الشخصية العربية تواجه التشويه والمسخ

12:34 مساء
قراءة 16 دقيقة

تواجه الشخصية العربية تحديات لا حصر لها بهدف السيطرة عليها، وتقديمها إلى العالم أشبه بالمسخ عبر أسلحة من نوع خاص، تتوغل وتحقق أهدافها من دون أن ندري، منها أفلام الرسوم المتحركة التي تجعل الأطفال يشعرون بالغربة في أوطانهم، وألعاب الفيديو التي تقدم العربي في صورة الشرير الذي يهدد العالم، وهي الرسالة التي تحرص هوليوود على القيام بها على أكمل وجه، ونشارك نحن فيها عبر عقدة الخواجة والهوس بكل غربي، متناسين مفردات تراثنا التي تضرب بجذورها في التاريخ.

تظهرهم في صور مجرمين وقتلة

ألعاب الفيديو منافسات لتشويه العرب

رغم التقدم التكنولوجي الهائل الذي نعيش لحظاته أولاً بأول، ومع انتشار اساليب ايصال الرسائل السياسية والاجتماعية عبر التلفزيون والانترنت والراديو والافلام، إلا أن نوعاً آخر بدأ يبرز خفياً خلال السنوات الماضية. لا يبدو ظاهراً، ولكنه يسهم بطريقة غير مباشرة في زرع انطباعات غالباً ما تلحقها وسائل الاعلام الغربية بالعرب وخاصة صورة الانسان العربي الذي يظهر شريراً وقاتلاً. هذه الصورة السلبية عن العرب بدأت بالتسلل تدريجياً الى العاب الفيديو والكمبيوتر فالعربي هو المجرم والامريكي أو الغربي هو البطل.

إعداد: محمد مزاحم

لائحة الألعاب الالكترونية الغربية التي تبث الأفكار الخاطئة عن العرب في تزايد، ولكن اللافت في هذا المجال ان الرد العربي عليها لا يتعدى محاولة أو اثنتين وذلك عبر اصدار عدد من العاب الفيديو التي تمجد الانتفاضة الفلسطينية وهزيمة إسرائيل في جنوب لبنان.

وأصبحت اهتمامات شركات الألعاب تنصب على العنف والحروب والتي تحمل في طياتها معاني سياسية واجتماعية حول احداث معينة في الشرق الأوسط، فمثلا لعبة عملية عاصفة الصحراء التي صممت عام 1991 تمحورت حول حرب تحرير الكويت وتألفت اللعبة من 12 مرحلة، تنتهي في أزقة وشوارع العاصمة العراقية بغداد حيث يواجه اللاعب في النهاية آخر عدو وهو وجه ضخم للرئيس العراقي السابق صدام حسين.

أما لعبة باتل فيلد أي ساحة المعركة، فإن الاعداء من العرب وينطقون اللغة العربية ويدور القتال في ساحات تشبه الى حد ما الطبيعة العربية.

لعبة أخرى طرحت في الأسواق تحمل اسم كوول أوف ديوتي: مودرن وورفير أي نداء الواجب: الحرب الحديثة. الجزء الرابع من هذه اللعبة يمثل نقلة عبر الانتقال من عالم الحرب العالمية الثانية الى العالم المعاصر بحروبه الحديثة حيث تدور الحرب في دول بالشرق الأوسط وتتنوع السيناريوهات المحبوكة للعبة، ففي احداها جندي بريطاني ينزل وراء خطوط العدو في الحرب مع روسيا، والسيناريو الثاني جندي أمريكي ينزل خلف خطوط العدو في احدى دول الشرق الأوسط.

وصممت شركة امريكية أخرى لعبة فيديو افتراضية قتالية توصل في النهاية الى هجوم على محطة تلفزيونية للارهابيين تحاكي غرفة اخبار قناة الجزيرة الاخبارية. وتدور احداث اللعبة حول معارك شوارع تدور في العراق وافغانستان المحرر فيها جندي غربي من الوحدات الخاصة يأتي على متن طوافته حاملاً التغيير عبر فوهة رشاشه.

وتستمر العمليات القتالية حتى يقرر قائد المهاجمين السيطرة على المقر الاعلامي للارهاربيين والذي حسب الديكور الواضح في اللعبة يشبه غرفة الاخبار في قناة الجزيرة.

ويبدو واضحاً في تصميم اللعبة مكتب رئاسة التحرير في الغرفة ومكاتب صحافيي القناة واستوديو تقديم الاخبار. فيما تنتهي اللعبة بتدمير شعارالجزيرة المكتوب على لوحة دائرية ضوئية تتوسط غرفة الاخبار.

كل هذا يضاف الى عشرات الالعاب الالكترونية التي يمكن تحميلها مجاناً على شبكة الانترنت وتحاول تشويه صورة الانسان العربي. وجرت محاولات خجولة من مبتكري الألعاب العرب لمواجهة هذا الهجوم الكاسح من شركات الألعاب الالكترونية، وكانت أولى المحاولات لعبة قاذفو الحجر التي ظهرت عام 2001 وكان مصممها طالب الطب السوري محمد حمزة وكانت تهدف الى التضامن مع الانتفاضة الفلسطينية الثانية.

وتبدأ اللعبة بصورة شهيد طفل بين يدي أمه مع كتابة باللغة الانجليزية تقول: مهداة الى من اعطى روحه لأجل أرضه.

اللعبة هي نسخة مستوحاة من لعبة الفيديو الشهيرة ستريت فايتر أو مقاتل الشارع حيث يتوجب على شاب فلسطيني ملاكمة وضرب ورمي الحجارة على الجنود الإسرائيليين الذين يريدون قتله.

ويدور القتال أمام خلفية تظهر المسجد الأقصى، ويستطيع اللاعب اختيار ثلاث مراحل مختلفة الصعوبة تسمى طفل الحجر، لا اخاف أحداً لا اخاف الموت.

وتنتهي اللعبة عندما تذهب كلمة جيم أوفر وعبارة قد تكون قضيت على بعض الجنود الاسرائيليين في عالم الكمبيوتر ولكن.

وتنتقل هنا الصورة لتظهر جموعاً تحمل جثة احد الشهداء ملفوفاً بالعلم الفلسطيني ومكتوب اسفلها هذا هو العالم الحقيقي، توقفوا عن قتل الأبرياء في فلسطين، قبل ان تنتهي اللعبة بحق!

أما المقاومة اللبنانية، فقد انتجت نسختها الخاصة عن الألعاب الالكترونية تحمل اسم القوة الخاصة وتدور فيها سيناريوهات المعارك في المواقع نفسها التي حاربت فيها المقاومة اللبنانية الجيش الإسرائيلي في جنوب لبنان حتى عام 2000.

اللعبة ثلاثية الأبعاد ويتدرب اللاعبون على رمي القنابل واطلاق الرصاص على صور رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق اريل شارون وقادة آخرين، ويحصل اللاعبون الذين يتمون المهمة بنجاح على ميداليات يقلدهم إياها الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله. وخلال اللعب، يستطيع اللاعبون ابداء التقدير والاحترام للشهداء الحقيقيين الذين سقطوا في المعارك مع العدو الاسرائيلي في المواقع نفسها التي يلعبون عليها. وعند مهاجمة المواقع الإسرائيلية تبدو نجمة داوود واضحة وصوت فحيح الأفعى مسموع. أما الشركة الأكثر نشاطاً في هذا المجال فشركة أفكار للإعلان السورية التابعة لدار الفكر. أفكار للاعلام اطلقت ثلاث ألعاب في الشرق الأوسط وهي تحت الرماد وجزء آخر من تحت الحصار أما اللعبة الثالثة فهي استراتيجية بناء الحضارة حول تاريخ الاسلام أطلق عليها اسم القريش.

ولعبة تحت الرماد تمثل مراهقاً فلسطينياً يسمى أحمد يترعرع تحت الاحتلال الاسرائيلي خلال الانتفاضة الأولى التي بدأت أواخر 1987.

في بداية اللعبة يركض أحمد في أرجاء بلدته رامياً الحجارة على الجنود الاسرائيليين وينتقل بعد ذلك إلى اطلاق النار عليهم عندما يحاولون طرده مع القرويين من بلدتهم، وعندما يقوم الاسرائيليون بهدم منزل قروي فلسطيني ويضربونه، يرمي أحمد بحجر في السواد الفارغ ليتحول إلى قنبلة في الهواء، اللعبة التي بدأ العمل فيها أواخر تسعينات القرن الماضي، هدفت إلى لفت الأنظار الى القضية الفلسطينية، وقد تم تحميل اللعبة من الموقع أكثر من مليون مرة مما يشير إلى حجم الاقبال عليها.

وأطلقت في التسعينات لعبة بعنوان الصراع في الشرق الأوسط عبر شركة فيرجن إنتر أكتف تسمح للاعب بأن يكون رئيس وزراء إسرائيل وأن يتخذ قرارات بالدفاع عن أمن إسرائيل ضد دول إسلامية قد تصل إلى حد استخدام الأسلحة النووية ضد هذه الدول.

ومن الألعاب الأخرى التي طورها مصممو هذه البرامج في إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية لعبة بييس مايكر أو صانع السلام ويستطيع فيها اللاعب تقمص أدوار رئيس الوزراء الاسرائيلي أو الرئيس الفلسطيني لاتخاذ قرارات مهمة على كافة الاصعدة السياسية والعسكرية وغيرها.

اللعبة تعتمد على وجوب اتخاذ قرارات مهمة وايجاد مخارج لأحداث معقدة وتجنب تعريض عملية السلام للخطر فمثلاً إذا كنت رئيس الوزراء الإسرائيلي وحدثت عملية استشهادية فعليك اتخاذ القرار، هل تصعد عمليات القتل ضد الفلسطينيين مما يضاعف العنف؟ او هل تتخذ موقفاً دبلوماسياً مما قد يضعف موقف رئيس الوزراء أمام الإسرائيليين وقد يتعرض إثرها لعملية اغتيال؟

أما الرئيس الفلسطيني، فإذا عاقب المجموعة الفلسطينية التي قامت بالعملية الاستشهادية، فإنه سيلقى دعم إسرائيل ويخسر شعبيته بين الفلسطينيين.

صراعات عالمية على الفيديو جيم

صراعات عالمية، فلسطين لعبة جديدة تمكن اللاعبين من ان يصبحوا صحافيين افتراضيين يتحركون في الأراضي الفلسطينية والإسرائيلية حيث بإمكانهم اجراء مقابلات مع شخصيات من الطرفين سواء كانوا مدنيين أو جنوداً أو مقاومين.

وعندما يفترض اللاعب أنه أصبح لديه الكم الكافي من المعلومات، فإنه يكتب مقالات عن الصراع، ويتم اعطاؤهم علامات حول المقالات. اللعبة التي اطلقت أواخر العام 2000 تدور في ستة سيناريوهات يختارها اللاعب ومنها التوغلات الإسرائيلية في قطاع غزة والضفة الغربية، ونقاط التفتيش الإسرائيلية والعمليات الاستشهادية.

ولا يجب على المراسل الافتراضي ألا يكون موضوعياً، وبإمكانه الاختيار بين ان يكون مؤيداً للفلسطينيين أو للإسرائيليين أو حيادياً وذلك من خلال البحث عن المعلومات في المواقع واجراء المقابلات. كل الشخصيات لها اجوبة جاهزة وذلك اعتماداً على اسئلة الصحافي وانحيازه. وتعتمد نتائج اللعبة على درجة نجاح الصحافي في كتابة القصص والمقالات من الزاوية الصحيحة بناء على المقابلات التي اجراها.

إنقاذ العالِم النووي

اطلق طلاب ايرانيون لعبة فيديو منتصف العام الماضي تحاكي عملية انقاذ عالمين نوويين ايرانيين اختطفتهما القوات الامريكية ونقلتهما الى العراق وإسرائيل.

اللعبة انقاذ العالم النووي تأتي رداً على لعبة هجوم على ايران التي اطلقتها شركة امريكية وتحاكي هجوماً امريكياً على منشأة نووية ايرانية.

اللعبة تبدأ بقيام القوات الأمريكية باختطاف عالمين نوويين ايرانيين رجل وزوجته ونقلهما الى العراق. ويقوم اللاعبون بتقمص أدوار فرقة ايرانية تخترق التحصينات الأمريكية في العراق ولكن يتبين ان العالمين نقلا الى إسرائيل، وعلى اللاعبين ان يدخلوا إسرائيل لإنقاذهما وقتل الجنود الامريكيين والإسرائيليين ومصادرة اجهزة الكمبيوتر التي تحوي معلومات سرية. وإذا فشل اللاعب في المهمة تظهر رسالة تقول: مع المقاومة، تستطيع ان تحارب العدو.واطلق الأمريكيون لعبة تحمل اسم المرتزقة 2 وتمثل عملية اقتحام امريكية للعاصمة الفنزويلية كاراكاس لتخليصها وانقاذها من دكتاتور وهو ما أثار احتجاجات الرئيس الفنزويلي هوجو تشافيز الذي اعتبر اللعبة تستهدفه شخصياً.

تجعل الصغار يشعرون بالغربة في أوطانهم

الرسوم المتحركة غزو ثقافي لعقول الأطفال

يرى كثيرون أن الرسوم المتحركة والألعاب الالكترونية ذات تأثير خطير على الطفل العربي، رغم فائدتها في تنمية جوانب الابداع والخيال لديه، ويحددون خطورتها في جعله يتحلل بطريقة لاشعورية من قيمه وعاداته وتقاليده، وهويته مما يؤدي في النهاية الى أن يتحول ضد وطنه، والانتماء للآخر، مؤكدين أن هذا الغزو لعقول الأجيال الجديدة مدروس بعناية وينفذ على مراحل متباعدة، وحذروا من خطورة الوصول لمرحلة لا نستطيع فيها وقف تلك الهجمة الشرسة وطالبوا بضرورة إنشاء مراكز للأبحاث تكون مهمتها مراقبة البرامج والمواد الاعلامية المستوردة للأطفال.

تحقيق: محمد هجرس

يشير د. معن القطامي مدير عام آفاق المعرفة للتدريب والاستشارات الى أن الرسوم المتحركة مفيدة لأنها تنمي جوانب الابداع والخيال لدى الطفل، إلا أن خطورتها تكمن في نموذج البطل الذي لا يحمل قيمنا وينتمي إلى خرافة تجعل الطفل يقلده في سلوكه داخل البيت والمدرسة، والشارع أيضاً، لأنه يحلم بذلك البطل الخرافي، لافتاً إلى أن الألعاب الالكترونية الموجودة داخل الأسواق العربية صممت بحيث تجذب الطفل وتربطه بها، وأن الغرب توصل إلى فائدتها بالنسبة للطفل خاصة في النمو المعرفي، والتحليل، وأنها تعزز عنده صفات ايجابية عديدة، خاصة في مهارة التفكير، إلا أنها تحتوي على جوانب أخرى غاية في الخطورة منها المضامين والرسائل الموجهة ضد العرب، وهو عنف ثقافي.

وأكد القطامي ان الرسوم المتحركة والألعاب الالكترونية الموجهة للطفل العربي ذات أهداف سياسية وثقافية خطيرة تكمن في جعل الطفل يتحلل بطريقة لاشعورية من قيمه ومبادئه وأحياناً من دينه، وهويته، مما يؤدي به في النهاية إلى أن يصبح شخصاً ضد وطنه، موضحاً أن كل ذلك مدروس بعناية فائقة لدى الغرب، وينفذ على مراحل متباعدة، من خلال الجذب والتشويق عند عرض المواد الخاصة بالطفل.

وأضاف: هناك دراسات نفسية وتربوية تؤكد أن الاطفال يتعلمون بسرعة فائقة من الكرتون والألعاب الالكترونية بإيجابياتها وسلبياتها، مشيراً الى ضرورة وجود وقفة كبيرة من قبل المسؤولين داخل الدولة ضد كل المواد الاعلامية التي لا تقدم نفعاً وقيمة لدى اطفالنا.

ويقول أحمد الشيبة رئيس مركز الخليج العربي للاستشارات التربوية إن الرسوم المتحركة التي لا تزرع قيماً داخل الطفل تذاع على معظم القنوات وتعاد على مدار اليوم ويشاهد فيها الصغير قتالاً عنيفاً يدفعه للانسلاخ عن مجتمعه ما يظهر مدى الأبعاد الاستراتيجية التي يهدف إليها الغرب.

ويوجد ذلك أيضاً في الألعاب الالكترونية وهناك لعبة تسمى كيف تكون امبراطوريات، وعندما يبدأ الطفل في اللعب يجد العديد من الامبراطوريات منها الاسلامية والرومانية والعثمانية، ولينتصر لابد من ضرب المساجد والمعابد وكل رمز ديني، ثم يرجع من جديد إلى ضرب امبراطورية وراء أخرى حتى يوسع امبراطوريته.

ويؤكد الشيبة أن كل تلك الألعاب موجهة الى العرب مما يشكل نوعاً من العداء غير المباشر لدى الطفل في العقل الباطن، لافتا الى أنه حضر مجموعة من طلاب الجامعة كانوا يلعبون تلك الألعاب الالكترونية ويحاولون تكوين امبراطورية، فهاجموا الامبراطورية الاسلامية وهدموا مسجداً، وأحرقوا مصحفاً، وعندما نبههم إلى خطورة اللعبة، أعلنوا أنها مجرد لعبة وليست حقيقية، إلا أنها تورث نوعاً من القبول لدى الشخص بما يحدث أمامه.

وأضاف أنه يجد من الممكن إيذاء أي مكان اسلامي كما يحدث الآن من حفريات تحت المسجد الأقصى، متسائلاً مَن مِن العرب يقف ضد تلك الحفريات؟ مما يؤكد أن تلك الرسوم المتحركة نوع من التشويه المتعمد للشخصية الاسلامية وتطبيعها على قبول الاساءة من داخل وطنها.

وأكد الشيبة أننا لن نستطيع أن نوقف تلك الهجمة الشرسة والخطيرة لتشويه الشخصية الاسلامية والعربية، إلا إذا استطعنا أن نوجد أجهزة مناعة داخلية لحصوننا وزرعها داخل الاسرة بكيفية التعامل معها، مطالباً بضرورة وجود مركز للابحاث مهمته دراسة كل ما يؤثر على الطفل العربي، وامداد التربويين داخل المدارس والجامعات بالمعلومات التي توضح نوعية الرسوم، والألعاب التي لها إيجابيات وسلبيات على الطفل، بجانب وجود المؤسسات الوطنية التي تقوم على ايجاد البدائل التي تكون شخصية الطفل بطريقة سليمة عن طريق رسوم متحركة يتم انتاجها داخل الدولة. ورغم وجودها إلا أنه يطالب بأن تكون ذات مستوى رفيع سواء على المستوى الفني أو السلوكي، مشيراً إلى أنه إذا لم يتحقق ذلك فإن الطفل العربي في طريقه لفقد هويته والانتماء للآخر.

د. جورج ونيس اخصائي الطب النفسي يؤكد أنه من السهل زرع أفكار وقيم واتجاهات لتغيير نمط وسلوك الصغار فيكبرون وهم متشبعون بتلك الأفكار والمبادئ الى حد أنهم لا يشعرون في بعض الأحيان بالانتماء لأوطانهم، ويصل الأمر في بعض الحالات المتطرفة الى كراهية المجتمع الذي نشأ فيه وتفضيل المجتمعات الأخرى التي نمت فيه تلك المشاعر والأفكار، موضحاً أن ذلك يكون عن طريق رسائل خفية لا يدركها الفرد مباشرة ولكنها تعمل بصورة بطيئة وغير محسوسة الى أن يحدث الهدف المنشود، وأحياناً يكون ذلك عن طريق وسائل الاعلام والفنون، وايضاً مناهج التدريس.

وطالب ونيس بضرورة تشكيل لجان لمراقبة الأعمال الفنية خاصة الكرتون الذي يقدم لأطفالنا، على ان تكون من علماء متخصصين في علم النفس والطب النفسي وعلم الاجتماع، لحماية الشخصية الوطنية والأفكار والقيم والمثل العليا للمجتمع، مشيراً الى ضرورة تشجيع الدولة لكل العاملين في مجال الدراما المقدمة للطفل، وعمل جائزة سنوية تقدم لأفضل عمل يحث على الوطنية، وذات مضمون وقيمة اخلاقية.

ولفت الى أن تلك المسألة من الصعب تحقيقها في ظل وجود الفضائيات المتعددة والمسيطرة على المواد الاعلامية التي تبث، لكن من الممكن تشكيل لجان لمراقبة كل ما يعرض على تلك الفضائيات ودراسته جيداً، وتقديم دراساتها في برامج موجهة للأسرة والمجتمع بهدف التوعية بخطورة تلك المواد الدرامية التي تقدم لأطفالنا.

ويؤكد د. ممدوح المشمشي استاذ الاعلام بجامعة الشارقة أن الرسوم المتحركة والألعاب الالكترونية لها تأثير هائل وفعال على شخصية الطفل ونموه العقلي، مما يؤثر على النمو المعرفي والثقافي المتراكم لديه، والذي يكونه من خلال ما يتعرض له من برامج أو غيرها من الأشياء المشابهة التي تقع في محاكاة خيالاته والتأثير على مفرداته اللغوية، وانتمائه الثقافي والوطني، مشيراً الى أنه في حالات كثيرة دون ان يعي الطفل تكون لديه حالة لامبالاة تجاه القيم والعادات والتقاليد والموروثات الوطنية الخاصة به، مما يخرج لنا اطفالا ذوي هوية مشوهة وضعف في الانتماء للوطن والنزعة الى التفكك الأسري، والانفصال عن المجتمع وقضاياه ومشاكله، مما يجعلها عرضة للغزو المتزايد من الثقافات والأفكار الغريبة التي تعمل على هدم كل ما يخص قيمنا وتقاليدنا.

فيما ترى د. ابتسام الكتبي استاذ العلوم السياسية في جامعة الامارات ضرورة عدم التعميم على كل الأفلام والرسوم المتحركة والألعاب الالكترونية، موضحة أن ذلك يرجع الى طبيعة المادة المستوردة، لأن تلك الأشياء قد تكون مصنعة للأطفال داخل بلد المنشأ نفسه، فلا يكون لها تأثير، أما اذا كانت مصنعة خصيصاً لأطفال بعيدين عن أطفالهم فيجب ان تكون هناك وقفة حفاظاً على أجيال المستقبل حتى لا يفقدوا هويتهم الوطنية، خاصة ان كل ذلك يقع في الإطار العام وكلها من ضمن الأدوات الاعلامية.

وأوضحت الكتبي أنها لا تقول بتطويع كل ذلك مع المجتمع ولكن هناك منها ما هو مخالف للعادات والتقاليد والقيم ويشوه سلوك الطفل مثل مسلسل اقتل الشرطي وهو من اخطر المسلسلات الموجهة للطفل العربي.

وقالت إن حياة الانسان اليوم طرأ عليها أشياء عدة، فأصبح الطفل عندما يفتح عينيه، يفتحهما على التلفزيون وبرامجه المتنوعة ويصبح اسيراً لابهاره وتناقضاته المفزعة أحياناً، لافتة الى ضرورة ان يكون هناك دور للأسرة في اختيار البرامج التي يشاهدها طفلها وأن تثنيه عن مشاهدة ما ترى أنه يسيء اليه، عن طريق وسائل ترفيهية أخرى.

ويشير د. علي الغفلي أستاذ العلوم السياسية بجامعة الامارات الى أن الغزو الفكري والثقافي يحتاج إلى مراجعة، لأنه بمعناه العام يؤكد أن هناك طرفاً مستكيناً، وآخر مهاجماً يريد أن يصدر أشياء قد لا نكون في حاجة إليها، رافضاً تعبير الغزو بمعناه الدارج لأنه يعني احتلال بلد لآخر. وأضاف أنه إذا كان هناك هجمة على الطفل فالدولة مطالبة بمواجهتها بدعم من الأسر وجميع أفراد المجتمع، مشيراً إلى ضرورة أن نشدد ونرى جوانب الصمود التي تجنبنا مثل ذلك التلف الذي نلف وندور حوله دون فائدة، وأصبحنا لا نرى أنفسنا سوى في الكلام والصراخ، خاصة أن هناك برامج بفحواها العربية والمحلية تؤكد جانب الصمود وتعطينا القوة ضد ما يقال من هجمات ثقافية وتعزز من قناعتنا الفكرية.

هوليوود تعادي المسلمين على طول الخط

عنصرية الواقع تنتقل إلى الشاشة

قد يكون منطقيا وإن لم يكن مستندا إلى حقائق مؤكدة أن تلجأ السينما الأمريكية بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر/أيلول إلى أن تلوك الأكذوبة التي تقدم العربي، أو المسلم بشكل عام، باعتباره إرهابيا بالفطرة، ولم يكن غريبا أن تمتد هذه النزعة العنصرية إلى مختلف وسائل الإعلام الأمريكية، والعديد منها يقيم تحالفا مع الإدارة الأمريكية المحافظة وأفكارها التوسعية العدوانية، كما يشمل هذا التحالف إسرائيل والصهيونية أيضا، لذلك روجت السينما الأمريكية والتلفزيون الأمريكي للصورة السلبية للعربي المسلم، حتى في أفلام لا تخلو من السذاجة الفنية وإن كانت سذاجة تتناسب مع عقلية المتفرج الأمريكي، التي تبدو صفحة بيضاء جاهزة دائما لكي يخط عليها الإعلام الأمريكي ما يشاء.

القاهرة - د. أحمد يوسف:

ظهرت بعد الحادي عشر من سبتمبر أفلام تلفزيونية مثل رجال الرئيس.. خط على الرمال من تمثيل تشاك نوريس، الذي يحكي عن مجموعة من العرب الذين يحاولون أن يزرعوا قنبلة نووية في ولاية تكساس (بما تمثله باعتبارها موطن الرئيس الأمريكي)، أو فيلم المنطقة الذي يصور إرهابياً يفجر مسجدا في عملية إرهابية.

والمفارقة تكمن في أن هذه الصورة النمطية للعربي أو للمسلم تعود إلى بداية السينما الأمريكية، أو حتى إلى أفلام تبدو بعيدة عن الموضوعات السياسية المباشرة، لذلك فإن هذه الصورة تمتد بجذورها إلى ما قبل أحداث الحادي عشر من سبتمبر، مما يقودنا إلى ضرورة تحليل هذه الظاهرة تحليلا أكثر عمقا. أرجو أن تتأمل على سبيل المثال أفلاما بدوية ظهرت في عشرينات القرن العشرين، ففيلم الشيخ (1921) أو بالأحرى شيخ القبيلة يقدم النجم المشهور آنذاك فالنتينو قائدا لمجموعة من العرب الذين يظهرون باعتبارهم لصوصا ومشعوذين وسفاحين ومتوحشين، وعندما يعثر قائد القبيلة على امرأة أوروبية يريد الاستحواذ عليها بالاختطاف، أما فيلم ابن الصحراء (1924) فيصور بدويا يعشق ابنة الضابط الأوروبي المستعمر التي ترفضه على الفور لكونه عربيا. وفي الفيلمين يأتي الحل شديد السذاجة والعنصرية أيضا باكتشاف ذلك البدوي العاشق في هذا الفيلم أو ذاك أن جذوره غربية بيضاء، وهكذا يتم تحوله فجأة إلى التحضر، كما يتم قبوله من الغربيين لأنه واحد منهم وليس من الآخرين!

إنها أفلام تبدو أقرب إلى حواديت الأطفال، لكن من المؤكد أنها ترسخ في لاوعي المتفرج الغربي تلك الصورة النمطية السلبية للعربي المسلم، وهو ما يتكرر في أفلام أسطورية أخرى، مثل غزاة الطوف المفقود (1981) الذي يحكي عن المغامر والمستكشف إنديانا جونز (هاريسون فورد) الذي يعثر على طوف أثري اختطفه المصريون القدامى من العبريين، كما يشير الفيلم إلى تحالف بين العرب والنازيين! وسوف تتكرر هذه الصورة في الجزأين الأخيرين من سلسلة حرب النجوم (2000 2002) حيث يتجسد الشر في كوكب صحراوي يسكنه راكبو الجمال الذين يختطفون أم البطل ويعذبونها ويستخدمونها رقيقا، ولا ينسى الفيلم أن يجعلهم يرتدون ملابس وأغطية رأس عربية، وبالطبع فإن المتفرج سوف يتعاطف مع بطل الفيلم عندما يوسع هؤلاء الهمج ذبحا وتقتيلا، فهم جنس لا يستحق الحياة! وتصل مهزلة تصوير العربي إلى أبعاد شديدة السذاجة مع فيلم مثل طارد الأرواح الشريرة (1973) الذي يحكي عن روح شريرة قادمة من بلاد ما بين النهرين لتعيث فسادا في منزل أسرة أمريكية مسالمة، أو فيلم المومياء (1999) الذي يتحدث عن روح مصرية تسعى للانتقام بصورة شديدة الوحشية والفجاجة!

في أفلام أخرى أكثر مباشرة، قبل وبعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، ترى موضوعات يزعم صناع هذه الأفلام أنها تعتمد على قصص حقيقية لمعارك عسكرية أمريكية، مثل فيلم قواعد الاشتباك (2000) الذي يدور في اليمن الذي يحاصر فيه المتظاهرون اليمنيون السفارة الأمريكية في صنعاء، ويهاجمون المدنيين الأمريكيين باستخدام وابل من الرصاص وكتل اللهب والأحجار، فلا يجد البطل العسكري الأمريكي (دينزيل واشنطن) مناصا من القيام بمذبحة يموت على أثرها مئات العرب، أما في فيلم سقوط الصقر الأسود (2001) الذي يدور في الصومال فيزعم أن فرقة عسكرية أمريكية من بين قوات الأمم المتحدة في الصومال تعرضت للاعتداء على يد قوات المقاومة الصومالية لينتهي الأمر بمذبحة أخرى، وفي الفيلمين لا يقول لك الفيلم ولو طرفا يسيرا عن السياق السياسي الذي أدى إلى التدخل الأمريكي في هذين البلدين العربيين، بينما يتحول هذا التدخل إلى فانتازيا كاملة في فيلم المملكة (2007) حيث يذهب أربعة من العسكريين الأمريكيين لبلد عربي للقضاء على الإرهابيين، لكن المهم في هذه الأفلام وغيرها ليس فقط تصوير الكاوبوي الأمريكي بصورة الشجيع وإنما ترسيخ صورة العربي الطيب على أنه المسالم المهادن لأمريكا والغرب، بينما الرافض لهذه المهادنة فهو العربي القبيح الشرير! ولعل فيلم أكاذيب حقيقية (1994) هو النموذج الفاضح لهذه الصورة السلبية للعربي، والتي استفزت الكاتب الأمريكي عربي الأصل جاك شاهين لأنه رآها تمتد أيضا إلى الأمريكيين من جذور عربية، الذين يصبحون على الفور موضع الاشتباه في حال حدث أي حادث إرهابي، حتى لو تم على يد الأمريكيين أنفسهم، كما حدث في انفجار أوكلاهوما الشهير.

على الجانب الآخر ترى أفلاما تبدو للوهلة الأولى وكأنها تقدم صورة إيجابية للعربي، مثل مملكة الجنة (2005) الذي أحدث انقساما بين النقاد العرب أنفسهم، لكن ما بين سطور الفيلم تقول إن الحرب بين الشرق والغرب هي حرب دينية (وليست استعمارية من جانب الغرب)، كما أنه يجب أن تفتح القدس لكن تكون مدينة عالمية غير عربية! ولا يمكنك أيضا أن تتجاهل أفلاما مثل سيريانا (2006) أو بابل (2006) التي تقدم صورة أكثر إنسانية للعربي، لكن بلاد العرب تظل في هذه الأفلام صحراء تدور فيها الدسائس والمؤامرات ويسيطر عليها التخلف ومعاداة التقدم. لكن الملاحظة، التي لم تفت على عالمة الاجتماع الأمريكية يمنية الأصل إيللا شوهات، أنه من المعتاد في هوليوود أن يقوم بدور الشخصيات العربية ممثلون إسرائيليون، مثلما حدث في الفيلم المثير للجدل حرب تشارلي ويلسون (2008) الذي قدم صورة متخاذلة لشخصية سيادية مصرية، قام بدورها ممثل إسرائيلي لم ينطق بكلمة واحدة، إلا أنه قدم صورة شديدة السلبية والسخرية، تصم الشخصية العربية بالهوان، إن ذلك يؤكد أن العنصرية الأمريكية تجاه العرب والمسلمين، وشعوب عديدة أخرى، هي عنصرية عميقة الجذور في الثقافة الأمريكية، التي بدأت عدوانية دموية بإبادة الهنود الحمر السكان الأصليين لما أطلق عليه العالم الجديد، وما تزال راغبة في إبادة الآخرين، تارة من خلال القوات العسكرية الغاشمة، وتارة أخرى بتقديم صورة نمطية سلبية للعربي أو المسلم في الأفلام الأمريكية!

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"