د. عيسى البستكي: نشأت في أحضان التراث

اسمه مشتق من “البستكية”
12:49 مساء
قراءة 7 دقائق

يعشق د. عيسى البستكي التراث منذ نعومة أظافره حيث كبر في أحضانه بمنطقة البستكية في دبي، التي تحوي بين جنباتها عبق التاريخ الإماراتي القديم، وشهد د. عيسى اللبنات الأولى لتطور الدولة وعاصر الكثير من الأحداث التي يوثقها في ذاكرته ويتنهد عند الحديث عنها، اختار مجال الالكترونيات والبرمجة الحديثة ليكون اقرب إلى الشخصية المتكاملة التي تمسك بخيوط التراث وتنسج في الوقت نفسه لمسات التطور التكنولوجي الذي تقطع فيه الإمارات أشواطاً واسعة، متحدية بذلك الزمن والوقت، نشأ في أقدم بيت بالبستكية وتحوّل إلى مطعم بعد ترميمه إلا أنه لا يكاد يمر يوم واحد إلا وتجده في المكان الذي يحمل أغلى الذكريات على قلبه.يشغل حالياً منصباً مرموقاً في واحة دبي للسيليكون ويتمنى حفر اسم وطنه على كل رقاقة إلكترونية تمسكها الأيادي ويسعى إلى تحقيق هذا الحلم عبر الوقت. التقيناه عبر كلمات بسيطة تفوح بعطر الماضي النفّاذ وكان هذا الحوار:

سنبدأ من اسم العائلة البستكي، من أين جاء وما معناه خاصة أنه موجود في المنطقة التاريخية بدبي؟

- أصل الاسم يأتي من جنوب إيران من مدينة تدعى بستك، مشهورة بالتجارة مع دبي منذ القدم وكان أهلها يأتون إلى دبي كل عام ويمكثون بها على الأقل ستة أشهر في السنة. وتمتعوا بنفس العادات والتقاليد الإماراتية لذلك رأى المغفور له الشيخ مكتوم انه من الأفضل أن يكون لهم مقر دائم بدبي حتى تنشط التجارة بين إيران والإمارات عامة ودبي خاصة، ومن هنا قام بإهدائهم قطعة الأرض الموجودة على الخور حتى إنه كان هناك مجموعة من السكان الذين تم ترحيلهم إلى منطقة الشندغة، ومن هنا جاءت تسمية المنطقة بناء على السكان الذين سكنوها وكانوا عبارة عن أربع عائلات كبيرة منهم عبد الرزاق عبد الرحيم بستكي جدي وثلاث عائلات أخرى هم بيت العور وبيت فاروق وبيت كاظم وهم أقدم البيوت الموجودة بالمنطقة.

بعد تحول البيت إلى مطعم حالياً، هل لنا معرفة التغير الذي طرأ عليه منذ إنشائه وحتى الآن؟

- بني هذا البيت عام 1895م وهو أقدم مبنى موجود في منطقة البستكية ويطل على خور دبي، تبلغ مساحته 649 متر مربع ويتألف من طابقين، يتميز البيت بثرائه بالعناصر التراثية المتنوعة من أبواب ونوافذ ومشربيات خشبية وكوى جصية مزخرفة مستوحاة من البيئة، أما تقسيم البيت في السابق فكان يتكون من 13 غرفة وكان المدخل يبدأ بمجلس الرجال وكان البيت الوحيد الذي يحتوي على مكتبة ضخمة، يليها غرفة مبيت الضيوف وبعدها تأتي غرفة الوالد، وفي الثلاثينات قام جدي ببناء طابق آخر علوي لتزويج أبي وأعمامي في البيت وعلى اليسار من المدخل كانت توجد غرفة خاصة بالسيدات حيث تجتمع جدتي مع زوجات أبنائها ليتدبروا أمور البيت، ولا يجب أن ننسى الحوي الكبير الحوش الكبير الذي تتوسطه نخلة زرعتها جدتي لدرجة أنها ذبلت وماتت بعد موت جدتي مباشرة، وفي عام 1975م انتقلنا من البيت لبيت آخر بعدما ساءت حالته بسب عوامل الجو ومرور السنوات وبعدها انتقلت ملكية البيت لبلدية دبي التي رممته وأعادت تأهيله عام 2004 ثم حولته لمطعم تراثي فخم ومزار سياحي.

عودة إلى أيام الطفولة، ما الأشياء التي مازالت عالقة في ذاكرتك من تلك الفترة؟

- أتذكر أننا أول من لعب كرة القدم في المنطقة خاصة أن جدي أول من احضر الكرة من الهند وأتذكر أن الكرة انقطعت من سعف إحدى النخلات وانتظر جدي عاماً كاملاً حتى ذهب إلى الهند وأحضر أخرى لنا إلا أننا كأطفال لم نكن نهتم بالقوانين التي تحكم اللعبة فكنا نلعب بطريقة بدائية بعض الشيء، وبالنسبة للخور ارتبطنا به عن طريق السباحة فيه فكنا نذهب من ديرة إلى بر دبي يومياً بعرض الخور على الرغم من وجود التيارات فيه، فطوال الإجازة الصيفية التي كانت تمتد لأربعة أشهر كانت السباحة طوال اليوم حتى بعد بناء جسر المكتوم كنا نقفز من فوقه ونسبح إلى قصر الشيخة مريم حتى نلتقط اللوز الإماراتي الذي يسقط من الأشجار المطلة على الخور ونأكله، ولا أنسى لعبة هوريك أو الاستغماية حيث كنا نشعل النار لتضيء لنا أثناء اللعب بالليل حيث كانت الكلاب تجري وراءنا في الشوارع، وبسبب هذه الألعاب أفكر حالياً في توثيق هذه الفترة.

ماذا عن الدراسة، وهل كنت من خريجي المدرسة الأحمدية؟

- أبي تخرج في المدرسة الأحمدية أما أنا فالتحقت بمدرسة الشعب بمنطقة الشندغة وانتهيت من الدراسة فيها والتي كانت عبارة عن أربع سنوات للمرحلة الابتدائية ومثلها للإعدادية وللثانوية، وبعدها انتقلت إلى مدرسة جمال عبدالناصر الثانوية في بداية إنشائها وكنا أول دفعة ثانوية عامة تتخرج فيها كما أنني كنت الأول على الدفعة، كذلك كنا أول دفعة تبعث للخارج للدراسة في الولايات المتحدة، ومنذ اللحظة الأولى للسفر اخترت مجال الالكترونيات والاتصالات واخترت جامعة كاليفورنيا ولم اكتف بالبكالوريوس وإنما عاهدت نفسي على دراسة الماجستير والدكتوراه، بالفعل أكملت 12 سنة في أمريكا في الدراسة لدرجة أنني تزوجت واصطحبت زوجتي معي، وبعد عودتي التحقت بالتدريس في جامعة الإمارات وكانت سمعتي تسبقني قبل العودة لدرجة انه في الامتحان والمقابلة لم يجدوا أسئلة تليق بمستوى دراستي وتم تعييني فوراً.

ما الاستفادة العملية التي أضافها لك السفر للخارج؟

- كما يقولون في السفر سبع فوائد، ولا يمكن للإنسان أن يتعلم أو يكتسب خبرات الحياة وهو جالس في بيته بل بالعكس فإن الإنسان الذي يسافر كثيراً يتعلم كثيراً، وبالنسبة لي كنت عصامياً في كل شيء منذ الصغر ولم أكن مدللاً بل بالعكس كنت اعتمد على نفسي حتى في تجهيز أكلي وملابسي وإدارة شؤون حياتي، وأتذكر أنني ذهبت إلى الهند وكان عمري سبع سنوات بمفردي لإنجاز عملية جراحية وكان إخوتي يدرسون هناك وسافرت بالطائرة ورجعت بالبحر بمفردي من دون خوف، وخلال معيشتي في أمريكا استطعت ادارة دفة حياتي وأتعامل مع العالم الخارجي من دون خوف حتى الميزانية الشخصية كانت محددة جدا وكان يجب التعايش مع الحياة من خلال هذا الوضع، كذلك التعامل مع التكنولوجيا في وقت كانت الإمارات حديثة العهد جدا بعالم التقنية وحتى الآن أعد مرجعاً مهماً في العالم الرقمي في الإمارات بشهادة المتخصصين في هذا المجال.

تشغل حالياً منصب مدير إدارة التعليم والتكنولوجيا بواحة دبي للسيليكون، فكيف كانت ملامح مشوارك الوظيفي؟

- بعد أن عُينت معيداً بجامعة الإمارات ثم عضو هيئة تدريس وانتقلت بعدها لرئيس شعبة الطاقة في مركز الإمارات للتكنولوجيا والطاقة وبعدها رئيس شعبة التقنية بنفس المركز ثم عُينت مساعد عميد شؤون الطلاب والطالبات لمدة أربع سنوات، وكنت رئيس تحرير مجلة المهندس باللغة العربية والإنجليزية، وفي عام 1998 عُينت رئيس مركز الحاسب الآلي بجامعة الإمارات ثم انتدبت لتأسيس مركز الحاسب الآلي ببلدية العين، وبعدها انتقلت إلى واحة دبي للسيليكون كمدير إدارة التكنولوجيا والتعليم.

لمن لا يعرف مهام واحة دبي للسيليكون، ما المعلومات التي يمكن أن تقدم بها هذه المؤسسة؟

- واحة دبي للسيليكون هيئة تابعة لحكومة دبي ويرأسها سمو الشيخ أحمد بن سعيد رئيس هيئة الطيران المدني ورئيس المنطقة الحرة لمطار دبي، كذلك تعد منطقة حرة خاصة وهي عبارة عن هيئة لنقل وتطوير تكنولوجيا الالكترونيات الدقيقة والتي توجد في كل الأجهزة الحديثة، كذلك تشمل الواحة التعامل مع تصنيع بعض الرقاقات الالكترونية والموجودة في مجال الالكترونيات الحديثة وهو ما استدعى التعامل مع الجامعات الإماراتية من خلال اختيار وتأهيل مجموعات من الخريجين المتخصصين في هذا المجال الذين سيساهمون في الوصول بالإمارات إلى مكانة متقدمة في تصنيع الرقاقات الالكترونية ومنافسة الدول والمؤسسات العالمية الكبرى العاملة في نفس المجال.

هل تعتقد أن الإمارات قادرة على تلك المنافسة في الوقت الراهن؟

- نحن مازلنا في البداية في هذا المجال، ونركز على تأسيس البنية التحتية في كل فروع التكنولوجيا التي تعد في طور المهد في الدولة بصفة عامة ودبي بصفة خاصة حتى في مجال الاتصالات والموارد المالية والبشرية، فعلى الرغم من أننا قطعنا شوطا كبيرا في كثير من المجالات إلا أننا أمام تحديات عالمية تستدعي استقطاب التكنولوجيا والعقول البشرية الخلاّقة القادرة على المنافسة ولذلك هناك اهتمام بالتعليم والتدريب ومواكبة التطورات العالمية خاصة أن الإمارات تتميز بالتنوع البشري الكبير في عدد الجنسيات الموجودة على أرضها.

وبالنسبة لواحة السيليكون، ما التقدم الذي حققته الواحة في هذا المجال؟

- تم تدشين الواحة في 2002 أما البداية الرسمية فكانت 2003 وخلال هذه السنوات شارفنا تقريباً على الانتهاء من البنية التحتية المعمارية والتي تتميز بمستواها العالمي، فبعدما كنا في مقر مؤقت تم الانتقال إلى المقر الرسمي الرئيسي وتم مخاطبة الشركات المتخصصة في الأبحاث والتصميم والتصنيع في المجال الالكتروني، وتعد مرحلة التصنيع مؤجلة بعض الشيء خاصة أن مصنع الرقائق الالكترونيات الواحد يتكلف إنشاؤه حوالي 4 مليارات دولار، إلا أننا يمكننا البدء في تصنيع النظم الالكترونية والتي لا تتكلف سوى 50 مليوناً كمرحلة أولى.

ما الطموحات التي تسعون إليها من خلال إنشاء واحة السيليكون؟

- نتمنى منافسة الشركات الكبرى مثل نوكيا وميكروسوفت حتى ولو كان ذلك من خلال الشرائح الدقيقة التي تدخل في الكثير من الأجهزة الكهربائية الحديثة، فلا عجب إذا علمنا أن كل جهاز الكتروني موجود الآن في الأسواق يحتوي على آلاف القطع الالكترونية المجمعة من أكثر من دولة من خلال نظام العولمة العالمي وهو ما تسعى إليه الإمارات من خلال الدخول إلى هذه السوق كبداية تنافسية مع الشركات العالمية ويكفي أن نجد عبارة صنع في الإمارات على الرقائق الالكترونية داخل الأجهزة ومن بعدها تأتي مرحلة الجهاز المتكامل المصنوع في الإمارات، والهدف الأسمى من ذلك هو النظر إلى مرحلة ما بعد البترول.

عودة إلى التراث وعشقك الشديد للحفاظ عليه، هل ينطبق الأمر على بيتك وطريقة تربيتك لأبنائك؟

- بالتأكيد فكل من يعرفني يلمس حبي الشديد للحفاظ على التراث الإماراتي الأصيل وتوريث هذا العشق لأبنائي من خلال المكتبة الضخمة التي امتلكها أو مجموعة الأشياء المادية التي احتفظ بها في بيتي عن تلك الأيام القديمة أو حتى الانضمام للجمعيات التي تعنى بالتراث وإلقاء المحاضرات وتنظيم الندوات التي تعرف الآخرين بالتراث الإماراتي وأولادي يسيرون على نفس دربي.

ما الحلم الذي تتمنى تحقيقه؟

- أتمنى أن تغزو عبارة صنع في الإمارات العالم كله.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"