البيوت التقليدية في الجزائر تروي حياة الأجداد للأحفاد

قرى جبلية قديمة تساير ظروف الأزمنة السابقة
03:52 صباحا
قراءة 3 دقائق
الجزائر:«الخليج»

قليل من الناس ظلوا أوفياء لهذا النوع من المساكن في جبال منطقة القبائل الجزائرية، ومعظمهم من كبار السن أو العائلات القروية الفقيرة، التي لا تجد ما تبني به غيره.
هذه البيوت التقليدية المتراصة في شكل كتل كبيرة تشكل القرى الجبلية القديمة، بنيت بطريقة تستجيب لظروف الأزمنة السابقة، حيث لا مكيف ولا كهرباء ولا غاز، هي بيوت من صخر وطين، وعرض الجدران 50 سم، أو يزيد، تحمل سقفاً من خشب أو قصب، يغطيه قرميد تقليدي يستجيب للظروف الجبلية، حيث الأمطار والثلوج في الشتاء، ويصنع هذا القرميد بمواد محلية، عبارة عن طين من نوع خاص، يحرق في أفران تقليدية من اختراع القدماء، ولكل بيت فناء شاسع تبيت فيه الحيوانات الأليفة وترتب فيه حاجات العائلة من حطب وصهاريج الماء، وما إليها مما تتطلبه الحياة اليومية، تُلبّس الجدران في الداخل بمادة الجبس الأبيض والأرضية بمادة تتكون من طين وروث البقر وأنواع من الأعشاب، وتسوى الأرضية، وتترك حتى تجف وتدلك بالزجاجات، كي تصير أشبه بالبلاط اللماع، وعلى الجدران توضع عشرات الأوتاد التي تعلق بها شؤون المطبخ، وفي وزايا البيت تبنى بالطين مخازن للقمح والشعير والتين المجفف والحبوب الجافة وغيرها، ويعاد تلبيس وتجميل البيوت التقليدية في منطقة القبائل في فصل الربيع من كل عام مباشرة بعد نهاية موسم الأمطار والثلوج، وفي كل بيت باب ونافذه صغيرة، ويمكن أن تتشكل دار العائلة الكبيرة من عدة بيوت محاطة بالفناء الكبير المشترك، وكلما تزوج شاب منها بنوا له بيتاً جديداً خاصاً به، وتجتمع كل العائلة في البيت المركزي وهو في العادة البيت الذي ينام فيه الجد أو الأب، وفيه توجد حفرة «الكانون» التي توقد فيها نار الخشب وعليها يطهى الطعام، وفي هذا البيت يدور أفراد العائلة على المائدة لتناول وجبة العشاء، قبل أن يذهب كل إلى مكان نومه.
هذا الوضع بطبيعة الحال كان سابقاً، حين كانت العائلة تضم أفراداً من الجد إلى الأحفاد، أما اليوم، فالذكريات تملأ رؤوس المسنين من القرويين الذين يتعلقون بها، كما يعود إليها كثير ممن هاجروا، لسبب أو لآخر، وصاروا يقيمون بمدن الجزائر، أو خارج البلد، ويأتون إليها في العطلات، ويوجد منهم من يحافظ على بيوت الأجداد في الريف بشكلها القديم، ويرممونها ويكيفونها، بما يجعل الأبناء يقبلون على الإقامة فيها، ولو في العطلات، فصارت موصولة بالكهرباء وشبكة الغاز الطبيعي والمكيفات، بل ومن الناس من يبنون بيوتا جديدة، لكن بمواصفاتها القديمة، من الحجر والطين والخشب والقصب والقرميد، ومع كل ما تحتاج إليه الحياة العصرية.

يتحدث فرحات وهو كهل في الخمسين إلى ابنه ذي العشرين عاماً: «هنا ولد جدك وهنا قضى كل حياته، و من تلك العين يجلب الماء، ومن ذاك الجبل يجلب الحطب، ومن تلك الحقول والبساتين يقطف ما يعيش به على مدار العام».. يبتسم الشاب ويطأطئ رأسه، ويقول باحتشام: «تلك حياة كانت «ميزيرية».. أي بؤس، في إشارة إلى أن ذلك كان زمن الاحتلال، حين استولى الفرنسيون على خيرات البلاد، وتركوا الجزائريين في البؤس على قمم الجبال.
معظم قرى منطقة القبائل التي حافظت على بعض بيوتها القديمة حتى الآن تشكل مقصداً لزيارة السياح والبعثات المدرسية، وتكون الرحلة أروع، حين يحضر مُسن يشرح للزوار طريقة عيش السكان قديماً في هذه القرى، أو يظهر من لا يزال يعيش تلك الظروف إلى اليوم».

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"