الاعتداءات «الإسرائيلية».. رسائل لسوريا

02:31 صباحا
قراءة 5 دقائق
د. أحمد سيد أحمد *

في سيناريو متكرر ومألوف تقوم قوات دولة الاحتلال «الإسرائيلي»، باستهداف مواقع في سوريا عبر إطلاق الصواريخ من نوع كروز على أماكن متفرقة، خاصة قرب العاصمة دمشق وغيرها، وفي المقابل تقوم الدفاعات السورية بالتصدي لتلك الصواريخ.
شهدت الأسابيع الأخيرة تكثيفاً لتلك الغارات والصواريخ «الإسرائيلية» وقالت «تل أبيب»، إنها تستهدف مواقع وتجمعات وقواعد الحرس الثوري الإيراني في سوريا ومخازن للأسلحة، التي يتم نقلها لحزب الله في لبنان، وقد تكررت الغارات «الإسرائيلية»، حيث وصلت لأكثر من 200 غارة خلال العامين الأخيرين، باعتراف رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو.
وقد تسبب إسقاط طائرة استطلاع روسية العام الماضي نتيجة لقيام الطائرات «الإسرائيلية» بخداع أنظمة الدفاع الجوي السورية في استهداف تلك الطائرة، في زيادة التوتر بين روسيا و«إسرائيل»، حيث حمّلت وزارة الدفاع الروسية «إسرائيل» المسؤولية عن سقوط الطائرة ومقتل من فيها، وبعد هذا الحادث قامت روسيا بتزويد سوريا بأنظمة الدفاع الجوي المتطورة إس 300 القادرة على التصدي لأية صواريخ حديثة، وقد أسهمت تلك الخطوة الروسية في تقليل عدد الغارات «الإسرائيلية» على سوريا نسبياً خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة.
غير أن عودة تلك الاعتداءات الجوية واستهداف الصواريخ «الإسرائيلية» لمواقع داخل سوريا بشكل مكثف مرة أخرى يثير العديد من الدلالات والتساؤلات حول أهداف تلك الضربات والصواريخ وتداعياتها، وكذلك حول جدوى أنظمة الدفاع الجوي الروسية المنتشرة في سوريا ومدى قدرة الدفاع الجوي السوري على التصدي لتلك الصواريخ.
تستهدف «إسرائيل» من وراء تلك الغارات تأكيد قدرتها على استهداف أية مواقع، يمكن أن تشكل تهديدا لحدودها ولأمنها، وتأكيد أن نشر روسيا لأنظمة الصواريخ إس 300 لن يعوقها أو يوقفها عن ضرباتها الصاروخية داخل سوريا، لكنها رسائل سياسية أكثر منها عسكرية، فمن الناحية العملية لا يوجد حتى الآن تهديد عسكري أو أمني حقيقي ل«إسرائيل» من داخل سوريا، خاصة في ظل انشغال الجيش السوري، باستكمال استعادة الأراضي التي تسيطر عليها التنظيمات المسلحة، ومن ناحية أخرى فإن القوات السورية تقوم بالتصدي للصواريخ والهجمات «الإسرائيلية» من منطلق حق الدفاع الشرعي عن النفس، وقد نجحت الدفاعات السورية بالفعل في التصدي لكثير من الصواريخ «الإسرائيلية» وإسقاطها في الجو قبل أن تصل لأهدافها على الأرض. وتمتلك سوريا أنظمة دفاع جوي قوية، وكذلك أنظمة دفاع صاروخي لم تستهلك في الصراع السوري على خلاف بعض أنواع الأسلحة الأخرى، التي استهلكت في المعارك مع الفصائل المسلحة، لكن التحدي الذي يواجه أنظمة الدفاع الجوي السورية هو أنها أنظمة قديمة نسبياً من نوع إس 200 الروسية، غير القادرة على التصدي بفاعلية للصواريخ متوسطة المدى الحديثة، التي تطلقها «إسرائيل» باتجاه الأراضي السورية، ولذلك تعول سوريا على أنظمة الدفاع الجوي الروسية المتطورة إس 300 القادرة على حماية الأجواء من الصواريخ والتصدي لأية أنواع متطورة منها، ولذلك رغم تزويد روسيا لسوريا بهذه المنظومة الجديدة من الصواريخ، إلا أنها لم تشغل حتى الآن، لأن هذا يرتبط باعتبارات فنية تتمثل في شحن تلك المنظومات من روسيا ثم تركيبها وتدريب العناصر السورية عليها قبل تشغيلها، وهذه مسألة تحتاج إلى بعض الوقت، ويتردد أن تشغيل المنظومة الصاروخية الجديدة سيتم في شهر مارس/آذار المقبل. ولذلك تستغل «إسرائيل» هذا الوقت لشن المزيد من الهجمات وإطلاق الصواريخ على الأراضي السورية.
كما تستهدف «إسرائيل» من وراء تلك الضربات تأكيد عدم تأثرها بقرار الانسحاب العسكري الأمريكي من سوريا، وأنها ماضية في توجيه تلك الضربات، رغم قرار واشنطن بسحب ألفي جندي لها في سوريا، والذي أثار جدلا كبيرا ومعارضة من بعض الأطراف، خاصة «إسرائيل» والأكراد.
كذلك تقوم «إسرائيل»، وبدعم من الولايات المتحدة، بشن الضربات الصاروخية داخل الأراضي السورية كنوع من الاختبار لأنظمة الدفاع الجوي الروسية الجديدة في سوريا، خاصة إس 300، ومدى فاعليتها، وذلك في إطار الحرب الباردة الجديدة بين الولايات المتحدة وروسيا، وتزايد سباق التسلح بينهما خاصة في مجالات الصواريخ البالستية، والذي تصاعد مع إعلان الولايات المتحدة عزمها على الانسحاب من معاهدة الحد من الأسلحة القصيرة والمتوسطة المدى، والتي وقعتها مع روسيا في عام 1987، ولذلك تستهدف كل من أمريكا و«إسرائيل» معرفة قوة وفاعلية الأسلحة الجديدة، التي أعلنت روسيا عن تطويرها، ومنها بعض أنظمة الدفاع الصاروخي، والتي نشر بعضها في سوريا.
ومن ناحية أخرى فإن عودة الغارات «الإسرائيلية» على سوريا بعد توقفها لفترة محدودة، عقب تصاعد التوتر مع روسيا وإسقاط طائرتها في سوريا ونشرها أنظمة صواريخ إس 300، يثير علامات الاستفهام حول حدود التدخل الروسي في التعامل مع تلك الضربات، ومدى التفاهمات الروسية- «الإسرائيلية» حول التزام روسيا الصمت والتجاهل إزاء تلك الغارات والاتفاق على ما يسمى بالخطوط الحمر، وهي عدم استهداف «إسرائيل» لمواقع روسية في سوريا، وما عدا ذلك تتغاضى روسيا عن أية ضربات موجهة لمواقع أخرى في سوريا، خاصة بعد زيارة رئيس الوزراء «الإسرائيلي» نتنياهو لموسكو، ولقائه الرئيس بوتين، ومحاولة تبريد التوتر مع موسكو، وترميم الشروخات التي تسببت فيها أزمة إسقاط الطائرة الروسية، ولذلك فإن تأخير تشغيل منظومة الدفاع الجوي إس 300 أو توقيفها وقت الغارات وعدم تحرك روسيا للتصدي للغارات «الإسرائيلية» قد يدفع في اتجاه حرص روسيا على العلاقات مع «إسرائيل»، وعدم الصدام معها ومحاولة إيجاد نوع من التوازن بين تلك العلاقات من ناحية وبين دورها ونفوذها في سوريا وعلاقاتها مع القوى الأخرى الموجودة في سوريا، بما يؤكد برجماتية السياسة الروسية في التعامل مع جميع الأطراف، لكن يثير التساؤلات حول مدى جدية الجانب الروسي في التصدي للضربات على سوريا.
ولا شك أن استمرار الغارات «الإسرائيلية» على سوريا يمثل انتهاكاً لسيادة سوريا، ويعطيها الحق في استخدام كل الوسائل للدفاع عن أجوائها، كما أن من أبرز التداعيات السلبية لتلك الاعتداءات هو تحويل سوريا إلى ساحة للصراع بين الأطراف المختلفة وللعبة المصالح والحسابات والتوازنات، كما أن مثل تلك الاعتداءات تساهم في تصاعد خطر الإرهاب والتنظيمات الإرهابية مثل «داعش»، والتي اندحرت في سوريا بعد الهزائم التي تعرضت لها خلال السنوات السابقة.
وأخيراً، فإن تدعيم الحل السياسي في سوريا وإعادة بناء الدولة السورية، خاصة الأجهزة الأمنية من الجيش والشرطة، يساهم في قدرة الدولة على الدفاع عن حدودها ضد التهديدات الخارجية، كما أن خروج كل القوات الأجنبية من سوريا يمثل أحد شروط تحقيق الأمن والاستقرار.

* خبير العلاقات الدولية في «الأهرام»

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"