البرازيل.. إلى حضن أمريكا و«إسرائيل»

02:33 صباحا
قراءة 4 دقائق
د. صدفة محمد محمود *
في الأول من يناير/كانون الثاني الجاري، أدى «جايير بولسونارو»، اليمين الدستورية ليصبح الرئيس الثامن والثلاثين للبرازيل لولاية رئاسية مدتها أربع سنوات، اختياره أثار جدلاً كبيراً، بسبب توجهاته السياسية، خاصة ما يتعلق منها برغبته في فك الارتباط مع تجمع الميركوسور الاقتصادي، الذي يضم بالإضافة إلى البرازيل كلاً من الأرجنتين، باراجواي، وأوروجواي، وكذلك انتقاداته الحادة للصين (الشريك التجاري الأول للبرازيل)، وإعلانه عن نية بلاده الانسحاب من اتفاقية باريس للتغير المناخي.
بالنسبة للدول العربية، فإن القضية الفلسطينية، تحتل القلب من العلاقات مع البرازيل، في ظل الوعود الانتخابية لبولسونارو، بنقل سفارة بلاده في «إسرائيل» من «تل أبيب» إلى القدس. ويمكن القول إن قيام بولسونارو بتنفيذ تلك الوعود الانتخابية يظل مرهوناً بعدة اعتبارات بعضها داخلي، والبعض الآخر خارجي.
بالنسبة للاعتبارات الداخلية، فهي تتعلق بالأساس بالقاعدة الانتخابية المؤيدة لبولسونارو، والتي يمكن القول إنها تدفع في اتجاهين متعارضين، فمن ناحية أولى سيكون قرار نقل السفارة البرازيلية، في حال تنفيذه، استجابة لمطالب قاعدة انتخابية عريضة لبولسونارو، والمتمثلة في الكنائس الخمسينية الجديدة، التي تضم ملايين البروتستانت الإنجيليين، الذين يتبعون مفاهيم الصهيونية المسيحية، والتي تربط بين عودة اليهود إلى الأرض المقدسة، وإقامة دولة: «إسرائيل» وعودة المسيح المنتظر.
ومن العوامل الداخلية الأخرى الدافعة نحو نقل السفارة البرازيلية، رغبة بولسونارو في إحداث تحول جذري راديكالي في توجهات السياسة الخارجية للبرازيل، عن تلك التي طبقها حزب العمال اليساري، الذي حكم البلاد بين عامي 2002-2016، والتي كان قوامها الأساسي الدفاع عن مبدأ حل الدولتين للصراع «الإسرائيلي» - الفلسطيني، والالتزام بالتوافق الدولي حيال وضع مدينة القدس المتنازع عليها بين الطرفين، خاصة أن البرازيل سبق أن اعترفت بالدولة الفلسطينية عام 2010، وشجعت دول أمريكا اللاتينية على الاعتراف بها.
ومن ناحية أخرى، هناك بعض العوامل الداخلية الدافعة نحو عدم نقل السفارة البرازيلية، ومنها اللوبي الخاص بالصناعات الزراعية، الذي مثل قاعدة انتخابية مهمة ومؤيدة للرئيس البرازيلي، ويخشى هذا اللوبي من تعرض صادرات البرازيل من اللحوم الحلال من البقر والدجاج للدول العربية لخسائر تجارية جسيمة، خاصة أنها تُعد من أكبر مصدري اللحوم الحلال للعالم العربي، حيث صدرت البرازيل في عام 2017، ما قيمته (7.67 مليار دولار) من صادراتها من لحوم البقر والدجاج إلى بعض الدول العربية، وفي مقدمتها السعودية، الإمارات، ومصر. لذا فإن بولسونارو قد يواجه ضغوطاً قوية من قبل لوبي مصدري اللحوم للحيلولة دون تنفيذ وعوده الانتخابية الخاصة بنقل السفارة البرازيلية.
وفي السياق ذاته، تمثل الجالية العربية في البرازيل قوة سياسية واقتصادية مهمة، وهي الأكبر في أمريكا اللاتينية، حيث تبلغ 15 مليون مواطن، غالبيتهم من أصول سورية ولبنانية وفلسطينية. ومن المتوقع أن تستمر الجالية العربية في الضغط على الرئيس بولسونارو من أجل الحيلولة دون نقل السفارة.
وفيما يتعلق بالعوامل الخارجية المؤثرة على قرار الرئيس البرازيلي بنقل سفارة بلاده إلى القدس، تأتي العلاقات مع الولايات المتحدة في مقدمة تلك العوامل، في ظل التقارب الكبير بين مواقف الرئيسين البرازيلي والأمريكي «دونالد ترامب»، لذلك فسوف تسعى البرازيل إلى أن تحذو حذو الولايات المتحدة، التي قامت بنقل سفارتها في «إسرائيل» من «تل أبيب» إلى القدس في 14 مايو/أيار الماضي.
وفي السياق ذاته، تأتي أهمية العلاقات البرازيلية مع «إسرائيل»، التي أشادت على لسان رئيس وزرائها، الذي حضر حفل تنصيب بولسونارو، بخطوة نقل السفارة البرازيلية، ووصفها بأنها «تاريخية»، كما قال بولسونارو إنه يتوقع زيارة «إسرائيل» بحلول مارس/آذار 2019، بعد قبوله دعوة نتنياهو، الذي صرح بأن «نقل السفارة هو مسألة وقت، وهو لا يتعلق بالسؤال: «هل ستنقل السفارة البرازيلية إلى القدس؟»، ولكن بالسؤال «متى سيحدث ذلك؟».
وتسعى البرازيل بهذه الخطوة إلى تعزيز العلاقات التجارية مع «إسرائيل»، التي بلغت 1.2 مليار دولار في عام 2016، وكذلك الاستفادة من الخبرات «الإسرائيلية» في مجال تكنولوجيا المعلومات. وتحاول «إسرائيل»، من جانبها، إقناع بولسونارو بأن ينقل سفارة بلاده إلى القدس، مقابل قيامها بتزويد البرازيل بخبرات ومعلومات وأسلحة في مجال حفظ الأمن الداخلي.
ورغم ضخامة الضغوط الداخلية والخارجية الدافعة نحو نقل الرئيس البرازيلي سفارة بلاده إلى القدس، تظل الدول العربية تمتلك مجموعة من أوراق الضغط المهمة، بالنظر لقوة العلاقات الاقتصادية مع البرازيل، إذ بلغ حجم التبادل التجاري بين الطرفين 20 مليار دولار خلال العام الماضي، وحققت البرازيل فائضا بقيمة 7.1 مليار دولار مع الدول العربية (أي ما يعادل 10 بالمئة من الفائض التجاري البرازيلي)، في الوقت الذي عانت فيه من عجز تجاري بلغ 419 مليون دولار مع «تل أبيب» في عام 2017.
لذلك يمكن للدول العربية توظيف العامل الاقتصادي، كعامل ضغط مهم، خاصة أن العالم العربي يمثل الشريك التجاري الرابع للبرازيل، وثاني أكبر سوق تصدير للمواد الغذائية البرازيلية، بعد الصين، وفقا لغرفة التجارة العربية- البرازيلية. هذا بالإضافة إلى أن التدهور في العلاقة بين الطرفين يمكن أن يؤثر سلبا على الاستثمارات العربية في البرازيل.
ويمكن أن تكون الضغوط الدبلوماسية، التي تقوم بها جامعة الدول العربية، عاملا مؤثرا على قرار بولسونارو، حيث بعثت الجامعة برسالة إلى رئيس البرازيل، أكدت خلالها أن نقل سفارة بلاده لدى «إسرائيل» إلى القدس سيمثل انتكاسة حقيقية للعلاقات مع الدول العربية. كما تشير بعض التقارير الصحفية إلى أن مصر قد أرجأت الزيارة التي كان من المقرر أن يقوم بها وزير خارجية البرازيل إلى القاهرة خلال شهر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي إلى أجل غير مسمى، رداً على اعتزام الرئيس البرازيلي نقل سفارة بلاده إلى القدس، بالرغم من تأكيد بولسونارو نفسه «أن الأمر يتعلّق بتضارب في الجدول الزمني».
وفي السياق ذاته، يمكن لسفراء الدول العربية المعتمدين لدى البرازيل، والبالغ عددهم سبعة عشر سفيرا، البدء فورا بالتحرك دبلوماسيًا وسياسيًا لعقد جلسات للتباحث مع الإدارة البرازيلية الجديدة، لدفعها للعدول عن موقفها.
فهل ستكون البرازيل، في حال نفذ بولسونارو وعوده، ثالث دولة تنقل سفارتها إلى القدس بعد الولايات المتحدة وجواتيمالا؟، أم يمكن أن تسهم الضغوط العربية، التي قلل بولسونارو نفسه من أهميتها، في عدول البرازيل عن قرار نقل سفارتها إلى القدس، مثلما فعلت كل من بنما وباراجواي بعد أن أعلنتا ذلك في وقت سابق؟

* باحثة متخصصة في شؤون أمريكا اللاتينية

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"