النوم قوة سحرية عجيبة

تراجع كبير في ساعاته
13:19 مساء
قراءة 8 دقائق

أن تنال قسطاً كافياً من النوم فذلك أمر طيب ويعني ان استمرارك في ذلك يجعلك أكثر سعادة ومرحاً وارتياحاً، ومتمتعاً بصحة أفضل بل ويجعلك أكثر رشاقة وأقل وزناً، وذلك طبقاً لما يقوله العلماء والباحثون.

كثير منا يتساءل: متى أصبح النوم سبع ساعات في اليوم والليلة نمط حياة؟ وكيف أصبح كذلك موضع اجماع من الاغلبية الساحقة؟ ولماذا تراجعت ساعات النوم لدى معظمنا؟ فهل كان ذلك بسبب ارضاع المواليد الجدد بعد منتصف الليل أو في ساعات الفجر الأولى وما يصاحب ذلك من يقظتهم والعناية بهم حتى يعودوا الى النوم؟ أم بسبب الاغراء المتزايد للشبكة العنكبوتية الانترنت والعاب الفيديو؟ أم بسبب العدد المخيف للقنوات التلفزيونية وبرامجها التي لا تنتهي؟ وهل كل هذه الأمور وغيرها لا تأخذ وقتاً على حساب ساعات العمل الوظيفي؟ وعلى كل حال ليس مهماً معرفة الأسباب أو تحديد كيف حدث ذلك التراجع الكبير في عدد ساعات النوم ولكن من المهم ان نشير الى ان الملايين من الأمريكيين وغيرهم يقامرون بحياتهم ويشعرون بالإحباط والتوتر المتزايدين بسبب نقص النوم الذي يهدد حياتهم من حيث نوعية الأيام واللحظات التي يعيشونها أو من حيث العمر الذي يمتد بهم.

ويتساءل كثيرون لماذا للنوم تلك القوة السحرية العجيبة؟ والاجابة هي:

أولاً لأنك تعيش حياة أطول وأفضل صحياً:

استناداً الى لورنس ابستين الأستاذ في كلية الطب في جامعة هارفارد مؤلف كتاب دليل النوم الهادئ فإن 40% من الأمريكيين يحصلون على أقل من سبع ساعات نوم خلال ليالي أيام الاسبوع ويقول: إن هناك علاقة بين النوم والصحة، وان قلة النوم تؤدي الى تزايد الأمراض واعراضها. وان معدل النوم حتى الخمسينات والستينات من القرن الماضي كان لا يقل عن 8 ساعات ولكنه تراجع الى 7 ساعات في العقد الأخير، كما أن ضغط الدم ومعدل خفقان القلب وعددها ومدى انتظامها بدأت تبرز مشكلات صحية حيث يعاني اولئك الذين لا ينالون كفايتهم من النوم من ارتفاع اكبر في ضغط الدم. كما توصل الباحثون الى وجود صلة بين نقص النوم وتزايد خطر الاصابة بالأزمة القلبية، ومرض السكري، وزيادة الوزن والبدانة ومشكلات أخرى.

ويقول فيليس زي المدير المساعد في مركز النوم واحياء الأوعية الدموية في جامعة نورث ويسترن في شيكاغو إن النوم بما يكفي وبشكل صحي وهادئ وفي مواعيده الصحيحة والمناسبة يساعد الجسم على مقاومة الأمراض المختلفة واعراضها والتصدي لها وحينما يحرم المرء مما يكفيه من النوم يزداد لديه الاحساس بالقلق والتوتر ويزداد افراز جسمه للهرمونات المسؤولة عن هذا الشعور إضافة الى ان الجسم يصبح أكثر استعداداً للاهتياج والغضب مما يضعف من فاعلية عمل اجهزة المناعة وانظمة التحصين فيه. واظهرت دراسة اجرتها جامعة شيكاغو ان الرجال الذين تم تحصينهم وتطعيمهم ضد الأرق وقلة النوم اثناء اصابتهم بالانفلونزا افرزت اجسامهم المضادات الحيوية الخاصة بمقاومة فيروس الانفلونزا بمعدل نصف ما افرزته اجسام أولئك الذين ينامون نوماً كاملاً وكافياً. وباختصار وبساطة فإن من يحصلون على كفايتهم من النوم يعيشون بصورة افضل ويمتد العمر بهم أكثر من غيرهم ويتعاملون بطريقة أكثر حيوية لمصالحهم مع الشيخوخة.

ثانياً لأنك تبدو أفضل وتكون مشاعرك أكثر رقة وحساسية لا تقتصر المتاعب الصحية التي يعاني منها أولئك الذين لا ينامون أكثر من اربع أو خمس ساعات كل ليلة على مظاهر الاعتلال الجسدي أو العوارض المرضية المزمنة أو المؤقتة مثل الصداع أو متاعب المعدة بل تمتد هذه المتاعب لتشمل التغيرات الكيميائية والتفاعلات التي تحدث خلال عملية الايض أو التأيض وهي تجدد الخلايا لتعويض تلك الخلايا الضعيفة أو التالفة لتصبح هذه العملية بطيئة وضعيفة كما هو الحال لأولئك المتقدمين في السن الذين يعيشون مرحلة الشيخوخة، ولذا فإنه ليس مدهشاً أو مستهجناً أن يبدو احدنا غريباً مرعباً في شكله مخيفاً في مظهره بعد حرمانه ليلة من النوم.

كما أن استمرار افراز الهرمونات ونموها ضروري واساسي لكي نبدو في وضع صحي يتميز بالحيوية والنشاط حيث يبدأ افراز الهرمونات يتراجع ونموها يضعف بعد سن العشرين بشكل تدريجي ويستمر هذا التراجع حتى العقد السادس. وحينما يكون مستوى افراز هذه الهرمونات مرتفعاً يتمتع الشخص بجسم مشدود العضلات نضر البشرة وخاصة المرأة التي تحصل على ما يكفيها من النوم حيث تبدو جذابة حيوية وذلك طبقاً لما يقوله أحد الباحثين الخبراء. ويضيف ان هناك علاقة وثيقة بين جمال الفتاة أو المرأة وجاذبيتها وحيوية علاقاتها الرومانسية مع الزوج أو الطرف الآخر ومدى استمتاعها بها وما تحصل عليه من النوم.

ثالثاً لأنك تبدو أكثر سعادة وفرحاً وأقل توتراً: اجرت المؤسسة الوطنية للنوم في الولايات المتحدة عام 2005 عملية مسح اظهر ان أكثر من نصف البالغين الذين اخذت آراؤهم قالوا إنهم عانوا من السهاد والأرق أكثر من ليلة خلال الاسبوع. وطبقا لدراسة حديثة فإن اجسام هؤلاء الذين يعانون الارق تفرز معدلات اكبر من الهرمونات التي تسبب التوتر والضغط النفسي والمسؤولة عنه أكثر من سواهم مما يجعلهم في حالة استعداد للهيجان والاثارة المفرطة اللذين يزيدان من صعوبة الدخول في حالة الهدوء والاسترخاء التي تقود الى النوم. كما ان قلة النوم تؤدي الى اعراض أخرى من التوتر والقلق التي يمكن ان تكون لها تأثيراتها المدمرة. ويقول الأمريكي بول نيلسون (42 عاماً) من بلدة نايلز في ولاية الينوي: ان انعدام النوم أو عدم الحصول عليه بما يكفي يجعلك محبطاً يائساً في حالة التشتت وعدم التركيز وتنسى كثيراً من الأمور، ومررت بهذه التجربة المريرة التي كانت من اقسى التجارب واكثرها رعباً في حياتي. ويضيف نيلسون متذكراً ما مر به أنه حينما كان يعيش اقصى حالات الأرق واشدها مرت عليه ثلاثون يوماً لا ينام فيها أكثر من ساعة واحدة كل ليلة مما خلف آثاراً مدمرة في حياته العملية والوظيفية وكان يخرج عن نطاق الشارع اثناء قيادته لسيارته بسبب انعدام قدرته على التركيز والانتباه. وفي هذا الشأن يقول جراح القلب الأمريكي مهمت اوز: إن الاشخاص الذين لا ينامون يصبحون محبطين يائسين وفي حالة معنوية سيئة، والاحباط واليأس يؤدي الى الأرق والسهاد وهكذا فهي حلقات دورة قاسية يرتبط بعضها ببعض وتبقى الحقيقة المؤكدة وهي ان النوم بما يكفي وفي الوقت المناسب يجعل حياتك اكثر فرحاً وسعادة ويجعلك في حالة نفسية افضل.

رابعاً لأنك تمتلك وتطور ذهناً أفضل: لا تقتصر اضرار الحرمان من النوم على ضعف الصحة الجسمانية بل تمتد لتؤثر في التركيز والقدرة على حل المشكلات ومهارات التعامل مع الأزمات، وكذلك الأمور المتصلة بالذاكرة ونشاطها والمزاج النفسي واستقراره. ويقول مدير مركز اضطرابات النوم في احد أكبر مستشفيات نيويورك في بروكلين الدكتور جيرارد لومباردو: إن كل ما يسبب الاضطراب في كمية النوم وعدد ساعاته ونوعيته وتوقيته له نتائجه واضراره البعيدة المدى على الجسم والعقل معاً.

كما أن الاضرار النفسية الناجمة عن قلة النوم واضطراباته لا تقل أهمية وخطورة عما يلحق بالجسم والعقل، فأداء أي شخص يظل 17 ساعة متواصلة يقظاً بلا نوم عقلياً وذهنياً ونفسياً يشبه الى حد كبير ذلك المدمن على الكحول والذي يتناول بمعدل كأسين كل ساعة.

وبالنسبة لعشاق ومدمني السهر الطويل في الليل فإن دراسة حديثة حذرت من أن الاشخاص ذوي الجينات المسؤولة عن التحكم بالساعة البيولوجية في الجسم يميلون الى التأخر في الخلود الى النوم وبالتالي التأخر في الاستيقاظ ويعتادون على هذا النظام وهم أكثر عرضة من غيرهم للمعاناة من الضعف والهشاشة جسمياً وعقلياً ونفسياً في حال تعرضهم للحرمان من النوم أو الارق وتكون متاعبهم بشأن التركيز والانتباه والنسيان اكثر خطورة وتعقيداً من غيرهم. وطبقاً لإحصاءات مركز والترريد للأبحاث في ميريلاند فإن نحو 1500 حالة وفاة تسجل سنوياً في حوادث السير يسببها اشخاص يقودون سياراتهم وهم في حالة تشتت وشرود ذهني نتيجة قلة النوم التي تؤثر سلباً ايضاً في التصرفات وانماط السلوك الاخلاقي والقدرة على الحكم على الأمور أدبياً واخلاقياً واتخاذ القرارات الصائبة بشأنها. وهذا ينطبق الى حد كبير وبشكل خاص على الجنود والأطباء الذين يتوجب عليهم اتخاذ قرارات دقيقة وصائبة في قضايا خطيرة تتعلق بالحياة والموت مما يبرز هنا مدى أهمية حصولهم على حاجتهم من النوم.

ولكن هذا يجب الا يصرف اهتمامنا عن التفكير فيما يسببه الحرمان من النوم لشرائح وفئات أخرى من المجتمع كالمعلمين والاكاديميين والمحامين. ورجال الأعمال، ورجال المقاولات والبناء والتعمير، وعمال وفنيي الورش الصناعية والمهنية ومدى تأثيره في قدرتهم على اتخاذ القرارات الصحيحة في قضايا أخلاقية. ويمكن لنا القول بكل بساطة إن الحصول على نوم أفضل يعادل عملية أفضل لاتخاذ القرار الصحيح.

خامساً لأنك تصبح أكثر رشاقة: يجب أن يشعر أحدنا بالدهشة أو المفاجأة إذا ما عرف أن قلة أو انخفاض عدد ساعات النوم مرتبط بالاتجاه المتزايد نحو السمنة والبدانة كما أظهرت دراسة امريكية حديثة شملت عدداً ممن لا يحصلون على ما يكفيهم من النوم حيث تبين أن أوزانهم تزيد.. ويقول الدكتور مايكل بروز الذي وضع كتاباً عن النوم وفوائده للصحة العامة في هذا المعنى إن قلة النوم أو الحرمان منه تقلل وتضعف عملية الأيض أو التأيض أو تجديد وتعويض الخلايا وتزيد من الشهية للأكل وتقلل من مستوى هرمون ليبتن الذي يسبب لك الشعور بالشبع والامتلاء وتزيد مستوى هرمون غيرلين الذي يسبب لك الشعور بالجوع، ويضيف الدكتور بروز: وانه مما يبعث على الدهشة والتعجب أن الحرمان من النوم يؤثر في اختياراتك لأصناف الطعام التي تفضلها ويجعلك تميل أكثر الى الاصناف الدسمة وذات المستوى المرتفع من النشويات والسكريات وذلك أن قلة النوم تضعف قدرة الجسم على افراز الانسولين مما يزيد من احتمالات خطر أن يصبح الشخص من مرضى السكر، وهكذا فإن النوم أطول وأفضل يعزز قدرة جسمك على مقاومة اغراءات الطعام والحلويات لتستيقظ نشيطاً وانساناً آخر جديداً يفيض حيوية ورشاقة.

كم ساعة تكفي؟

تشير دراسة حديثة لجامعة واشنطن حول ما يحتاجه الانسان الطبيعي من ساعات النوم الى أن الجينات في كل شخص هي التي تقرر على الارجح حاجته الفردية من النوم التي تختلف عن الآخر فليس قاعدة راسخة القول، إن البالغين يحتاجون إلى ما لا يقل عن ثماني ساعات من النوم كل ليلة، وإن الاشخاص الذين يبدو من مظاهر أجسامهم أو متطلبات عملهم أنهم يحتاجون الى قدر اكبر من النوم قد لا يكونون مبرمجين لذلك جينياً أو وراثياً وقد يعاني أحدهم من اضطرابات خطيرة في النوم مثل الاغماء والاختناق المؤقت، والعكس صحيح فقد يكون هناك شخص يبدو جريئاً كثير الحركة والمشاكسة ولكنه مبرمج وراثياً للنوم ساعات أطول وبشكل طبيعي ومنتظم.

العلاج الناجع

على مدار سنوات حاولت جاكلين ريفيرا (44 عاما) التغلب على عاداتها التي تحولت الى متاعب صحية لها وحينما زارت طبيباً اختصاصياً طلب منها التعاون معه للتخلص من تلك المشكلات واهمها البدانة وزيادة الوزن، وارتفاع ضغط الدم وارتفاع معدلات الكوليسترول والسكر في الدم، ومما أثار الحيرة أكثر أنها كانت تنام ما لا يقل عن 8 - 9 ساعات كل ليلة ولكنها كانت تستيقظ وهي تعاني من الارهاق فأمر طبيبها بتحويلها الى عيادة خاصة للنوم لمراقبتها طوال الليل على مدار الساعة واتضح للأطباء والعاملين أن جاكلين كانت تعاني من نوبات الاغماء والغياب عن الوعي أثناء نومها أو الموت المؤقت بسبب انقطاع التنفس خلال النوم مرات عدة في الساعة الواحدة وحينما تمت معالجتها وشفيت تماماً من هذا الاضطراب الخطير في النوم عادت لتنام بشكل طبيعي وتقول: لأول مرة منذ سنوات أشعر بالسعادة والراحة اثناء النوم المتواصل وأستيقظ بكل حيوية ونشاط وطرأ تحسن على غذائي حيث قلت كميات الطعام، وزاد تركيزي على اختيار النوعية، وفقدت كيلوغرامات كثيرة من وزني وتوقفت عن التدخين وتراجعت معدلات ضغط الدم والكوليسترول والسكر بشكل ملحوظ، واصبحت أقل توتراً واقل معاناة من الصداع وأوجاع الرأس حقاً فإن عودتي الى النوم الطبيعي والمنتظم والكافي ساعدني على التخلص من متاعبي والقيام بكل الأمور التي احتاج إليها وكنت أحب القيام بها من قبل.

وكما يقول لورانس ابستين خبير النوم في جامعة هارفارد ان حصولك على النوم الجيد نوعاً وكماً ربما يكون افضل وأسهل وسيلة لتحسين صحتك.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"