حرائق الأمازون.. جدال سياسي في الداخل والخارج

03:26 صباحا
قراءة 4 دقائق

د. صدفة محمد محمود *


تسببت الحرائق التي نشبت في غابات الأمازون، التي تُعد أكبر غابات مطيرة على مستوى العالم، في إثارة حالة من الجدل الشديد، سواء في داخل البرازيل أو خارجها. وامتد هذا الجدل ليصل إلى حد تبادل الاتهامات بين بعض قادة الدول، ودار الجدل حول حجم وخطورة تلك الحرائق، وكذلك المسؤول الرئيسي عنها، إلى جانب وجود حالة من الجدل والخلاف حول الأسلوب الأمثل لمكافحة تلك الحرائق.
انقسمت دول العالم فيما بينها حول حجم الأضرار التي قد تترتب على حرائق الأمازون؛ فغالبية الدول الأوروبية والعديد من دول العالم، شددت على خطورة تلك الحرائق، وتراوحت تصنيفات قادتها لحرائق الأمازون ما بين الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي وصفها بأنها «أزمة دولية»، والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل التي اعتبرت الحرائق بمثابة «حالة طوارئ خطيرة».
في الوقت ذاته، حذر العديد من المنظمات البيئية المحلية والدولية من التداعيات الكارثية لتلك الحرائق، كما أعرب الأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة أنطونيو جوتيريس عن «القلق العميق» إزاء اشتعال الحرائق في أكبر غابات العالم، وقال: «في خضم أزمة بيئية عالمية، لا يمكننا تحمّل أن يلحق ضرر أكبر بمصدر رئيسي للأوكسجين والتنوّع البيئي»، مطالبا ب«حماية» غابات الأمازون.
على الجانب الآخر، قلل الرئيس البرازيلي «جايير بولسونارو» من خطورة حرائق الأمازون، حيث سبق أن وصف في وقت سابق من شهر أغسطس الماضي، صور الأقمار الصناعية التي أظهرت الزيادة الهائلة في الحرائق خلال العام الحالي مقارنة بالعام الماضي بأنها «كذبة»، وقام بإقالة مدير المعهد الوطني البرازيلي لأبحاث الفضاء. وقال بولسونارو في خطاب متلفز: إن «حرائق الغابات يمكن أن تحدث في أي بلد ولا يجب استخدامها كذريعة للعقوبات الدولية». وفي ذات السياق، شكك الرئيس البرازيلي في دقة البيانات الصادرة عن المعهد الوطني البرازيلي لأبحاث الفضاء، بعدما كتب على صفحته على فيسبوك: «ليس صحيحاً أن غابة الأمازون تحترق»، مؤكداً أن الحرائق هذا العام أقل من المعدل الذي سجل في الأعوام الأخيرة. ولكن في المقابل، أظهرت البيانات الرسمية البرازيلية التي نُشرت قبل عدة أيام، أن الحرائق وصلت إلى معدلات قياسية؛ إذ وقع نحو 75 ألف حريق في الغابات التي يوجد الجزء الأكبر منها في البرازيل، خلال الأشهر الثمانية الأولى من هذا العام، بزيادة بنسبة 84 في المئة مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي.

من المسؤول ؟

تبادل الرئيس البرازيلي والمنظمات غير الحكومية المحلية، الاتهامات بشأن المسؤولية عن حرائق الأمازون؛ فالرئيس بولسونارو صرح أمام صحفيين في برازيليا: «ثمة احتمال لا أستطيع تأكيده بأن يكون ذلك مرده إلى خطوات إجرامية من هؤلاء الناشطين في المنظمات غير الحكومية، بهدف التجييش ضدي وضد الحكومة البرازيلية»، وتابع: «أنّه بالإمكان توجيه اتهامات واسعة تشمل المجتمعات المحلية والسكان وكبار مالكي الأراضي، ولكن أكبر الشبهات تدور حول المنظمات غير الحكومية». وبرر بولسونارو تلك الاتهامات بأن حكومته خفضت تمويل المنظمات غير الحكومية المعنية بالبيئة، وهو ما قد يكون الدافع لقيامها بحرق الغابات لكي تلحق الضرر بحكومته.
في المقابل، ألقى خبراء البيئة باللوم على الرئيس البرازيلي، واتهموه بتشجيع الحطّابين والمزارعين على قطع الأشجار، ما أدى إلى فقدان جزء من الغابات في منطقة الأمازون، في ظل تراجعه عن الإجراءات التي اتخذتها الحكومات البرازيلية السابقة من أجل تشديد الرقابة على عملية إزالة الغابات. وفي الوقت نفسه، أيدت المنظمات الدولية المعنية بالبيئة نظيراتها البرازيلية في تأكيدها على الآثار السلبية لإزالة الغابات؛ إذ أكد ريكاردو ميلو، رئيس برنامج الأمازون العالمي للصندوق العالمي للطبيعة، أن الحرائق كانت «نتيجة لزيادة إزالة الغابات التي لوحظت من خلال الأرقام والبيانات الصادرة في الفترة الأخيرة».
وفي ذات السياق، دخل الرئيس الفرنسي على خط المواجهة مع الرئيس البرازيلي، وتبادل الرئيسان الاتهامات، حيث اتهم بولسونارو، الرئيس ماكرون بأنه يستغل حرائق الأمازون لتحقيق مصالح سياسية شخصية، وذلك عقب دعوة ماكرون إلى مناقشة قضية حرائق الأمازون خلال قمة مجموعة السبع التي عقدت في مدينة بياريتس الفرنسية خلال الفترة من 24-26 أغسطس الماضي، من دون مشاركة بلدان المنطقة، متهماً ماكرون بأنه يتعامل ب«عقلية استعمارية». كما تمادى الرئيس البرازيلي في انتقاداته لماكرون، وسخر من شكل سيدة فرنسا الأولى. وهو ما استدعى أن يرد عليه ماكرون، قائلًا: «إن البرازيليات يشعرن بالخجل، على الأرجح، بعدما أساء رئيسهم اليميني على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك»، واصفاً بولسونارو بأنه «وقح للغاية». كما قال ماكرون إنه «يأمل في أن يحظى البرازيليون برئيس يكون أهلًا لأن يتولى المنصب».
على الجانب الآخر، أشاد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالجهود التي يبذلها الرئيس البرازيلي لمكافحة حرائق الأمازون، معتبراً أنه «يقوم بعمل شاق جداً»، وكتب ترامب، في تغريدة على تويتر، «أعرف الرئيس بولسونارو بشكل جيد، فهو يعمل بجد لإخماد الحرائق في الأمازون، كما يقوم بعمل رائع للشعب البرازيلي في جميع النواحي.. هذا ليس أمراً سهلاً».

الأسلوب الأنسب

تباينت ردود الأفعال المحلية والدولية حول أفضل أسلوب للتعامل مع حرائق الأمازون؛ فالرئيس الفرنسي سارع بدعوة دول مجموعة السبع إلى مناقشة هذه الكارثة البيئية العالمية، وهو ما أفضى إلى إطلاق المجموعة حزمة مساعدات طارئة، تُقدر بنحو عشرين مليون دولار أمريكي للدول المتضررة من الحرائق. ومن جانبها، رفضت البرازيل في البداية هذه المساعدات المالية التي وصفها الرئيس بولسونارو بأنها «تعدٍّ على سيادة البلاد»، معتبراً أن فكرة تشكيل ائتلاف دولي لإنقاذ غابات الأمازون، بمثابة التعامل مع البرازيل على أنها «مستعمرة أو أرض مباحة». غير أن البرازيل عادت ووافقت على حزمة المساعدات، شريطة أن يعتذر ماكرون عن تصريحاته المسيئة لبولسونارو. وقال المتحدث باسم الحكومة البرازيلية «رييجو باروس»، في مؤتمر صحفي: «نحن نقبل تلقي المساعدات طالما ظلت بلادنا تحتفظ بالسيادة الكاملة في إدارة هذه الموارد».
واتساقاً مع موقف الحكومة البرازيلية، لم يحضر الرئيس الأمريكي جلسة الزعماء التي عُقدت عن التنوع الحيوي والمناخ، في 26 أغسطس الماضي، على هامش قمة السبع، كما عارضت واشنطن حزمة المساعدات الطارئة التي خصصتها مجموعة السبع للمساهمة في مكافحة حرائق غابات الأمازون، من دون التشاور مع الحكومة البرازيلية. وأكدت استعدادها التام لمساعدة البرازيل، مؤكدة أن أفضل وسيلة لتنفيذ ذلك، هي عبر التنسيق مع الحكومة البرازيلية.

* باحثة متخصصة في شؤون أمريكا اللاتينية

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"