تكليف علاوي.. هل ينقذ العراق؟

03:10 صباحا
قراءة 5 دقائق
د. أحمد سيد أحمد *

بعد جمود سياسي استمر لشهور وتعثر اختيار رئيس وزراء جديد خلفاً لرئيس الوزراء المستقيل عادل عبد المهدي؛ نتيجة الاحتجاجات الشعبية، وبعد رفض رئيس الجمهورية برهم صالح لعدة مرشحين من تحالف البناء؛ لعدم موافقة المحتجين عليهم، جاء تكليف برهم صالح لمحمد توفيق علاوي لرئاسة الوزراء؛ ليشكل تطوراً مهماً في المعادلة السياسية العراقية، ويمثل حالة من الحراك السياسي إلى الأمام، قد تساهم في الخروج من حالة الانسداد السياسي التي يشهدها العراق منذ اندلاع الاحتجاجات في أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
اختيار علاوي، وهو وزير الاتصالات السابق في حكومة نوري المالكي، وعضو البرلمان لفترتين عن كتلة إياد علاوي، يمثل الحد الأدنى من التوافق المطلوب للتحرك قدماً في العملية السياسية لعدة اعتبارات:
أولها: أنه جاء بتكليف من رئيس الجمهورية برهم صالح، وليس من الكتل السياسية، كما هو المعتاد في الحكومات السابقة، بما يعطي رسالة مهمة أنه مرشح مستقل، وليس مرشح الأحزاب والكتلة السياسية، كما يطالب بذلك المحتجون.
وثانيها: أن علاوي أكد بأن سلطته نابعة من الشارع والشعب، وأنه مستقل عن الأحزاب، وأنه لن يسمح بأن تفرض عليه الكتل السياسية أسماء الوزراء، وأنه سيحارب الفساد، وسيعاقب المسؤولين عن قتل مئات المحتجين العراقيين، وسيقوم بإطلاق سراح المعتقلين في السجون، كذلك تعهد بإجراء انتخابات برلمانية مبكرة تحت إشراف دولي، وكذلك إقامة دولة المواطنة العراقية، والابتعاد عن المحاصصة الطائفية والحزبية، واعتبر أنه إذا فشل في مهمته أو ضغطت عليه الكتل السياسية سيعود إلى الشارع، وبالتالي بدا وكأن علاوي يحاول أن يستمد شرعيته من الشارع ومن المحتجين؛ وذلك لمنع الاعتراض عليه، وكذلك لدعم موقفه في مواجهة الكتل السياسية خلال تشكيل الحكومة أو انتهاج سياسات جديدة قد لا ترضى عنها تلك الكتل؛ ولذلك طالب علاوي المحتجين بالبقاء في الشارع.
وثالثها: أن علاوي يحظى بدعم وتأييد من الكتل السياسية الرئيسية، خاصة تكتل الصدر بزعامة مقتدى الصدر، وكذلك تحالف الفتح بقيادة هادي العامري، وهو ما يسهل تمرير حكومته في البرلمان، والحصول على ثقته، خاصة أن الكتل السياسية بعدما فشلت في تقديم مرشح يقبله الشارع، وجدت في علاوي مرشحاً مقبولاً؛ وذلك في محاولة للظهور بأنها تتجاوب مع الشارع العراقي، ومطالب المحتجين، ومن ناحية أخرى للمحافظة على مكتسباتها ووضعها في المعادلة السياسية، خاصة في ظل مطالب المحتجين بتغيير النخبة السياسية التي حكمت العراق منذ عام 2003، وحملها مسؤولية تردي الأوضاع وانتشار الفساد.

تحديات عديدة

لكن في المقابل، فإن المراهنة على اختيار محمد علاوي رئيساً للوزراء؛ للخروج من حالة الانسداد السياسي التي يشهدها العراق خلال الشهور الأخيرة، يواجه العديد من التحديات:
* أولاً: أن اختيار علاوي لا يحظى بتأييد كامل من جانب المحتجين في الشارع العراقي، خاصة أنه بعد إعلانه خرجت تظاهرات ترفع شعارات رافضة له، باعتبار أنه كان أحد أعضاء الحكومات السابقة، وبالتالي على الرغم من الخطاب الذي توجه به علاوي للمحتجين وإبدائه التجاوب مع مطالبهم، فإن حصوله على ثقة المحتجين وتأييدهم له أو على الأقل منحه الفرصة يمثل تحدياً كبيراً، خاصة أنه سيسعى إلى تحقيق التوازن بين رضا وقبول المحتجين من جهة، وتأييد الكتل السياسية في البرلمان؛ لتمرير سياسات وقرارات الحكومة خلال الفترة المقبلة من جهة أخرى، والتي ينبغي أن تكون معبرة عن مطالب المحتجين في الشارع، خاصة فيما يتعلق بمحاربة الفساد، وإحداث تغييرات مهمة في العملية السياسية.
* ثانياً: على الرغم من أن الكتل السياسية الرئيسية لا تعارض اختيار علاوي؛ لكن التحدي الذي يواجه رئيس الوزراء الجديد سيبرز في عملية تشكيل الحكومة، وتمريرها عبر البرلمان، فقد أعلن علاوي أنه سيشكل حكومة من المستقلين التكنوقراط، وبعيداً عن المحاصصة الطائفية والحزبية، لكن ليس من اليسير تحقيق ذلك، خاصة أن الأحزاب والكتل السياسية ستضغط في اتجاه تعيين وزراء لها في الحكومة أو من محسوبين عليها؛ ولذلك سيظل علاوي دائماً خلال فترة تشكيل الحكومة يرزح بين مطرقة الأحزاب والضغوط عليه وسندان المحتجين وتعيين وزراء يقبلهم الشارع، وهو ما قد يطيل من أمد تشكيل الحكومة الجديدة.
* ثالثاً: على الرغم من تأييد الأمم المتحدة لاختيار علاوي، ومطالبة الولايات المتحدة له بإجراء إصلاحات؛ لتلبية تطلعات الشارع العراقي، فإن التحدي الأكبر أمام علاوي يظل هو إبعاد العراق خلال الفترة المقبلة عن التجاذبات الإقليمية والدولية، وألا يتحول إلى ساحة للاستقطاب والصراع، كما هي الحال بين أمريكا وإيران، والمواجهة التي حدثت بينهما خلال الشهور الأخيرة، وأن يستعيد استقلالية القرار العراقي بعيداً عن أية تدخلات خارجية.
* رابعاً: يظل التحدي الأخطر والأهم أمام رئيس الوزراء الجديد هو كيف يمكن تحقيق التوازن بين الأولويات العاجلة، وعلى رأسها تحقيق التنمية، ورفع مستوى معيشة المواطنين، وتلبية وتوفير الاحتياجات الأساسية؛ مثل: المياه النظيفة والكهرباء والصحة والخدمات الأخرى، وعملية إعادة الإعمار، وإعادة المهجرين واللاجئين، وكذلك مواجهة مشكلة الفساد المستفحلة، والتي جعلت العراق ضمن الدول العشر الأكثر فساداً في العالم، وهي متطلبات عاجلة لنزع غضب المحتجين، وإعطاء مؤشرات بأن الحكومة تعمل لمصلحة الشارع ومطالبه، وتحقيق التنمية والاستقرار يتطلب بدوره توافر أموال ضخمة في ظل المعاناة الكبيرة التي تواجه العراق منذ اندلاع الاحتجاجات، كذلك ضرورة جذب الاستثمارات الأجنبية، وبين الأولويات الآجلة؛ مثل: توفير الأمن والاستقرار، ونزع أسلحة الميليشيات، وجعل السلاح فقط في أيدي الدولة وهو تحد كبير، كذلك العمل على تغيير المعادلة السياسية، القائمة على المحاصصة الطائفية وسيطرة الأحزاب السياسية والكتل الكبيرة على تفاعلاتها وعلى مؤسسات الدولة.

مقاومة شديدة

وعلى الرغم من أن البرلمان أقر قانوناً جديداً للانتخابات يدعم المستقلين، وينهي سيطرة الكتل والأحزاب الكبرى، وعلى الرغم من تعهد رئيس الوزراء المكلف محمد علاوي بإجراء انتخابات مبكرة، فإن هذا الأمر سيواجه بمقاومة شديدة من جانب الكتل السياسية التي سيطرت على المشهد السياسي منذ عام 2003، وحققت مكاسب ومزايا كبيرة ومن الصعب التخلي عنها، كما أن تغيير المعادلة السياسية، وتكريس دولة المواطنة يتطلب أيضاً تغييرات في الدستور العراقي، وكذلك عقد مؤتمر للمصالحة الوطنية، يضم كافة أطياف الشعب العراقي؛ لبلورة رؤية موحدة بشأن مستقبل البلاد السياسي، والمحافظة على وحدة البلاد وسيادتها، ومنع كافة أشكال التدخلات الخارجية.
على الرغم من أن اختيار علاوي قد يمثل خطوة مهمة نحو الحلحلة السياسية في العراق، فإنها غير كافية في ظل تحديات كبيرة تواجه المشهد العراقي مع استمرار الاحتجاجات واستمرار الفجوة بين الشارع العراقي والكتل السياسية، وفي ظل استمرار التدخلات الخارجية.

*خبير العلاقات الدولية في «الأهرام»

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"