باكستان تتصدى لحمى الضنك

التركيز منصبّ على إطارات السيارات
14:36 مساء
قراءة 6 دقائق

على خط المواجهة في المعركة ضد حمى الضنك في لاهور، ثاني أكبر مدينة في باكستان، تركز السلطات على إطارات السيارات الاحتياطية .
وقال روهيل أيوب، البالغ من العمر 18 عاماً، الذي يدير ورشة لإصلاح السيارات في وسط المدينة: "عندما تأتي الشرطة، سوف نلقي كل هذه الإطارات في الطابق السفلي" .
وأوضح أن "الشرطة تفرض علينا غرامات كبيرة تصل إلى آلاف الروبيات في كل مرة" .
كل بضعة أيام، يفرض مفتشو الشرطة غرامة على أي شخص يترك الإطارات بالخارج، وهو ما يعد مصدراً للإزعاج، كما يشكو أصحاب المئات من ورش تصليح السيارات في المنطقة، ولكنه ضروري لمكافحة حمى الضنك والحمى النزفية التي قد تصبح قاتلة من دون لقاح، كما أشار الخبراء في مجال الصحة .
وخلال تفشي المرض لمدة أربعة أشهر في عام ،2011 تسبب الفيروس الذي ينقله البعوض في إصابة 000 .21 شخص في باكستان، 85 في المئة منهم في لاهور، ما أدى إلى وفاة 352 شخصاً .
وفي ذلك الوقت، اتبعت حكومة الإقليم مجموعة من التدابير بسرعة، بما في ذلك استخدام تكنولوجيا الهاتف الذكي والتبخير والبحث عن مناطق تكاثر اليرقات، للمساعدة على منع وقوع أزمة أسوأ وقصر الوفيات على عدة مئات من الأشخاص فقط .
وقال قطب الدين كاكار، الذي يشرف على برامج مكافحة الملاريا وحمى الضنك التي تنفذها منظمة الصحة العالمية في باكستان: "لم يتوقع أحد هذا النوع من الالتزام السياسي . في هذا الجزء من العالم، على الأقل، لم نر هذا النوع من الاستجابة من قبل" .
وكان من المتوقع وفاة 000 .1 شخص أو أكثر، ولكن هذا لم يحدث، ومنذ ذلك الحين، انخفض عدد حالات حمى الضنك، وبلغ 200 في إقليم البنجاب في العام الماضي، دون تسجيل أي حالة وفاة .
ولكن ما الذي تم عمله بطريقة صحيحة، وماذا تحتاج السلطات إلى القيام به للتأكد من أن الحلول طويلة الأجل؟
تم تطوير تكتيكات لأول مرة لمنع اندلاع حمى ضنك أخرى في عام ،2011 من بينها الحملات الإعلامية، وتبادل البيانات، وتدمير مواقع يرقات البعوض .
يقوم المئات من علماء الحشرات في الحكومة بزيارات منتظمة إلى المقابر والحدائق العامة والحدائق، لإجراء اختبارات بحثاً عن البعوض الزاعج (aedes) واليرقات في أي مصدر من مصادر المياه .
وتتم دراسة النتائج التي يجمعونها في الموقع باستخدام تطبيقات أندرويد المصممة خصيصاً لذلك على هواتفهم الذكية، وتحميلها على موقع مركز الوقاية من حمى الضنك المركزي .
ثم يقوم المحللون في هذا المركز بمطابقة البيانات الحشرية مع التقارير الواردة من المستشفيات التي تبين مناطق علاج مرضى حمى الضنك . واستناداً إلى النتائج، يتم إرسال فريق لتعقيم المناطق التي يبدو أن البعوض يتكاثر فيها ويصيب الناس، أو تحديد وإزالة مصادر المياه الراكدة .
وتنبغي الإشارة إلى أن الموسم الرئيسي للعدوى يكون أثناء هطول الأمطار الموسمية، عندما يبدأ ظهور بعوض الزاعجة المصرية (aedes aegyptus) والزاعجة المنقطة بالأبيض (aedes albopictus) الذي يمكن أن يكون حاملاً للفيروس .
وقد بدأ تفشي المرض في أغسطس/آب ،2011 عندما وصلت كمية الأمطار الموسمية الغزيرة إلى 13 بوصة في غضون أسبوع واحد، وخلفت وراءها كميات كبيرة من المياه الراكدة في عدة أجزاء من لاهور، وأثارت مخاوف فورية من انتشار المرض .
وبحلول منتصف أكتوبر، أفادت الحكومة المحلية في ولاية البنجاب أن أكثر من 000 .11 شخص قد أصيبوا بحمى الضنك وقامت حكومة الإقليم بتسجيل تلك الحالات .
وقال فاران نارو، وهو مستشار تعاقدت معه حكومة الإقليم للتصدي لهذه المشكلة: "لقد حدثت زيادة هائلة في العدد، وأخافت الحكومة بالفعل، والقضية لها صدى كبير في وسائل الإعلام، ولذلك فقد خلقت حالة من الذعر بين الناس ولا بد من احتوائها" .
وأضاف نارو أن معظم الأشخاص المصابين بفيروس حمى الضنك تعافوا من تلقاء أنفسهم، ولكن بمجرد بدء صدور تقارير في وسائل الإعلام عن مدى انتشار المرض، ذهب الآلاف إلى المستشفيات والمختبرات لإجراء اختبارات .
وقد أجرى الفريق الأول المكون من 70 عالم حشرات اختبارات على 000 .12 بقعة لتعقب البعوض الزاعج . وبحلول منتصف أكتوبر، كان قد تم رسم خرائط استناداً إلى هذه البيانات، إضافة إلى 000 .11 موقع أبلغت عن وجود مرضى مصابين بحمى الضنك . وقد فاجأت هذه النتائج العلماء، وكانت أكثر المناطق تضرراً هي بعض أغنى أحياء لاهور: موديل تاون، وريس كورس، وموزانغ، وغولبرغ .
وقال نارو: "رأيت أن في موديل تاون حديقة كبيرة، وفي ريس كورس توجد اثنتان من أكبر الحدائق في لاهور، وأعتقد أن الكثير من التكاثر حدث هناك، والبعوض كان ينطلق من هناك ويصيب الناس" .
والجدير بالذكر أن البعوض بحاجة إلى المياه العذبة ليضع بيضه، وقد تبين أن البرك الكبيرة في أكبر الحدائق العامة في لاهور توفر موطناً مثالياً له .
وكانت هناك نقطة ساخنة أخرى في حي موزانغ، وهو موطن لواحدة من أكبر المقابر في باكستان . فقد تبين أن هذه المنطقة التي تبلغ مساحتها 150 فداناً هي موقع رئيس لتكاثر البعوض . وكان حفارو القبور قد حفروا حفرة كبيرة لتخزين المياه، واستخدموها لتليين الثرى أثناء الحفر .
وأوضح نارو "إنها مياه عذبة، من الصنبور، وكانت هناك 70 حفرة، وكانت جميعها ملوثة ومليئة باليرقات" .
وفي المستشفى، تم عزل مرضى حمى الضنك في مناطق خاصة لتلقي العلاج . وتم تبخير منازل كافة المرضى المصابين بحمى الضنك، جنباً إلى جنب مع ال12 بيتاً المحيطة بكل منزل، بمعدل ثلاثة في كل اتجاه .
كما قام عمال الصرف الصحي بإزالة انسدادات المجاري والمصارف في محاولة لتطهير المناطق من مياه الأمطار، وتم رش الحدائق العامة والخاصة والمقابر بالمبيدات . كما تم إطلاق الآلاف من أسماك الجمبوزيا وشبوط الحديقة - وهي أسماك معروفة بهجومها على يرقات البعوض - في البرك والقنوات .
وفي غضون أسابيع قليلة، اكتشف علماء الحشرات وجود عدد أقل بكثير من البعوض الزاعج، وانخفض انتشار حالات حمى الضنك بسرعة .
وقد ساعد على ذلك إطلاق حملة لتوعية الجمهور - وتشجيع سكان المدينة على استخدام طارد البعوض والناموسيات، وإصدار توجيهات لتلاميذ المدارس بارتداء ملابس ذات أكمام طويلة، على الرغم من الحرارة الموسمية . وقد تم الإبلاغ عن حالتين فقط من حمى الضنك في الإقليم حتى الآن هذا العام، ما يشير إلى أن تدابير مكافحة حمى الضنك لها تأثير إيجابي .
لكن المرض عادة ما يظهر في دورات يتراوح طول كل منها بين عامين وأربعة أعوام، ومسؤولو الصحة العامة قلقون من أن عدم إضفاء الطابع المؤسسي على الدروس المستفادة من تفشي المرض في عام ،2011 لا يضمن نجاح الحكومات المستقبلية في التصدي لمثل هذا التفشي بالدرجة نفسها .
وفي السياق نفسه، تولت حكومة مؤقتة السلطة في باكستان في مارس الماضي للإشراف على الانتخابات الوطنية والمحلية، وفي هذا الصدد قال كاكار من منظمة الصحة العالمية: "يجب علينا معرفة ما إذا كانت الحكومة قادرة على وضع خطط طويلة الأجل لمكافحة حمى الضنك، فقد كانت هذه مجرد استجابة قصيرة الأمد" . وطالب كاكار باستمرار عمل فرق علماء الحشرات وعمال التبخير، وتوفير موارد التمويل المخصصة للمراقبة ونقل البيانات في كل موسم .
وقال أيضاً إن باكستان تستطيع تخصيص نفس الموارد لمكافحة الأمراض الأخرى التي ينقلها البعوض مثل الملاريا .
وتشهد باكستان أكثر من 000 .300 حالة إصابة بالملاريا كل عام، وفقاً لمنظمة الصحة العالمية، وهذا الرقم سينخفض لا محالة بعد تدشين حملة ناجحة لمكافحة البعوض على المدى الطويل .
وأضاف قائلاً: "حتى الآن، يتم إنفاق مبلغ ضئيل على جهود القضاء على الملاريا في باكستان . ينبغي جمع كل الأمراض المنقولة بالنواقل - الملاريا وحمى الضنك، في برنامج واحد" .
ويقول كاكار إنه غالباً ما تحدث الإصابة بالملاريا في المناطق الريفية من باكستان، حيث تكون مرافق الرعاية الصحية سيئة للغاية بحيث يصعب الحصول حتى على إحصاء دقيق عن عدد الناس الذين يموتون بسبب هذا المرض . وأكد أنه إذا وفرت الحكومة مصادر جيدة للماء في المدن والمناطق الريفية على حد سواء، فإنه يتوقع حدوث تأثير كبير في البعوض، سواء كان ناقلاً للملاريا أو حمى الضنك .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"