احذروا الشمس هذا العام

العلماء يؤكدون فترة نشاط غير مسبوقة لها بين عامي 2008 و2012
13:40 مساء
قراءة 4 دقائق

ما وجه العلاقة بين رائد فضاء وطيار مدني وخط لنقل البترول وقمر اصطناعي وجهاز GPS وهاتف محمول؟ الاجابة بكل بساطة: أن هذه الأشياء والوسائل ستعيش كلها لحظات صعبة هذه السنة بسبب النشاط غير المسبوق للشمس، فما القصة وما نتائجها؟

منذ بداية هذه السنة والشمس تزمجر وتضطرب وتتوعد بأن تكون غاضبة على أهل الأرض على مدى السنوات الأربع المقبلة، والواقع أن الأمر ليس جديداً على أم نظامنا الشمسي فمنذ زمن طويل يعلم الباحثون أن مسألة هدوء الشمس وثورانها يرتبط بدورات تتراوح بين 9 الى 14 سنة، (11 سنة في المتوسط)، ولذا فإن الدورة المقبلة تبدأ في هذا العام ،2008 بمعنى أن فورة الشمس ونشاطها سيزداد حتى العام 2012 المقبل، ثم ستتبع ذلك فترة هدوء تدريجية ثم تنطلق دورة جديدة.

كل ذلك معلوم تماماً لدى الباحثين لكن الدورة التي بدأت هذه السنة، فيها ما يثير القلق والخوف، فطبقاً للحسابات التي أجراها الباحثون في علوم الفيزياء الفلكية فإن هؤلاء ينتظرون أن يروا من الشمس ما لم يروه منذ خمسين عاماً.

ويترجم الغضب الشمسي في العادة على هيئة ثوران يظهر على السطح على شكل دفعات من الموجات القوية من أشعة إكس وموجات الراديو إضافة إلى دفقات قوية من الجسيمات ذات الطاقة العالية كالبروتونات. ولكن علينا أن نعلم أن كل دفقة من هذه الدفقات تعادل انفجار 50 مليار قنبلة ذرية من النوع الذي ألقي على هيروشيما.

وإذا كانت المسافة التي تفصلنا عن الشمس لا تزيد على 150 مليون كيلومتر، فلنا أن نتخيل تأثير هذه الدفقات القوية إذا ما كانت في اتجاه الأرض، ولنا أن نتخيل ماذا يعني تمزق جزء من الغلاف الغازي المحيط بالشمس وقذفه لعشرة مليارات طن من الغازات المكهربة المسماة بالبلازما وذلك بسرعة تصل الى 7 ملايين كيلومتر في الساعة.

يذكر أن هذه البلازما تحوي مجالاً مغناطيسياً شمسياً قوياً وهو ما يعمل على إحداث اضطرابات شديدة في التيار الكهربائي وفي عمل الأجهزة الالكترونية على الأرض وفي الفضاء (أقمار اصطناعية وغيرها).

ومن حسن حظ الأرض أنها محاطة بالدرع الواقية أو (الكرة المعناطيسية) التي تحمي الأرض من هذه الشحنات المغناطيسية المدمرة القادمة من الشمس والفضاء الخارجي بشكل عام، حيث تعمل على تغيير اتجاه حركة الجسيمات المشحونة المنبعثة من الشمس في غالبيتها وليس كلها، ولذا فإن الدرع تترك رغماً عنها جزءاً من هذه الجسيمات يمر عبرها الى الأرض لتنثر الفوضى الكهربية في المحيط القريب من الغلاف الجوي للكوكب حيث تسبح الأقمار الاصطناعية.

ومن الأمثلة القريبة على ذلك، ما حدث في 28 و29 و30 اكتوبر/ تشرين الأول من العام ،2003 حين أحدثت احدى العواصف الشمسية مشاكل خطيرة على سطح الأرض المضيء، حيث اطلقت صفارات الانذار في مقرات التحكم التابعة لوكالات الفضاء عبر العالم وهو أمر نادر الحدوث بالفعل، حيث تعطل أكثر من 60% من الأقمار الاصطناعية في مداراتها الى درجة أن اثنين منها توقفا تماماً عن العمل، ولنا أن نتخيل بالطبع نتائج هذه الحادثة لاسيما أن هذه الاقمار تستخدم إما للاتصالات أو لتحديد المواقع (GPS) وإما بهدف الحفاظ على أمن البلاد من التجسس.

ولكن ما الذي يحدث بالفعل؟

الواقع أنه في بضع دقائق تمكنت كميات هائلة من البروتونات من عبور المسافة بين الشمس والأرض عن طريق المناطق القطبية المغناطيسية للأرض، والتي تعتبر كمناطق ضعيفة في الدرع الواقية للأرض ولذا فهي تعبر الغلاف وتصل أولاً إلى أجهزة الكمبيوتر الموجودة على الأقمار الاصطناعية قبل أن تتابع رحلتها نحو الأرض، ولدى اصطدامها مع الاقمار الاصطناعية تتلقى هذه رسائل خاطئة تؤدي بها الى تغيير اتجاهها أو التوجه نحو الأرض.

وفي هذه المرحلة لا تكون البروتونات وحدها هي المسؤولة عن كل هذه المشاكل، بل للالكترونات دور رئيس في هذا الأمر، فالالكترونات المتواجدة على ارتفاعات شاهقة في الغلاف الجوي، تتعرض لتسارع كبير بفعل الرياح الشمسية والعواصف المكهربة، ونتيجة لذلك، تتحول الى ما يسمى الالكترونات القاتلة، بمعنى أنها تنفذ إلى الاقمار الاصطناعية وتحرق دوائرها الالكترونية وهنا لا يمكن للانسان على سطح الأرض ان يفعل إزاء ذلك شيئاً ويقف مكتوف اليدين.

كل ذلك لم يكن مهما قبل بدء عصر الفضاء منذ 50 سنة لأنه لم تكن هناك اتصالات بين الأرض والفضاء ولذا فأي تعطيل يحدث في أحد الاقمار الاصطناعية يؤدى الى تعرض سكان الأرض إلى مشاكل جمة حيث يفقد الملايين قدرتهم على مشاهدة التلفاز أو سماع أجهزة المذياع، اضافة الى فقدان الاتصالات الهاتفية (السلكية واللاسلكية) بينهم وهذا ليس سوى مثال بسيط عن المشاكل التي يمكن أن تنجم عن العواصف المغناطيسية التي تقذف بها الشمس في الفضاء، ولذا يقول العلماء إن الشمس ليست خطيرة فقط على البشر، بل يمتد خطرها الى اعماق الأرض.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"