من العمر 13 و14 عامًا إلى عصابة تتاجر في جنس الأطفال داخل العراق بعد أن أغلقت أمامها جميع الأبواب.

وتقول أم زكريا:نحن عائلة فقيرة ولم يعد بإمكان زوجي العمل، وقبل ثلاثة اشهر جاء أبو الأولاد زعيم عصابة تعمل في هذا الميدان إلى منزلي، وعرض علينا أموالا إذا سمحنا لولدينا بالعمل معه، وبعد أن كنا لا نجد لقمة العيش أصبحنا اليوم يمكننا أن نأكل ونعيش مثل الآخرين.

ويستعرض التقرير حالات متباينة وعرض حالات لأطفال يُستغلون جنسيا بعضهم يعمل برضاء أهله وبعضهم يخشى القتل على يد الأب أو الأقارب إذا ما عرفوا بوضعه وحالته.

كما أشار التقرير لبعض الأطفال الذين يرغمون على بيع أجسامهم لطلاب المتعة الحرام. كما تحدث عن عائلات عراقية منعت أطفالها من الذهاب إلى المدارس خوفا من السقوط في حبائل عصابات الجنس الإجرامية.

ونقل التقرير مقابلة مع زعيم بارز لواحدة من تلك العصابات والذي لا يجد حرجا من التصريح بطبيعة عمله معتبرا أن ما تقدمه عصابته عملا مثل بقية الأعمال.

وقالت مسؤولة تعمل في وزارة الشؤون الاجتماعية العراقية: البنات أكثر تعرضاً للاستغلال الجنسي حيث يمثلن 70% من حالات الاستغلال، بينما يمثل الأولاد 30% من الحالات المسجلة، وتقل أعمار الضحايا عن 16 عاماً.

وفي يناير/كانون الثاني الماضي كشف صحافيان سويديان من خلال بحث ميدانى أجرياه في بغداد عن وجود سوق لبيع الأطفال الرضع والمراهقين، وأظهر البحث فتاة عراقية عمرها أربعة أعوام تباع بمبلغ 500 دولار، وشرح الصحافيان كيف أن أطفال العراق يباعون في سوق النخاسة، في حين تنشغل الأحزاب بنهب ما فوق الأرض وما تحتها.

من جانبها أعلنت السويد استقبال الأطفال العراقيين ممن يتعرضون إلى سوء المعاملة ومنحهم اللجوء مباشرة مع منح الطفل بعد الإقامة حق هجرة أسرته في محاولة لإنقاذ أطفال العراق، وجاء قرار الحكومة السويدية فور عرض تقرير الصحافيين السويديين اللذين تخفيا في سيارة قديمة ليتابعا عن قرب سوقا كبيرا لبيع الأطفال في وسط بغداد بالصورة والصوت.

قال ممثل اليونيسيف في العراق روجر رأيت: إن حياة ملايين الأطفال مازالت مهددة بسبب العنف وسوء التغذية وقلة المياه الصالحة للشرب على الرغم من استمرار البرامج الموجهة لأطفال العراق التي يصل تمويلها إلى نحو 100 مليون دولار سنويا.

وأضاف أن أطفال العراق الأكثر في العالم عرضة للأذى وتصعب حماية حقوقهم في نيل طفولة آمنة إذ ينشأون خارج نطاق جهود التنمية وغالبا ما يكونون غير مطروحين في المناقشات والتشريعات العامة في البلاد وحتى في الاحصاءات والتقارير الإخبارية، مشيرا إلى أن الوضع الأمني المتدهور يحول دون وصول فرق عمل المنظمات الدولية ومؤسسات المجتمع المدني إلى مناطق عدة في العراق.

وأكدت دراسة نرويجية حديثة لبرنامج الأمم المتحدة للتنمية أن حالات سوء التغذية بين أطفال العراق قد تضاعفت تقريباً منذ الغزو الأمريكي بالرغم من الجهود التي تبذلها الأمم المتحدة في هذا المجال. ورجحت الدراسة التي شملت 22 ألف أسرة عراقية أن حوالي 400 ألف طفل يعانون من حالات سوء التغذية، وهي أرقام أكدتها الحكومة العراقية.

وأعلن معهد فافو للعلوم الاجتماعية التطبيقية الذي قام بالدراسة أن حالات سوء التغذية قد ارتفعت بين الأطفال من سن ستة أشهر إلى خمسة أعوام، من 4% إلى 7.7% منذ مارس العام 2003 وأضاف: كانت معدلات سوء التغذية بين أطفال العراق قد بلغت قرابة 4% قبيل الغزو، وبالرغم من أن النسب التي أشار إليها البحث تتماشى ومعدلات سوء التغذية المنتشرة في بعض الدول الإفريقية، غير أن جون بيدرسن، نائب رئيس المعهد قال إن المعدلات، التي تقدر بنحو 87%، مؤشر يدعو للقلق.

وقال بيدرسن إن المعدلات تختلف باختلاف المناطق في العراق، مشيراً إلى أن مناطق الجنوب تشهد أسوأ تلك الحالات التي تتراجع تدريجياً مع الاتجاه شمالاً حيث المناطق الكردية.

وأكد تقرير برنامج الأمم المتحدة للغذاء أن افتقاد الأمن في العراق يشكل تهديداً متزايداً على برنامج الحصص الغذائية الذي يعتمد عليه بصورة كاملة قرابة 5.6 مليون عراقي.

في خضم هذه المآسي التي تدفع بالعراق تجاه مستقبل لا يحمل الإحساس بالتفاؤل والانشراح، ماذا كان رد فعل الحكومة العراقية على فضيحة بيع الأطفال، وماذا كانت مواقف القيادات السياسية والدينية على وجه العموم من كون الطفولة في بلاد الرافدين تحتضر بمعدلات خطيرة؟

وزارة حقوق الإنسان اكتفت بالإعلان عن عدم علمها بالموضوع بدلا من تشكيل لجنة تحقيق، وصرح مصدر في الوزارة بأنه لم تردنا معلومات حتى الآن بشأن سوق لبيع الأطفال في بغداد،

وأضاف المصدر أن وزارة حقوق الإنسان معنية بحقوق الطفل وفي حالة صحة اكتشاف مثل هذه السوق فإن الوزارة لديها قسم الطفل لمتابعة مثل هذه القضايا، وقالت رئيسة المؤسسة الإسلامية للمرأة والطفولة آمال كاشف الغطاء: إنه لا يوجد في العراق قانون يحمي الطفولة من الذين يتلاعبون بحقوق الإنسان واعتبرت هذا استغلالا للوضع الأمني وعدم وجود رقابة، خصوصا أن العائلات تعاني من وطأة الوضع المادي المتدهور بحيث تضطر إلى بيع الأطفال.

وأضافت سمعنا بأنه سيتم إصدار قانون لحقوق الطفل لكن المشكلة ليست في القانون وإنما في تطبيقه في كل المجالات حيث لا توجد آليات في العراق تحمي الطفولة، وأكدت آمال ضرورة أن تكون هناك رقابة على الحدود العراقية للحد من هذه الظواهر ومراقبة المناطق الموبوءة امنيا إضافة إلى أن القضية تتعلق بالمواطن الذي أصبح غير قادر على حماية نفسه بحيث بدا للأسف يشاهد هذه الحالات السلبية والخطيرة ويسكت عنها.

البرلمان العراقي لم يسارع لسن قوانين تحمي براءة الأطفال، ولنستمع إلى ما قالته السيدة سميرة الموسوي عضو البرلمان العراقي: إن المادة 32 من الدستور العراقي تنص على قيام الدولة بتوفير الحياة الكريمة للأسرة وبالذات للطفل والمرأة على أن ينظم ذلك بقانون، إلا أن الدولة لم تقدم إلى البرلمان حتى الآن مشاريع لتلك القوانين بغية مناقشتها وإقرارها.

وأوضحت أن اللجنة المعنية بادرت برعاية الأسرة والمرأة والطفل في البرلمان وأعدت مسودات عدد من مشاريع القوانين ومنها مشروع قانون صندوق رعاية الأيتام منذ ستة أشهر وقانون آخر يضمن تحقيق حياة بسيطة للأسرة، وقد انتهى منذ أربعة أشهر، وقانون آخر لرعاية المعاقين إلا أن البرلمان أحجم عن عرض تلك المشاريع للمناقشة بادعاء أن هنالك مشروعا موحدا لرعاية هذه الشرائح، مشيرة إلى أن القانون الموحد لم يصدر بالرغم من مرور مدة طويلة في الوقت الذي تتزايد فيه أعداد هذه الشرائح ومنها الأرامل اللواتي زادت اعدادهن على المليون أرملة وتتراكم فيه معاناتهم الإنسانية، كل هذا يحدث، بينما الطفولة في العراق تحتضر ولا مغيث، سواء من داخل العراق أو خارجه.

مأساة إنسانية

حذرت منظمة الأمم المتحدة للطفولة يونيسيف من أن أطفال العراق باتوا في قلب مأساة إنسانية مع استمرار دوامة العنف في البلاد، وكشفت المنظمة عن أن نصف عدد الملايين الأربعة من العراقيين الذين نزحوا من ديارهم منذ غزو العراق هم من الأطفال، وأوضحت المنظمة أن احتياجات الأطفال تفوق المساعدات الدولية المقدمة، ولذا فإن هناك حاجة لمزيد من الأموال، بحسب المنظمة التي طالبت في مناشدتها الجديدة بتقديم 42 مليون دولار.وأضافت يونيسيف أن العنف يتسبب في تزايد أعداد الأرامل والأيتام بشكل يومي حيث يكافح الكثيرون منهم من أجل مجرد البقاء دون عون. وأشارت المنظمة إلى أن أطفال العراق، الذين هم بالفعل ضحايا لربع قرن من الصراع والحرمان، باتوا في قلب مأساة إنسانية تشهد تدهورا متسارعا. وكانت اليونيسيف قد قررت جعل عام 2008 عاما للطفل العراقي.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"