خيبة «إسرائيلية» من «التراجع» الأسترالي

03:45 صباحا
قراءة 4 دقائق
حلمي موسى

ما إن أعلن ديوان رئاسة الحكومة الصهيونية في الخامس عشر من الشهر الجاري عن نية رئيس الحكومة الأسترالية، سكوت موريسون، نقل سفارة بلاده من تل أبيب إلى القدس المحتلة حتى انفجرت معارضة عربية ودولية بل وأسترالية قوية ضد الخطوة. واضطرت الحكومة الأسترالية للإعلان عن عدم وجود قرار بهذا الشأن وأنها في كل الظروف ستأخذ عند بحث هذا الأمر «عدم المساس بالحدود النهائية، بما في ذلك الإقرار بأن شرقي القدس يمكن أن تكون عاصمة الدولة الفلسطينية العتيدة».
من المؤكد أن صيغة الرد الأسترالي لم ترُق الجانب الصهيوني، الذي يسعى لترسيخ الاعتراف بالقدس خصوصاً شرقيّها عاصمة له.
ولا بد عند التعامل مع هذه المسألة، الأخذ بالحسبان أمرين مهمّين، وهما: الإيمان الصهيوني والأمريكي بأن اعتراف إدارة ترامب بالقدس عاصمة ل«إسرائيل» سيجر خلفه «أثر الدومينو» وسيقر العالم بأسره بهذا الواقع، والثاني أن هذا سيعزز الهيمنة اليمينية ويصادر نهائياً الحق الفلسطيني. ووجد الصهاينة في موريسون، وهو إنجيلي متزمت، وسياسي حديث العهد لقمة سائغة لاجتذابها لمثل هذا الموقف. ورغم ثرثرات وتبادل أفكار هنا وهناك، وخصوصاً بين الدول التابعة كلياً للنفوذ الأمريكي حول الاعتراف بالقدس عاصمة ل«إسرائيل» ونقل السفارات إليها فإن الخيبة الصهيونية كانت واضحة. فالموقف الأمريكي صلب الموقف الدولي والأوروبي من القدس بوصف شرقيّها أرضاً محتلة تخضع للمبادئ والمواثيق الدولية. وتقريباً انتهت الثرثرات بهذا الشأن، وخصوصاً مع دول أوروبية شرقية وأمريكية لاتينية إلى لا شيء.
ولعب الموقف العربي الواضح والصريح دوراً مهمّاً في منع عدد من الدول الخاضعة للنفوذ الأمريكي من نقل سفاراتها أو الاعتراف بالقدس عاصمة ل«إسرائيل». وهذا ما جرى تقريباً مع ما أعلن من نية أسترالية لنقل السفارة والاعتراف بالقدس لصالح «إسرائيل»، إذ بادر سفراء دول عربية وإسلامية في استراليا، إلى الإعراب عن معارضتهم الشديدة لهذه النوايا وتوضيح مخاطرها. كما أن الخارجية الفلسطينية أعلنت أن «التقارير عن موقف استراليا من القدس تدعو للحزن، وتنتهك القانون الدولي وقرارات مجلس الأمن». وحذرت الخارجية الفلسطينية من أن استراليا تجازف بموقفها هذا بالعلاقات التجارية مع العالمين العربي والإسلامي.
وأعلن الأمين العام للجامعة العربية، أحمد أبو الغيط، أن تصريحات رئيس الوزراء الأسترالي بشأن القدس «جانبها التوفيق وتستدعي التوقف عندها مع الجانب الأسترالي». وشدد على أن الإقدام على مثل هذه الخطوة «يضع بلاده في تناقض صارخ مع القانون الدولي وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة، وتناقض أيضاً التزامها المُعلن بحل الدولتين، وتؤثر حتماً بالسلب على علاقاتها بالدول العربية والإسلامية».
ومن الطبيعي أن تجد هذه الأقوال صدى لها في مواقف جهات أسترالية ذات شأن. إذ إن المعارضة العمالية في استراليا أعلنت معارضتها لنية موريسون. وقالت المتحدثة بلسان حزب العمال المعارض، بيني وونج إن هدف موريسون من هذا الإعلان اجتذاب مزيد من الناخبين الإنجيليين. وشددت على أن موريسون «يائس حالياً من البقاء في منصبه إلى درجة أنه مستعد ليقول أي شيء إذا كان يعتقد أنه سيجلب له مزيداً من الأصوات، حتى على حساب المصلحة القومية لأستراليا». كما أن صحيفة سيدني «مورنينج هيرالد»، وصفت التغير الواضح في الموقف من القدس، بأنه «مجرد من المبادئ وجبان». واعتبر المحلل السياسي في جامعة سيدني، رود تيفن، أن دافع التغير في الموقف هي السياسة الداخلية. وأضاف: هذا تغيير كبير. إنه يخالف الجميع باستثناء أمريكا... ولكن مع إجراء انتخابات ونتوورث، فإن الأمر واضح تماماً... لأن هناك ناخبين يهوداً».
غير أن المعارضة الأشد تقريباً جاءت من جهاز الاستخبارات الأسترالي الذي أبدى اعتراضه على نية الاعتراف بالقدس وحذر من مخاطرها على المصالح الأسترالية. ونشرت صحيفة «الجارديان» الأسترالية، وثيقة الاستخبارات السرية التي وزعت على الوزراء بعد الإعلان عن نوايا رئيس الحكومة. وحذرت الاستخبارات الوزراء من أن المبادرة إلى نقل السفارة من تل أبيب إلى القدس، قد «يفجر احتجاجات، واضطرابات وربما أيضاً أعمال عنف في غزة والضفة الغربية». وشددت الوثيقة على أن التغيير في السياسة الأسترالية تجاه الشرق الأوسط «سيجذب اهتماماً دولياً، وأن كل تصريح من جانب الحكومة يمكن أن يثير احتجاجات ضد المصالح الأسترالية».
وأمام هذا الواقع اضطر رئيس الحكومة الأسترالية ووزير خارجيته، إلى نشر بلاغ يعلنان فيه أن الحكومة ستدرس بشكل دقيق اقتراح الاعتراف بالقدس كعاصمة ل «إسرائيل» ولكن «عبر عدم المساس بالحدود النهائية، بما في ذلك الإقرار بأن شرقي القدس يمكن أن تكون عاصمة الدولة الفلسطينية العتيدة». وأضافا أن مسألة نقل السفارة سوف تدرس بما يتوافق مع مساهمتها في فكرة حل الدولتين.
وواضح أن التراجع الأسترالي عن المسألة بات جلياً خصوصاً وأنه لايخدم أي مصلحة قومية لهذه الدولة. بل إن الإعلان عن النية، وضع رئيس الحكومة الأسترالية في خانة اتهامات من جانب خصومه المحليين الذين أشاروا إلى محاولته تغليب معتقداته الدينية والانتخابية المؤقتة على المصالح الوطنية لبلاده. وبديهي أن هذا يلحق ضرراً بالغاً ليس فقط بموريسون وأنصاره وإنما أيضاً بحزبه الذي يسعى للبقاء في الحكم في دولة تعيش فيها أعراق وأديان مختلفة.
ولا يمكن، والحال هذه، عدم الإشارة إلى حجم الخيبة التي أصابت قيادة «إسرائيل» جراء تراجع أستراليا عن نيتها وجراء إعلانها أنها ترى في شرقي القدس موضعاً للعاصمة الفلسطينية العتيدة. وقد أشارت إلى هذه الخيبة صحيفة «إسرائيل اليوم» المقربة جداً من رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو.
ومن المؤكد أن الكثير من المعلقين والساسة المعارضين سوف ينتقدون بشدة مسارعة نتنياهو وديوانه إلى نشر بلاغات بخصوص نوايا غير مكتملة، بغرض تحقيق مكاسب انتخابية. ومعروف أن «إسرائيل» تعيش حالة ما قبل تقديم موعد الانتخابات وأن كل الأحزاب، بما فيها الليكود، تعمل على إظهار أنها حققت إنجازات في فترة الحكم الحالية.
وفي المقابل فإن التراجع الأسترالي، يثبت أن وحدة الموقف العربي والإسلامي وسرعة الرد كفيلة بدفع من يفكر في الانتقاص من الحق الفلسطيني لصالح «إسرائيل» إلى إعادة النظر في موقفه وبسرعة. ومن المؤكد أن النجاح في منع أستراليا من الإقدام على خطوة كهذه؛ يبقي الموقف الأمريكي وحيداً وعارياً أمام الأسرة الدولية ولا يدفع أحداً إلى البناء عليه بأي شكل. ويبقى الأمل بأن تعمد الدول العربية والإسلامية إلى الإبقاء على درجة عالية من اليقظة تجاه محاولات الصهاينة اختراق الموقف العالمي المناهض للاستيطان والاحتلال.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"