الفنون الشعبية.. كنوز ثقافية وإنسانية تتوارثها الأجيال

تعكس عادات وتقاليد الأجداد
01:28 صباحا
قراءة 4 دقائق
الفجيرة: بكر المحاسنة

تسجل الفنون الشعبية الإماراتية حضورها بقوة في مختلف المناسبات، استمراراً للموروث الثقافي والاجتماعي والفكري، الذي ورثه المجتمع الإماراتي عبر أجياله المتلاحقة، من أجداد وآباء وأبناء. وتهتم المؤسسات والجمعيات المتخصصة في التراث بحفظ ذلك الموروث، والعمل على إبرازه على المستويين المحلي والعالمي، من خلال رصد وتسجيل مختلف الفنون الشعبية في مجالات الأدب والموسيقى والغناء، والمشاركة في المهرجانات وإقامة الندوات والمحاضرات المعنية بذلك النوع من الفنون الذي يعكس قيماً إنسانية واجتماعية متأصلة في نفوس أبناء الوطن عبر مئات السنين.

تعبر تلك الفنون عن عادات وتقاليد وقيم إماراتية عريقة تعطي لمحات عن الحياة الاجتماعية للمجتمع الإماراتي قديماً في مختلف مناسباته، من خطبة وزواج وأغان وأمثلة شعبية وولائم العرس وملحقاته؛ إذ ابتكر الأجداد لغة للتواصل بينهم من الموسيقى والأغاني الفولكلورية التراثية، فضلاً عن الرقصات الشعبية والأداء الحيوي للراقصين المؤدين لفنون «الدان» و«الرواح» و«العارضة» و«الذهبة» و«الدرية» و«السحبة» و«حنة المعرس» وغيرها من التقاليد الشعبية الفنية المتوارثة من القدم.
عبد الله راشد الشحي، رئيس مجلس إدارة «جمعية الشحوح للتراث الوطني»، يقول: «تمثل الفنون الشعبية الإماراتية القديمة والتراث الثقافي غير المادي أهمية خاصة في كونها تعكس العديد من مظاهر الحياة والجوانب الاقتصادية والثقافية والفكرية للمجتمع الإماراتي قديماً؛ إذ تعطي تلك الفنون لمحات عن حياة الفرد وعاداته وتقاليده في الأفراح والأتراح التي كانت وما زالت موجودة حتى اليوم، وتلقى عناية واهتماماً كبيرين من الدولة، التي تُعنى بالموروث الشعبي، وإبرازه على المستويين المحلي والعالمي، من خلال تسجيل مختلف الفنون الشعبية في مجالات الأدب والموسيقى والغناء إلى جانب المشاركة في المهرجانات، وإقامة الندوات والمحاضرات، لما لذلك من أهمية كبيرة في إبراز الهوية الوطنية».
ويضيف: «أولت حكومتنا الرشيدة اهتماماً كبيراً بهذا الموروث الثقافي؛ إذ أنشئ العديد من الدوائر والجمعيات والمراكز التي ترعى الفنون الشعبية بالدولة، لتسجيل الفرق الشعبية، وممارسة النشاطات من خلالها لتقدم مختلف الفنون الإماراتية القديمة، وآلاتها الموسيقية الشعبية، مثل: الطبل والخرخاش والسحال والصدفة البحرية والبوق أو الجم والصنبوج والدف والربابة والمزمار والناي. تستخدم هذه الآلات وفق الإيقاع المطلوب والكلمات المغناة إلى جانب الإيحاءات الحركية المصاحبة لأداء الرقصة المواكبة للحدث».
ويؤكد الشحي، أن الفنون القديمة تعد مورثاً شعبياً وكنزاً عريقاً جاء من الأجداد وتناقلته الآباء، وما زالت تستخدم حتى الآن، إلا أنه طالب الجمعيات المهتمة بالتراث والفنون بنقلها للأبناء والأجيال الجديدة، واحداً تلو الآخر، وتشجيع الشباب على المشاركة.
ويوضح أن هناك العديد من الفنون الشعبية المنتشرة في كثير من مناطق الدولة، وأبرزها «فن الدان»، ولهذا الفن كثير من محبيه ومريديه، إذ يحضر له الجميع طواعية من دون مقابل مادي ويمارس في مناسبات الزواج وفي حفلات السمر والمناسبات الوطنية. ويبدأ عادة بعد صلاة العشاء بوجود مجموعة من الشعار تدور بينهم المنافسة في الميدان مع وجود صفين لهذا الفن وتكون القيادة لهذا الفن بيد صاحب الكاسر الذي يقود مجموعة الطبيلة الملازمة له، وكذلك يقوم أحد الرجال بالدخول إلى وسط الميدان وتلتف حوله الطبول مع متابعة صاحب الكاسر إلى هذا الشخص والتحرك معه أينما ذهب في داخل ميدان الدان.
سعيد اليماحي، من أهالي المناطق الجبلية في الدولة، يقول: «نحاول نحن كبار السن جاهدين بالمحافظة على هذا التراث الممثل بالفنون الشعبية بنقله إلى الأجيال الجديدة، لكن تنافست الفنون وطغى عليها في الوقت الحالي فن «الرزيف الحربي»، الذي استطاع المزج بين هذه الفنون، وتميز ب«اليولة» وبالأسلحة المصنوعة خصيصاً لهذا الغرض، لذلك نعمل ما في استطاعتنا لإنقاذ هذا التراث ونقله إلى الأبناء».
يهدد الزمن بعض الفنون التراثية، نظراً لقلة المقبلين عليها، ومنها «الرواح». يقول اليماحي: «هو فن قديم يمارس في العديد من مناطق الدولة، ويطلق عليه عدة مسميات، مثل: «بعية الطبل» وهو عبارة عن تجمع لرجلين أو أكثر يحمل كل منهم طبلة، ويقوم بالضرب على هذه الطبول، وفقاً لإيقاع متعارف عليه لأحدهم».
يضيف اليماحي: من أبرز الفنون الشعبية القديمة «فن الوهابية» ويطلق علية الحربية أو الرمسية، وفيه يجتمع صفان من الرجال يكون بينهما رجال يلعبون بالطبول في إيقاع غير «فن الرواح» ويردد المصطفون أبياتاً من الشعر؛ حيث يردد الصف الأول شطراً ويكمله الصف الثاني بشطر آخر، وتختلف الأبيات من الحماسة والفخر إلى الغزل والهجاء.
عبد الله الضنحاني، رئيس مجلس إدارة «جمعية دبا للثقافة والفنون والمسرح»، يقول: اشتهرت إمارة الفجيرة في المناطق الجبلية والساحلية ب«فن الرزيف الحربي»، الذي يعد من الموروث الشعبي لدى الأجداد وتناقلته الأجيال من بعدهم، وما زال يستخدم حتى يومنا هذا. و«الرزيف» هنا يكون من دون استخدام الآلات الموسيقية ولا مكبرات صوت، ويعتمد على وقوف صفين من الرجال بمن حضر. ولا يوجد عدد محدود، لكن تكون بدايته بعدد 5 رجال في كل صف ويكملهم من يحضر، ويشارك بهذا الفن الشباب الصغار بتعلم «الرزيف»، لأنه مدرسة للأجيال وتدور الطبول بين الصفين، ويمتاز «الرزيف» باليويلة، ويكون باستخدام عدة أدوات مثل العصا والسيف، وكذلك عند الاصطفاف لاستقبال مجموعة من قبيلة أخرى قادمة للمشاركة بهذا الحدث، وفي الأعياد يخرج المصلون برزيف من المصلى حتى وصول مكان التجمع لتبادل التهاني بالعيد.

ويضيف: «الجمعيات ذات النفع العام والمرخصة من وزارة الشؤون الاجتماعية وبإشراف وزارة الثقافة وتنمية المجتمع تحافظ على تلك الفنون والتحضير للورش الصيفية والفنية القصيرة محاولة منها للمحافظة على هذا التراث والممثل بالفنون الشعبية بنقله إلى الأجيال الصاعدة، لكن تنافست الفنون وطغى عليها بالوقت الحالي فن الرزيف الحربي الذي استطاع المزج بين هذه الفنون».

وتقول مريم علي اليماحي، مسؤول جمعية التراث العمراني فرع الفجيرة: «ما زالت بعض من الفنون الشعبية القديمة موجودة حتى يومنا هذا، ونجدها تمارس في المناسبات الوطنية للدولة والأفراح كما يتم تواصل الشباب معها والمشاركة بها عبر الفرق الشعبية والجمعيات والمؤسسات التي تهتم بهذا الفنون الشعبية، حيث يتم التسجيل والتدريب على الأداء ومن ثم يتم ممارسته أمام الجمهور وبإتقان».

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"