الحكومة اللبنانية..تحديات صعبة وثقة غائبة

02:48 صباحا
قراءة 5 دقائق
بيروت- رامي كفوري:

شُكلت حكومة الدكتور حسان دياب، وهي تنتظر ثقة المجلس النيابي، في انتظار ثقة الناس المؤجلة التي تؤثر الحكم على الأعمال، إلاّ أنّ الاستقبال الفوري لتشكيلها تفاوت بين فئة، وأخرى، فثمة من حكم عليها بالإعدام، واعتبرها صنيعة الطبقة السياسية الفاسدة، وأنها محكومة بالفشل مسبقاً، وولدت ميتة، في المقابل هناك من يدعو إلى منحها فرصة، وفترة سماح.
إذا كان وليد جنبلاط هو أكثر الداعين إلى إعطاء الحكومة فرصة معقولة قبل إشهار سيف الحرب ضدها، ولو أنه يتعامل معها بشيء من المواربة، وبأسلوب الشيء وعكسه، فإن «تيار المستقبل» ينادي بفترة سماح محددة، لكن المعلومات تشير إلى أنه يعطي الأولوية لجمع صفوفه، وضبط شارعه المتفلت، قبل أن يستدير نحو الحكومة لإسقاطها، وفرض معادلة جديدة. أما «القوات اللبنانية»، فإنها تراقب وتتحرك «على القطعة» محاذرة المكاسرة الحادة التي تعيد إنتاج التوتر في الشارع المسيحي، في حين أن حزب «الكتائب اللبنانية» يذهب بعيداً في معارضته علّه يستعيد مُلكاً مضاعاً، يجهد رئيسه النائب سامي الجميل في استعادة ما يمكن استعادته.
إلى ذلك يراهن معارضوها على أنها لن تجد أبواباً مشرعة لدى الدول العربية، وأن التشكيك الأمريكي الذي يلاحقها ويحاصرها مصحوباً برسائل لمن يريد أن يتعامل إيجاباً معها، خصوصاً الاتحاد الأوروبي، سيفرمل الاندفاعة الفرنسية التي أحدثت ثغرة في الجدار المقفل. وهناك من يرى أن استمرار التوتر في الشارع لن يبقى مضبوطاً، رغم الجهد الذي تبذله القوى العسكرية والأمنية، وتأكيد من يمثل «الانتفاضات» على الأرض سلمية التحركات. وبالتالي، فإن احتمال أن تنزلق هذه التحركات إلى العنف في قادم الأيام، يبقى وارداً.

الحكومة.. وعتبة الثقة

قيل الكثير في حكومة الرئيس حسان دياب. سهام المعارضين لم ترحمها، على الرغم من أنها تضم اختصاصيين، وليس في سجل أي منهم ما يجعل حاضره يخجل من ماضيه. في حين أن الذين تولوا عملية إبصارها النور، لم يدافعوا عنها، ويردوا الهجمات التي استهدفتها، كأنهم لجأوا إلى هذا الخيار رغماً عنهم، بعدما سدت في وجوههم السبل. وكأن قدر رئيس الحكومة أن يرتدي ثوباً لم يخطه، فاضطر إلى أبوة موازنة وضعها سلفه تداركاً لفراغ، واتقاء للصرف على القاعدة الاثني عشرية المكلفة التي تزيد من أرقام عجزها، وكانت المفارقة أن واضعي الموازنة صوتوا ضدها، لكنهم ساهموا في توفير النصاب، فمثلوا بسلوكهم هذا ذروة التناقض. كل ذلك تم، الاثنين الماضي، في ظل استمرار إيقاع الشارع بوتيرة عنيفة، كما حصل في الأيام الماضية.
ولكن هناك امتحان كبير قبل أن تنطلق الحكومة الجديدة إلى العمل، وهو امتحان الثقة. الحكومة ستمثل لنيلها، واحتمالات حصولها عليها هي أكبر من إخفاقها. على أن الثمن سيكون مرتفعاً، وأن ثمة نزالاً في الشارع سيواكب جلسة الثقة. وهذا يعني أن حكومة الرئيس دياب ستخرج من التحدي مثخنة، ومتعبة. وأن المنتفضين يحضّرون لجولة سيكون العنف عنوانها الأبرز، لأن الجيش، وقوى الأمن الداخلي لن تدع الشغب يحسم الأمر لمصلحته في الشارع.
مخاض الثقة لن يكون سهلاً. فبعد البيان الوزاري الذي سيلجأ إلى الاختصار والدقة بأسلوب السهل الممتنع، ستكون الحكومة أمام تحديات ثلاثة:
* التحدي الأول سياسي، ويتمثل في كيفية مواجهة قوى حزبية وازنة على الأرض، وحاضرة في المشهد العام، وتتربص بها لإسقاطها بالنقاط، أو الضربة القاضية. كما يتمثل في خرق الحصار العربي والدولي، في ظل الاتهامات المساقة إلى الحكومة بأنها حكومة «حزب الله». ومن هذا المنطلق، فإن الرئيس دياب سيعمل، قدر المستطاع، لينأى بنفسه والحكومة، عن المحاور المتنازعة، وفي نيته العمل على الانفتاح خليجياً بجولات يقوم بها من أجل مساعدة لبنان على مواجهة الصعاب التي تعترضه مالياً، واقتصادياً، رغم أن أي مؤشرات إيجابية لم ترد حتى الساعة من أية جهة حول موقف مختلف عن السابق.
وفي هذا السياق، تجدر الإشارة إلى موقف فرنسي متقدم يدعو إلى منح حكومة الرئيس دياب فرصة للعمل، والإنتاج، وتطبيق الإصلاحات المطلوبة، وإمكان عودة صيغة «سيدر» إلى الواجهة. لكن هناك من يتحفظ، ويسأل: إلى أي مدى ستسمح الولايات المتحدة لأوروبا عموماً، وباريس خصوصاً، بحرية الحركة بغرض مساعدة لبنان على النهوض؟ ويستدرك بأن هذا السؤال تتكفل الأيام الطالعة بالإجابة عنه.
* التحدي الثاني أمني، وفي هذا المجال فإن تطمينات تؤكد أن هذا الموضوع هو خط أحمر. وأن الجيش والقوى الأمنية لن تترك التظاهرات تنحرف عن خطها لتصبح مصدر تهديد للسلم الأهلي، وتكثف عملها للحؤول دون أي تسرب إرهابي يتسلل تحت غطاء الاحتجاجات الشعبية على امتداد ساحات لبنان. لكن السؤال يبقى: هل يكون الأمن بخير إذا كان الأمن الاجتماعي مهتزاً، والناس في يأس يلامس الذعر والكفر بمستقبلهم؟
* التحدي الثالث، وهو الأهم، وبيت القصيد، ويتمثل في الوضعين النقدي والاقتصادي، في ظل التدابير القاسية للمصارف التي تطبق «الكابيتال كونترول» على زبائنها، والحديث عن إخراج ودائع تقدر بمليارات الدولارات بعد السابع عشر من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، واهتزاز الثقة بالقطاع المصرفي، وانحسار حركة التحويلات الخارجية من اللبنانيين المنتشرين.
إلى ذلك، فإن العملة الوطنية فقدت ما يقارب الثلاثين في المئة من قيمتها الفعلية، ونشأت ثلاثة أسواق موازية، إضافة إلى تفاقم الغلاء الذي طاول السلع الغذائية والضروريات، وتنامي عمليات التهريب على نطاق واسع.
هذه الصورة الكالحة التي تواجهها الحكومة ستجعلها، وفق المصادر، تبادر بعد الثقة إلى: معالجة الوضع النقدي والمالي، واتخاذ التدابير التي تطمئن المودعين وتساعد على عودة الرساميل الهاربة. وضع خطة لاستعادة الودائع العائدة لأشخاص ومصارف بعد السابع عشر من أكتوبر/ تشرين الاول الماضي. توحيد سوق الصرافة بمنع المضاربة على العملة الوطنية، وترشيد الإنفاق العام ووقف الهدر، والبدء بدرس موضوع تعزيز الإنتاج الوطني والتحول التدريجي عن الاقتصاد الريعي.
وتضيف المصادر أن هذه الخطوات يجب أن تترافق بحركة خارجية لإقرار مساعدات عاجلة للبنان، وضخ السيولة في شرايين الاقتصاد الوطني وإطلاق الحركة التجارية، وهذا ما تخطط له حكومة الرئيس دياب، كما العمل على إعادة إحياء موضوع «سيدر» الذي أعاد تعويمه الاتصال الذي تم أخيراً بين الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، والرئيس ميشال عون، وكان إيجابياً ويمكن البناء عليه وفق المصادر الحكومية..
ويعرب خبراء الاقتصاد عن اعتقادهم أن التحدي الأكبر هو: كيف يمكن للبنان أن يستجيب لشروط صندوق النقد الدولي من دون أن يخلف ذلك تداعيات خطيرة على الأمن الاجتماعي للبنانيين، الذين لن يكونوا قادرين على هضم التدابير التي يشير بها الصندوق؟
خلاصة القول عند كثيرين، أن الرئيس حسان دياب يسير على أرض مفروشة بالأشواك، والحكومة الجديدة لا تحسد على وضعها، ولا يبقى إلا الأمل: «ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل».

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"