الانتخابات «الإسرائيلية»: يمين.. يمين!

02:42 صباحا
قراءة 5 دقائق

حلمي موسى

أحيا دخول رئيس الأركان الأسبق في جيش الاحتلال، الجنرال بني غانتس، آمال الكثيرين في «إسرائيل» بإمكانية تغيير الصورة القائمة والتي هيمن فيها اليمين، برئاسة بنيامين نتنياهو، على سدة الحكم طوال عقدين من الزمن تقريباً.
وقد ترعرعت هذه الآمال جراء تفشي الفساد في محيط نتنياهو، وفي أحزاب اليمين من ناحية وبسبب الجمود السياسي الذي حكم العلاقة مع الفلسطينيين، ويهدد بنشوب حروب أخرى.
كان بين ثمار دخول غانتس، معترك الحياة العامة، أن الحراك لم يتوقف حتى الآن داخل كل القوى السياسية تقريباً نحو إعادة تشكيل الحلبة. فالانشقاقات في اليمين وداخل أحزاب الوسط وحتى في القائمة العربية المشتركة لم تتوقف، وعمليات الاتحاد بين قوى مختلفة صارت قيد النقاش وبشدة.
ومع ذلك فإن استطلاعات الرأي، تظهر أن شيئاً جوهرياً في الحلبة السياسية «الإسرائيلية» لم يتغير، وأن الانتخابات المقبلة، ستبقى كما كانت بين تيارين تبدو الغلبة فيهما لمعسكر اليمين إلا إذا حدثت معجزة.
ويبدو أن كلمة السر في الانتخابات المقبلة هي اجتياز نسبة الحسم على الصعيد الحزبي، وتحقيق الأغلبية على صعيد المعسكر.
فالمشكلة ليست فقط في تحقيق الفوز لهذا الحزب أو ذاك، وإنما في ضمان القدرة على تشكيل ائتلاف حكومي تحت زعامة هذه القوة أو تلك. ومعروف أنه تتنافس على زعامة المعسكر اليميني أكثر من قوة، بالرغم من أن الغلبة مضمونة لليكود، فيما تتنافس على زعامة المعسكر المناقض وهو معسكر الوسط - يسار حركة «حصانة «إسرائيل»» برئاسة الجنرال غانتس و«هناك مستقبل» برئاسة يائير لبيد.
ولم يعد هناك دور قيادي لحزب العمل التاريخي الذي صار ينظر إليه بوصفه من بقايا الماضي مثل حركة ميرتس اليسارية.
ولذلك فإن نتنياهو، الذي أفلح في تمرير الانتخابات التمهيدية في الليكود وتأكيد زعامته هناك، يشعر أن الخطر لا يتهدده وحزبه، وإنما قد يصيب معسكره جراء الانقسامات.
ومعروف أن معسكر اليمين يضم حالياً إلى جانب الليكود أحزاباً قومية ودينية قومية مثل «البيت اليهودي» و««إسرائيل» بيتنا»، إضافة إلى الأحزاب الحريدية مثل «شاس» و«يهدوت هتوراه». وقد انشق «البيت اليهودي» على نفسه وخرج منه زعيمه، نفتالي بينت ليشكل ما بات يعرف ب«اليمين الجديد» ما أدخل اليمين الديني القومي في أزمة فعلية. كما أن محاولات ««إسرائيل» بيتنا»، بزعامة وزير الحرب السابق أفيغدور ليبرمان، للإقلاع تبدو محاطة بالشكوك.
وفي المعسكر الحريدي تنطوي الصورة على متغيرات جدية.
صحيح أن جمهور «يهدوت هتوراه» مبلور ومحدد، وهو لا يطمح لتحقيق اختراقات في الجمهور التقليدي أو العلماني، لكن ذلك لا يمنع تراجعه ولو قليلاً. ويعود هذا التراجع إلى طبيعة الحياة المدنية في «إسرائيل»، والتي تجعل التفاعل بين الجمهور الديني والعلماني محدوداً. غير أن التغير الأكبر أصاب حركة شاس وهي حركة حريدية، استغلت البعد الطائفي الشرقي لتحدث اختراقاً في الجمهور التقليدي والقومي، وتتوسع لتغدو قوة سياسية مؤثرة جداً. ولكن بعد موت زعيمها الروحي التاريخي، الحاخام عوفاديا يوسف، وقعت انشقاقات بداخلها وصلت أخيراً بابنة الحاخام يوسف للتحاور مع حزب غانتس من أجل الدخول إلى قائمته في الكنيست.
ومن الجائز، أن التراجع الذي قد يصيب كلاً من شاس و««إسرائيل» بيتنا» و«البيت اليهودي»، قد يؤثر جدياً في فرص استمرار الليكود في التربع على سدة الحكم.
فالليكود، وفق أفضل الاستطلاعات لصالحه، ينال حوالي 30 مقعداً من أصل 120 مقعداً في الكنيست.
ولذلك فإنه على الدوام بحاجة إلى أن ينال معسكر اليمين الديني والقومي ما يزيد على 30 مقعداً آخر لضمان استمرار هيمنة اليمين. وخلال العقدين الماضيين، أفلح الليكود في ضمان أغلبية لمعسكر اليمين دفعت هذا الحزب أو ذاك من معسكر الوسط للانضمام إلى ائتلافه، لكن كدولاب خامس احتياطي وليس أساسياً.
وما يثير المخاوف في هذا الشأن لدى نتنياهو، الاستطلاعات التي نشرت مؤخراً والتي أظهرت احتمال أن لا ينال «البيت اليهودي»، أصواتاً تمكنه من اجتياز نسبة الحسم.
وهذا الاحتمال قائم أيضاً بنسبة أقل لدى حزب ««إسرائيل» بيتنا» وهما مكونان أساسيان حتى الآن في معسكر اليمين. وفي المقابل هناك المخاوف من الاحتمالات الكبيرة بإمكانية اتحاد حركتي «حصانة «إسرائيل»» برئاسة غانتس و«هناك مستقبل» برئاسة يائير لبيد. وما يزيد من هذه الاحتمالات، أن الاستطلاعات تمنح هذا الاتحاد فرصة أن يكون الحزب الأكبر في الانتخابات المقبلة بحصوله على 37 مقعداً. وبديهي أن مثل هذا التكهن يسيل لعاب القائمين على قيادة هاتين الحركتين.
لكن، وكما كان الأمر على الدوام، ليس المنطق هو ما يحكم الأمور قسراً. فالدوافع الشخصية تلعب دوراً بارزاً في تحديد الوجهة. والخلاف بين غانتس ولبيد هو على من يتزعم القائمة الجديدة. وهناك من يعتقد أن «المكنسة الجديدة تكنس جيداً»، ما يعني أن غانتس الداخل حديثاً إلى الحياة السياسية، أوفر حظاً من لبيد الذي بات «عتيقاً» في الحلبة بعد أن خاض على الأقل معركتين انتخابيتين قبل الحالية.
وهذا ما يعمل من أجله رئيس الأركان السابق الجنرال غابي أشكنازي الذي يشترط دخول الحياة السياسية بنجاحه في التوحيد بين الحركتين لتوفير البديل الفعلي لحكم اليمين.
غير أن اتحاد هاتين الحركتين يمكن أن يخلق اندفاعاً في صفوف اليمين للاتحاد بهدف عدم تبديد الأصوات. وفي المقابل فإن مثل هذا الاتحاد يكسب أيضاً من داخل معسكر اليسار ما يهدد بشكل واضح كلاً من ميرتس وحزب العمل. ومعروف أن الاستطلاعات تمنح ميرتس حالياً ما بين أربعة إلى ستة مقاعد، ما يجعلها قريبة من نسبة الحسم. أما حزب العمل الذي سبق وقاد الاحتلال لعقود، فإن الاستطلاعات لا تمنحه حالياً أكثر من 8-9 مقاعد. وحال «الحركة» برئاسة تسيبي ليفني أسوأ من ذلك بكثير. إذ لا تمنحها معظم الاستطلاعات فرصة اجتياز نسبة الحسم، إلا إذا أفلحت في الانضمام والاتحاد مع هذه القوة أوتلك من الوسط أو اليسار. وهذا يدلل على أن معسكر وسط - يسار لا يملك أغلبية إلا إذا استطاع تحقيق اختراق ائتلافي في صفوف اليمين أو وسط اليمين الديني أو القومي.
وبديهي أن فرص التغيير في الاحتلال تغدو معدومة من دون الصوت العربي وممثليه في الكنيست. وكان آخر تغيير على هذا الصعيد هو ما حدث عندما أفلح اسحق رابين في تشكيل ائتلاف حكومي العام 1992 يستند إلى الأصوات العربية في مواجهة اليمين وهو الائتلاف الذي أبرم اتفاقيات كامب ديفيد. وواضح اليوم أن الصوت العربي، أكثر تأثيراً من ذي قبل في معسكر الوسط واليسار. فالقائمة العربية المشتركة، قبل انقسامها نالت 13 مقعداً ما جعلها القوة الثالثة في الكنيست. غير أن هذه القوة لم تملك النفوذ الذي تستحقه بسبب هيمنة اليمين. وهذا ما قد يتغير إذا تم كسر هيمنة اليمين وصار الصوت العربي رافعة التغيير الفعلية. لكن هذه الصورة قد لا تتحقق حالياً بسبب الانقسام في القائمة، والذي حدث إثر انسحاب الدكتور أحمد الطيبي، وتشكيله قائمة مستقلة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"