الأدب..قافية الإمارات

03:21 صباحا
قراءة 7 دقائق
** الشارقة: علاء الدين محمود ومحمدو لحبيب

بالشعر والنثر استقبل الأدباء والشعراء اليوم الوطني ال«48»، للإمارات، وأكدوا أن الأدب كان في كل تفاصيل لحظة تأسيس وقيام الدولة وتطورها وازدهارها، حتى صارت في ركب الأمم التي يشار إليها ببنان الفخر والاعتزاز، ليس من قبل أبنائها فقط، بل بشهادة كثير من المفكرين والأدباء العرب وفي العالم، فالثاني من ديسمبر صار رمزاً للمجد والكرامة، فكان الأدب بمثابة رافعة فكرية وثقافية ومعرفية، ووقف شاهداً على البدايات، فرصد الإنجازات والرؤى والمنهجية الخالدة للوالد المؤسس المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان «طيب الله ثراه».
صاغ المبدعون من أبناء الإمارات والمقيمين إنجازات الدولة شعراً وفناً وأهازيج وأغنيات، تحمل الوعد والبشارة بقادم أجمل للإمارات التي تحتل اليوم وسط دول العالم مكانة متميزة تدعو للتسامح والسلام والخير، وتحمل للناس في كل مكان ثقافة وأدباً وعلماً وفناً.
الهنوف محمد رئيس مجلس اتحاد كتاب وأدباء الإمارات بالإنابة، هنأت الإمارات حكومة وشعباً باسم اتحاد كتاب الإمارات بمناسبة اليوم الوطني، الذي يعتبر المعلم البارز في تاريخ الدولة، فهو يحكي قصة الأمجاد والبذل والعطاء من لدن الآباء المؤسسين الذين وضعوا بذرة ترعرعت وصارت شجرة سامقة أصلها ثابت في قرار الأرض، وفرعها يعانق السماء، وما أن أعلن عن بدء الاحتفالات في الثاني من ديسمبر، حتى تسابق الشعراء والأدباء في إقامة الأمسيات والليالي الوطنية، التي جادت بها قريحة ألهمتها عزة الوطن وفخره ومكانته في القلوب، وفي احتلاله مصاف دول العالم تطوراً ونمواً ومواقف، وهذا دأب أدباء الإمارات الذين كانت لحظة ميلاد الوطن دافعاً لهم في الإبداع والكتابة، فقد رصدوا في أعمالهم كل المواقف الوطنية المشرفة، وكل تاريخ دولة الإمارات يحكون فيها عن عبق التاريخ وجمال لوحة الحاضر والمستقبل.
وذكرت الهنوف أن الأدب أسهم في بناء الدولة وتطورها، ورصد كل البطولات والإنجازات التي باتت تفاخر بها الإمارات كافة دول العالم، فحملوا الوطن في أعمالهم الأدبية المختلفة وتفاعلوا مع جميع قضاياه، كما أن الدولة نفسها اهتمت بالإبداع بشكل خاص، فكانت المشاريع الثقافية والمهرجانات الأدبية التي لا تنقطع دليلاً على هذا الاهتمام، فالتنمية الثقافية والمعرفية تسير إلى جانب السياسية والاقتصادية، من أجل خلق وطن يشكل حالة مختلفة ومتفردة في خريطة العالم، فالإمارات اليوم موجودة في أدب وشعر وإبداع كل العرب والمقيمين على أرضها من الجنسيات المختلفة، الأمر الذي يشير إلى سماحة العيش في الدولة التي ترعى التعدد والاختلاف الثقافي بشعار التسامح والتعارف وهو ما جعلها تحتل تلك المكانة التي استقبلتها الإنسانية بكل حب، فكان حرياً بالأدب والشعر أن يحتفي بها في كل العالم.

قيمة

الشاعر كريم معتوق أكد على أن العيد الوطني هو مناسبة تحمل قيمة إنسانية وسياسية واقتصادية وثقافية كبيرة، وأضحى الجميع منوطاً برسالة الوحدة، حيث لعب المثقفون والمبدعون دوراً كبيراً في الاحتفال بالوطن، ونشر رسالة الوحدة وجمالياتها وتكريسها وتقريبها في أذهان الشعب الذي عاشها واقعاً، فلئن جاءت الوحدة عبر القرار السياسي الملامس لنبض الناس استشرافاً للمستقبل؛ فإنها مع مرور الوقت وبمساهمة المثقفين والمبدعين، أصبحت قراراً شعبياً، ولأن الإرادة السياسية قد التقت بالشعبية، فقد أسهم ذلك في صنع وحدة متفردة في العالم العربي، بل وتعتبر الوحيدة من نوعها وفي نجاحها.
ويرى معتوق أنه وعلى الرغم من كل هذا الأدب الذي كتب عن الوحدة؛ فإن مساهمات المثقفين لم تنقطع، وهي ليست فقط من أجل تكريس الوحدة، بل لأجل أن تكون خط دفاع أول عنها، فالمثقفون هم من عايش هذه الفكرة العظيمة وحملوها منذ أن كانت حلماً، إلى أن صارت واقعاً حين تحقق الحلم وذاب الجميع داخل مفهوم الإمارات ليصبح الإماراتيون على موعد جديد مع التاريخ، وأصبح ما قبل الوحدة نسياً منسياً.
ويأبى معتوق إلا أن يكمل حديثه ببيت شعري يجسد عظمة الوحدة الإماراتية:

إن الإمارات غابات يسورها
أمن سلام إخاء طيبة كرم
فلا يظنن من في فأسه خبث
إن جاء محتطبا أن سوف يغتنم

صور وأخيلة

الشاعر محمود نور أكد أن مناسبة اليوم الوطني ظلت ملهمة لكل حقول الأدب وبصورة خاصة الشعر، فقد برع الشعراء بالأخيلة والتعبير في رسم صورة الوطن والتعبير عنه وعن مشاعرهم تجاهه، حيث ظل الوطن بحراً وصحراء وجبالاً ملهمة للشعر، فهذه اللحظات من تاريخ الأوطان يعجز عنها التعبير إلا عبر الشعر والأعمال الأدبية والفنية الملحمية، وذلك ما ظل يقدمه المبدعون الإماراتيون حين حملوا وطنهم وشعبهم وقيادتهم في حدقات عيون الشعر والنثر والسرد ومختلف أجناس الإبداع، وذلك يؤشر إلى أن الأدب ظل يقوم بدوره الجمالي منذ لحظات التأسيس الأولى للدولة، بل وقبلها عندما كان يعبر عن أحلام الوحدة.
ويؤكد نور أن اليوم الوطني له رمزيته الكبيرة التي تتصل بالوالد المؤسس زايد الخير والعطاء، ويتوقف نور عند لحظة «زايد»، ليخرج من كنانته نظماً قال فيه:

فزايد قد بنى وطنا وشعبا
وألهمنا الحياة بلا حدود.

حضور دائم

الناقد علي العبدان يؤكد أن صورة الوطن كانت حاضرة دائماً في الأدب الإماراتي، وذلك من خلال بعدين: أحدهما هو استدعاء تاريخ الوطن وتراثه وذكرياته القديمة، التي تعكس كل مستويات التحديات والصراعات التي خاضها الإماراتيون عبر كفاحهم على هذه الأرض قبل الاتحاد، والبعد الآخر هو المرحلة التي شهدت الاتحاد وما بعده وشهدت تطور الوطن ونهضته، أما المرحلة الأخرى التي تناولها الأدب، فتتمثل في وضعية الوطن عند الاتحاد، وكيف تطورت الدولة والمواطن، وكان كل ذلك حاضراً في صورة الوصف الإبداعي لكل التحديات التي رافقت كل تلك المراحل وتجاوزتها، ومن خلال شخصية الإنسان وعلاقاته مع محيطه وبيئته.
واستعرض العبدان نماذج من الأدباء الذين تناولوا في كتاباتهم تلك الأبعاد التي قُدمتْ من خلالها صورة الوطن، وأبرز دور بعض المؤسسات الثقافية في ذلك المجال فقال:«يمكننا إذا شئنا أخذ نماذج على استحضار صورة الوطن في الأدب، على سبيل المثال لا الحصر، نشير إلى كتابات مريم جمعة فرج، وسلمى مطر سيف، وإبراهيم مبارك، كما علينا أن نذكر هنا بالشكر دور اتحاد كتاب وأدباء الإمارات في تثمين والاحتفاء بمثل هذه الكتابة التي تحتفي بالوطن وتستحضر صورته بشكل إبداعي أدبي».

كينونة

الروائي علي أبو الريش يقارب الموضوع من زاوية عميقة، فيؤكد أن صورة الوطن في الأدب الإماراتي موجودة دوماً في ثنايا الكلمات ويقول:«الشاعر والكاتب بشكل عام هما ابنا بيئتهما، ومحيطهما الاجتماعي والوطني، ولذلك، فهما لن يستطيعا أن يتخلصا من ذلك في كل إبداعهما، حتى ولو لم يتخذ بشكل مباشر صورة الإبداع الذي يستحضر صورة الوطن، إن صورة الوطن ستبقى هناك دوماً في كل ثنايا الكلمات التي نخطها، إنها جزء من كينونتنا الثقافية، وستكون دوماً في ثنايا الكلمات، بالنسبة لكتاباتي الروائية، فأستطيع أن أقول الوطن موجود في كل سطوري، ولا يمكن أن يغيب في أي عمل كتبته، لأنني عاشق له ولكل ما فيه، كما أن الوطن موجود في كل الروايات، حتى ولو كانت تاريخية أو سياسية أو اجتماعية».
وأكد أبو الريش أن الكتابة عن الوطن تكتسب بعداً أعمق وأشمل من مجرد ذكره بشكل مباشر وتقريري وقال:«أنا أعتقد أن الكتابة عن الوطن هي الكتابة عن الإنسان، بشكل عام، فحين أكتب من ذلك المنطلق الشامل أجد صورة الوطن أكثر اتساعاً ووضوحاً».

وضوح

القاص محسن سليمان أبرز أن الكتابة عن الوطن، تختلف تبعاً للنوع الإبداعي الأدبي ويقول:«صورة الوطن تختلف في ظهورها في الأدب تبعاً للنوع الإبداعي، فالشعر مثلاً نرى فيه استحضار صورة الوطن أوضح وأكثر تعبيراً، والشعراء يعبرون عن الوطن في كل المناسبات وخاصة في العيد الوطني، وكذلك تبدو الصورة واضحة فيما يُدرس في المناهج في الشعر خاصة».
ويفرق سليمان بين صورة الوطن الاحتفالية المتعلقة باستحضار الرموز والأعياد في المناسبات، ووجودها وتمثلها في الأدب الإماراتي، وبين صورته كتاريخ وحضارة وأسلوب حياة وحكايات الآباء والأجداد وتطور الأجيال، ويرى أن الصورة الأخيرة هي الأكثر بروزاً في السرد ويقول:«إذا فرقنا بين الصورة الاحتفالية للوطن المتمثلة في رموزه السيادية كاليوم الوطني ويوم الشهيد وغير ذلك، وصورته كتاريخ وحضارة وحكايات إنسانية، فسنجد أن الأخيرة أكثر وضوحاً في السرد، وأن معظم الكتاب الروائيين وكتاب القصة الإماراتيين قد كتبوا حول هذا الموضوع، وبالنسبة لي كتبت قصة «ليلام» و«جونو» وكتبتْ مريم جمعة فرج قصة «فيروز» وهناك قصة «غرفة القياس» لعائشة الكعبي ومريم الغافلي وغيرهم».

مكانة

الشاعر الدكتور طلال الجنيبي تحدث عن مكانة الوطن المؤسسية في كل أشكال الأدب الإماراتي فقال:«الوطن هو مكون أساسي في مختلف الأشكال الإبداعية الأدبية الإماراتية كما أن العلاقة ما بين المبدع والوطن هنا، هي علاقة توازن، ينطلق من خلالها الأديب إلى تحقيق ذاته، من خلال الإشارة إلى قيمة الوطن وما يمثله من أبعاد على المستوى الشخصي والفكري والثقافي بشكل عام، لذلك نجد دائماً أن صورة الوطن هي الصورة الأوضح والأبرز في إبداع الأديب الإماراتي على اختلاف أجناس الأدب».
وأشار الجنيبي إلى عدة نماذج استدل بها على حضور الوطن في الأجناس الأدبية في الدولة فقال:«النماذج كثيرة في هذا الإطار، ويمكنني لو بدأت من تجربتي الخاصة أن أذكر أنه صدر لي ديوان شعري وطني بالكامل، وكان أول ديوان من الشعر الفصيح يتعرض لقضايا الوطن، وهو بعنوان ( الإمارات في القلب) ويقدم نموذجاً يؤكد تلك الرؤية، ويثبت أن الحالة الإبداعية هنا في الإمارات تحتفي بالوطن بشكل واضح، ولعل في هذا الديوان، وفي حالة تجربتي الشخصية ما يؤكد أن المبدع الإماراتي دائماً ما يميل لوضع إبداعاته في سلة الوطن، وفي خدمته، وينثرها في طريق التطور والازدهار التي يشهدها الوطن».
وبين الجنيبي أن العلاقة مع الوطن من الناحية الإبداعية لا تتوقف عند تخليده والاحتفاء بالمناسبات الوطنية في الإمارات فقط، وقال:«العلاقة مع الوطن هي منهج مستمر على مدار العام في الإبداع الإماراتي، شعراً كان أم سرداً، فنجد المبدع بغض النظر عن المناسبات الوطنية التي تزداد فيها وتيرة النصوص الأدبية المخلدة لها، نجده يستعيد الوطن وقضاياه بشكل مستمر على مدار كل تجربته، ويؤكد دائماً من خلال ذلك أن الوطن هو المحور في ذهنه وفي إبداعه».

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"