المفكر السعودي د .يوسف الثقيفي لـ الخليج:

12:42 مساء
قراءة 6 دقائق

يرى أستاذ ورئيس قسم التاريخ الإسلامي في جامعة أم القرى في المملكة العربية السعودية، الدكتور يوسف الثقيفي، أن الغرب لم يصنع خيرا للأمة العربية والإسلامية، وأن من يرى أن الغرب قرب المسلمين من الحضارة الغربية يخطئون بشدة في تصورهم، لأن الغرب بثقافته المغايرة لم يصل إلى المنطقة العربية إلا من أجل السيطرة على مقدرات تلك الأمة، ولهذا حرص على خلق الحركة الاستشراقية لدراسة العرب دراسة وافية، ثم الحركة التغريبية لتفريق دولنا!

يقول الدكتور الثقيفي في حواره مع الخليج: إن المستشرقين حرصوا على دس السم في العسل، فكانوا يطلقون بعض العبارات المطاطة التي تخيل المسلمون أنها تمدح الإسلام، ولكن الحقيقة أنهم يمدحون في العناوين، ولكن المضمون أفكار تشوه الشريعة ورموزها الدينية .

ودعا الثقيفي لدراسة وتمحيص كل ما تخرجه العقلية الاستشراقية وتفنيد ما يجيء على ألسنة المستشرقين أولا بأول، حماية للإسلام وللعقل الإسلامي من التشتت والتغريب . . تفاصيل الحوار في السطور التالية:

كيف تنظر إلى الواقع العربي الراهن؟ وما هو تقييمك لمستقبل الثورات العربية؟

- القدر الواضح الذي أستطيع أن أتكلم به حول الحالة الراهنة هو أن هناك كماً من المظالم ألجأت الناس بسبب الضنك الشديد الذي مروا به إلى الخروج، مطالبين بحقهم في أن يعيشوا حياة كريمة، وهذا الخروج قابله البعض بسوء تعامل والبعض الآخر بمحاولة استيعاب، لكن مقابل إشكالية تجبر بعض الأنظمة واستكبارها في التعامل مع متطلبات شعوبها، هناك محاولة واضحة من البعض لاستغلال آلام شعوبنا وقضاياهم العادلة لمصالحه السياسية الضيقة، وهذا كله يجعل الخارطة مشوشة للغاية، لاسيما مع التشويش، الذي تمارسه أكثر وسائل الإعلام اليوم على القضايا، بما يتناسب مع أجندة كل منها والجهة التي تدعمها، ومع غياب سنة التثبت في مجتمعاتنا بل حتى في بعض شرائح مثقفينا، وهذا من أخطر ما تمر به المنطقة، فالبعض يُوَصفُ المسألة بأنها مؤامرة خارجية هدفها الاستيلاء على المنطقة بعد تقسيمها وتفتيتها، والبعض الآخر يقرأ الحالة على أنها ثورات طبيعية نقية صافية لا تشوبها أي شائبة، ولست مع أي من الفريقين، فالمسألة بالفعل انطلاقة صادرة عن حقوق ضائعة وقضايا عادلة وآلام ومعاناة مرت بها الشعوب، وفي الوقت نفسه نحن لا نعيش وحدنا منقطعين عن التأثر والتأثير في العالم، فهناك دول لها مطامع ومصالح في منطقتنا التي يسمونها الشرق الأوسط، وأنا أسميها وسط العالم، ففيها مكمن مصالح الدول الكبرى في العالم وصراعاتهم، فلا يوجد عاقل يتوقع أن تحصل كل هذه الأحداث دون محاولات خارجية ضالعة في تفجيرها أو تهدئتها أو توجيهها أو استغلالها .

ليسوا محايدين

لك رؤية علمية في مسألة المستشرقين ودورهم في تشويه صورة الإسلام يهمنا التعرف إليها؟

- رؤيتي باختصار أن المسلمين انخدعوا في كثير من المستشرقين الذين دسوا لهم السم في العسل، بحيث تظهر كتاباتهم وكأنها تمدح الإسلام وتقدمه بصورته الحقيقية كدين وسطي يحث على السلام، ولكن الحقيقة أن المستشرقين في معظمهم، إن لم يكن كلهم، يقدمون رؤى مغلوطة عن الإسلام، فلو أخذنا مثلا كتاب قصة الإسلام للمستشرق الإنجليزي بوسورث سميث فرح به المسلمون كثيرا ورحبوا به، ولايزالون ينظرون إليه على أنه من أعظم ما كتب المستشرقون عن الإسلام، والحق أن القارئ عندما يطالع هذا الكتاب يظن أنه يمدح في الإسلام ويمجد فيه، ولكنه في الحقيقة يقوض الدين الإسلامي أكثر من كونه شهادة محايدة في الإسلام، لأن الكاتب يتحدث عن دراسة مقارنة ويحث المسلمين على القيام بدراسات مقارنة مع الأديان الأخرى، فكيف يقارن الإسلام بأديان دخلتها الكثير من التحريفات، كذلك كارل بروكلمان الذي ظن المسلمون أنه يمدح الإسلام، يتحدث عن نبوة محمد مردداً أكاذيب وأباطيل .

لكن هناك من يقول إنه لولا الحركة الاستشراقية ما عرف الغرب الإسلام ولما قاموا بمحاولات لنشر مبادئ النهضة في العالم العربي والإسلامي؟

- للأسف هناك من يروج لذلك وهو لا يعلم الحقيقة، فهم مثلا يروجون أن نابليون بونابرت جاء إلى الشرق كي يقرب المسلمين من الحضارة الغربية، وهذا غير صحيح بالمرة، فالحقيقة أن الحملة الفرنسية جاءت إلى مصر لتأسيس الحركة الاستشراقية والمدارس المسيحية، ولهذا تجد اليوم في كل أنحاء العالم مراكز لكتابة المؤلفات العربية التي تكتب بأيديهم ودون تدخل منا وبالطبع تروج لوجهة النظر الغربية، وفي كثير من الأحيان تروج لفكرة أن الإسلام مجموعة من القيم وليس دينا بالمعنى المعروف عن الأديان السماوية، ولا بد أن نعي جيدا أن الحركة الاستشراقية تهدف إلى التقليل من شأن الثقافة الإسلامية، ودورها في نشر العلوم والمعارف، وفي نقل أوروبا من العصور الوسطى عصور الجهل والظلام إلى مشارف العصر الحديث، وما ظهر فيه من علوم ومعارف يفخر بها العالم الغربي .

ويواصل الاستشراق بذل جهوده في محاربة الإسلام والتشويش على دعوته؛ لأن المستشرقين لم يستطيعوا التخلّص من نزعاتهم الموروثة وأهوائهم المعادية للإسلام، بحيث لم يعد خافيا ما يبذله المستشرقون من جهود في محاربة الإسلام بالتشكيك في مصادره وتلفيق الأباطيل والإلقاء بها في ساحة الشريعة الغرّاء، ومحاولة إغراق المسلمين بالتيارات الفكرية المضلّلة، ومحاربة اللغة العربية التي نزل بها القرآن، ومساندة الدعوات المضلّلة التي رفعت راية الإسلام، واستغلال وسائل الإعلام في إفساد المسلمين بإبعادهم عن دينهم، والحرص على تضليل أبناء المسلمين الذين يتتلمذون عليهم .

ثقافة ومؤسسات

هل هذا يفسر النظرة الغربية الخاطئة للإسلام؟

- لا شك في أن التصور الذهني الخاطئ لدى الغرب عن الإسلام، يرجع في الأساس إلى سببين مهمين: الأول بسبب ما فعلته الحركة الاستشراقية، والثاني من جانب المسلمين، أما عن السبب الأول فنجد أن النظرة التاريخية الموجودة في ثنايا الكتب والمؤلفات في التراث الغربي جاءت من خلال الموروث الاستشراقي والتصور التاريخي المغلوط عن الإسلام في المناهج الدراسية، والتي كرست للصورة الذهنية الخاطئة عن الإسلام في الغرب، إضافة إلى الربط بين ما جاء في الكتب والمؤلفات في التراث الغربي عن الإسلام والواقع الفعلي الذي يتمثل في بعض التصرفات الخاطئة التي تقع من جانب بعض المسلمين، وقيام الإعلام الغربي باستغلال هذه التصرفات وتصويرها على أنها هي من تعاليم الإسلام، وهذا كله يؤدي إلى تفشي ظاهرة الخوف والعداء للإسلام والمسلمين في الغرب .

والسبب الثاني يتمثل في تقصير المسلمين الذين يعيشون في حالة غيبوبة، فلم يهتم العالم الإسلامي بالجاليات الإسلامية إلا في الآونة الأخيرة، كما أن هذا الاهتمام لم يرتق إلى تقديم شيء عملي على أرض الواقع، كإنشاء مراكز ومؤسسات إسلامية وبحثية تساهم في تدريب الباحثين، وتأهيلهم ليساهموا في إزاحة الصورة النمطية عن الإسلام عبر التعليم والبحث العلمي والحوار والنشر في وسائل الإعلام، وهذا يتطلب تكاتف المؤسسات الإسلامية الكبرى في العالم الإسلامي، وفي مقدمتها الأزهر ورابطة العالم الإسلامي والمجلس الإسلامي الأعلى بالمغرب ورابطة الجامعات الإسلامية، وسائر المجامع البحثية والعلمية في العالم الإسلامي .

الحوار المتوازن

هل يعني كلامك هذا أنك لا تؤمن بفكرة الحوار بين الأديان؟

- أنا أدعو إلى الحوار، ولكن ليس الحوار بين الأديان وإنما الحوار بين أتباع الأديان السماوية، لإيجاد مساحة تفاهم تتيح للجميع العيش في سلام ووئام، وأنا أدعو دوما إلى مثل هذا الحوار، وأقول إنه حوار مطلوب شريطة أن نحسن في العالم الإسلامي اختيار من يمثلنا في تلك الحوارات لا أن يقوم بالحوار شخص فاقد للمعلومة ضعيف الحجة، لأننا بذلك نساهم في تشويه الإسلام ففاقد الشيء لا يعطيه، ولا بد أيضاً أن يكون الحوار بين المتخصصين عملا بالآية الكريمة: وجادلهم بالتي هي أحسن، فالجدال يجب أن يقوم به المتخصصون فالمشكلة نأتي بأشباه العلماء لمؤتمرات الحوار دون أن يكونوا مؤهلين لإجراء المناظرات والحوارات وتتدخل الواسطة والمحسوبية بقوة في هذا المجال للأسف الشديد، بل إن المشاركين في مؤتمرات حوارات الأديان يكونون في كثير من الأحيان جاهلين بلغة البلد الذي يستضيف المؤتمر، ومن هنا فإن المردود من هذا المؤتمر يكون قليلاً للغاية ويضر بسمعة المسلمين، أما لو كان المشارك في الحوار متخصصاً ويتقن اللغات الغربية، فسيتحاور وهو يدرك أبعاد الحوار، وإلى أين يسير وسيكون عنصراً فعالاً في الجدال مع الآخر وستكون كفة المسلمين هي العليا .

يتهمنا الغرب دوما باضطهاد الأقليات التي تعيش في العالم الإسلامي . . كيف نواجه مثل هذا الاتهام؟

- الحقيقة أن الأقليات موجودة في كل مكان في العالم، لكن كلما كانت الدولة التي فيها أقليات تتعامل معاملة إنصاف وعدل وإعطاء كل ذي حق حقه، فسوف لا يكون لهم تأثير مهما كان عدد الأقلية، لأنهم سيقتنعون حينذاك بما يحدث من تصرفات إيجابية تجاههم، ولكن على الجانب الآخر هناك مشكلة لا بد أن يلتفت إليها العالم العربي، وخاصة المجتمعات الخليجية وهي مشكلة الأقليات الوافدة، لأن الأقلية الوافدة تستمر في الهجرة إلى الداخل، ومع الزمن قد تكون لها سلبيات كبيرة جداً، وأبرز مثال على ذلك اليهود في الشام، عندما أتوا كانوا أقلية جدا مع بداية القرن العشرين، وكانوا لا يتجاوزون الآلاف واستخدموا عدة طرق أولها التهجير للسكان الأصليين والهجرة الوافدة من جميع أنحاء العالم، واستخدموا الأموال التي كانت تدفعها لهم الكنائس الغربية والشرقية في نفس الوقت، واستطاعوا أن يصبحوا على مر الزمن أكثرية وليسوا الأقلية، وتصبح القوانين في صالحهم حتى يصبحوا هم الأصل في البلد والسكان الأصليون هم الفرع، وهذا ما يحدث بكل أسف في فلسطين اليوم، فالهجرات الفلسطينية إلى الخارج في تزايد مستمر والقتل والسجون للفلسطينيين أدى إلى تقليص عددهم، وهو ما أضعف النمو السكاني الفلسطيني تقابله زيادة في النمو السكاني الإسرائيلي .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"