ربع جينات البشر تتأثر بتغيير الفصول

23:43 مساء
قراءة 6 دقائق
كشف باحثون في دراسة جديدة حللوا فيها عينات دم وأنسجة لنحو 16 ألف شخص يعيشون حول العالم أن تغير فصول السنة يؤثر بشكل بالغ في عمل الجينات عند الإنسان . وقال الباحثون إن النتائج التي توصلوا إليها في الدراسة، التي نشرت في مجلة "نيتشر" العلمية المتخصصة، تفسر سبب تفاقم الأمراض في فصل الشتاء، حيث تبين أن الجينات المتعلقة بالجهاز المناعي - الذي يحمي الجسم من الإصابة بالالتهابات- تكون أكثر فاعلية خلال الفصول الباردة .
أشار الباحثون إلى أنه "بالرغم من أن ذلك يساعد في محاربة الفيروسات مثل الإنفلونزا، فإنه يزيد من تفاقم أمراض أخرى مثل مرض التهاب المفاصل" .
وتوصل الباحثون إلى أن ربع الجينات في الجسم البشري تتأثر بتغيير الفصول، إلا أن الجينات التي أثارت اهتمام الباحثين هي المتعلقة بالمناعة وخاصة الالتهابات .
ووجد الباحثون أن الجينات المتعلقة بالمناعة تكون أكثر نشاطاً في فصل الشتاء والبرد، أي الفترة الممتدة من ديسمبر/كانون الأول إلى فبراير/شباط بالنسبه للأشخاص الذين يعيشون شمالي خط الاستواء، وكذلك في يونيو/حزيران إلى أغسطس/آب في نصف الكرة الجنوبي .
ولاحظ الباحثون، من خلال هذه الدراسة، أن الأشخاص الذين يعيشون بالقرب من خط الاستواء، حيث درجات الحرارة معتدلة طوال أيام السنة، ترتبط المناعة والالتهابات عندهم بالفصل الممطر، حيث تكون أمراض مثل الملاريا أكثر انتشاراً .
وقال البروفيسور جون تود، وهو أحد المشاركين في الدراسة من جامعة كامبريج في بريطانيا، إن "النتائج التي توصلت إليها الدراسة تفسر لماذا يصاب الناس بأمراض معينة في وقت محدد من السنة"، موضحاً أن للالتهابات تأثيراً بالغاً على بعض الأمراض مثل مرض التهاب المفاصل الروماتويدي، ومرض السكري من النوع الأول، وأمراض القلب ، إذ تزداد نسبة الإصابة بهم خلال فصل الشتاء .
وأردف تود "نشهد ارتفاعاً في عدد المرضى الذين تثبت إصابتهم بمرض السكري من النوع الأول، وذلك من شهر ديسمبر /كانون الأول إلى فبراير/شباط في المملكة المتحدة"، موضحاً أن "ذلك يعود إلى فاعلية الجينات حسب الدراسة التي أجريناها" .
وأضاف أن "هناك عوامل عدة تؤثر في كيفية عمل الجينات، ومنها الإصابة بالأمراض وعوامل أخرى كالتغذية والضغوط النفسية" .
ومن جانبه قال تيم سبيكتر، الأستاذ في علم الأوبئة الوراثية في جامعة "كينغز كولديج" إن الميكروبات في الأمعاء تتغير أيضاً بتغير الفصول، وقد يعود ذلك إلى التغيير الذي يطرأ على نظامنا الغذائي .
وعلق تود قائلاً إنه "في المجتمعات الحديثة، رغم أننا نرتدي ثياباً دافئة وتكون منازلنا مزودة بأجهزة التدفئة، فإن جسمنا يستجيب لدرجات الحرارة الباردة وقصر الأيام" .
وفي السياق نفسه ذكرت دراسة برازيلية أن مستوى الكولسترول في الجسم ربما يتزايد مع قدوم فصل الشتاء ويتناقص مرة أخرى بزيادة حرارة الجو .
وقال معد الدراسة الدكتور فيليب مورا من جامعة كامبيناس: "في فصل الشتاء يتناول الناس الكثير من السعرات الحرارية والأطعمة الغنية بالدهون والتي ربما يكون لها أثر سلبي في مستوى الكولسترول السيئ بالدم، كما أن الناس كثيراً ما يقللون من ممارسة التمارين في شهور الشتاء، كما أن قلة التعرض للشمس في شهور الشتاء تؤدي إلى انخفاض في مستوى فيتامين "د" والذي يمكن أن يكون له تأثير في الكولسترول .
وأضاف: "فصل الشتاء تكثر فيه الإصابة بنزلات البرد والإنفلونزا التي تؤثر أيضاً في مستوى الكولسترول" .
وشملت الدراسة تحليل بيانات عن أكثر من 000,227 شخص ممن كانوا يراجعون مستوى الكولسترول لديهم بمراكز العناية بمدينة كامبيناس بالبرازيل بين عامي 2008 و2010 .
ووجدت الدراسة أن التغيرات في مستوى الكولسترول بين الفصول يمكن أن تكون أكبر في دول مثل الولايات المتحدة وأوروبا وغيرها من المناطق التي تكون بها التغيرات المناخية كبيرة بين فصلي الشتاء والصيف .
وتقول منظمة الصحة العالمية في هذا الصدد إنه وعلى الرغم من أن الاحترار العالمي يمكن أن تترتب عليه بعض الفوائد محلياً، مثل انخفاض عدد وفيات فصل الشتاء في المناطق المناخية المعتدلة وزيادة الإنتاج الغذائي في بعض المناطق، من المرجح أن تكون الآثار الصحية المترتبة على تغيّر المناخ سلبية إلى حد بعيد إجمالاً، محذرة من أن تغيّر المناخ يؤثر في المتطلبات الأساسية للصحة والهواء النقي ومياه الشرب والغذاء الكافي والمأوى الآمن . وذكرت المنظمة في تقرير عن العلاقة بين تغّير المناخ والصحة، أن الارتفاع الشديد في درجات حرارة الجو يسهم مباشرة في حدوث الوفيات التي تنجم عن الأمراض القلبية الوعائية والأمراض التنفسية، وخصوصاً بين المسنين . فعلى سبيل المثال سُجل أكثر من 000,70 وفاة إضافية أثناء موجة الحر التي حدثت في صيف عام 2003 في أوروبا .
كما أن ارتفاع درجات الحرارة يزيد مستويات الأوزون وسائر الملوثات الموجودة في الهواء، الأمر الذي يزيد الأمراض القلبية الوعائية والأمراض التنفسية تفاقماً . ويتسبب تلوث الهواء في المناطق الحضرية في نحو 2,1 مليون وفاة سنوياً .
وفي الحر الشديد ترتفع مستويات حبوب اللقاح وسائر المواد الموجودة في الهواء والمسببة للحساسية . ويمكن أن يتسبب ذلك في الإصابة بالربو، وهو مرض يعانيه 300 مليون شخص تقريباً . ومن المتوقع أن يزداد هذا العبء بفعل الزيادة المستمرة في درجات الحرارة .
وأفاد التقرير أنه منذ ستينات القرن العشرين زاد عدد ما تم الإبلاغ عنه من الكوارث الطبيعية ذات الصلة بالأحوال الجوية أكثر من ثلاث مرات على الصعيد العالمي . وفي كل عام تتسبب هذه الكوارث في أكثر من 000,60 وفاة معظمها في البلدان النامية .
وحذر التقرير من أن ارتفاع مستويات سطح البحر، والظواهر الجوية المتطرفة، سيتسبب في تدمير المنازل والمرافق الطبية وسائر الخدمات الضرورية .
ويعيش أكثر من نصف سكان العالم على مسافة لا تتجاوز 60 كيلومتراً من البحر . وقد يضطر الناس إلى الانتقال إلى أماكن أخرى مما يزيد مخاطر حدوث مجموعة من الآثار الصحية تتراوح بين الاضطرابات النفسية والأمراض السارية .
ومن المرجح أن يؤثر التغيّر المتزايد في أنماط سقوط المطر في إمدادات المياه العذبة . ويمكن أن يلحق نقص المياه النقية الضرر بالصحة وأن يزيد مخاطر الإصابة بالإسهال الذي يودي سنوياً بحياة 2,2 مليون شخص .
وفي الأحوال الشديدة تؤدي ندرة المياه إلى الجفاف والمجاعة . ومن المرجح أن تغيّر المناخ، بحلول التسعينات من القرن الحادي والعشرين، سيزيد المساحة المتضررة من الجفاف وسيضاعف معدل تواتر نوبات الجفاف الشديدة وسيزيد متوسط مدتها ست مرات .
أما الفيضانات فهي تزداد تواتراً وشدةً . والفيضانات تتسبب في تلوث إمدادات المياه العذبة وتزيد مخاطر الإصابة بالأمراض المنقولة بالمياه وتهيئ أرضاً خصبة للحشرات الناقلة للأمراض، مثل البعوض . كما أنها تتسبب في الغرق والإصابات الجسدية وتدمر المنازل وتعطل توصيل الإمدادات الطبية وتقديم الخدمات الصحية .
ومن المرجح أن يتسبب ارتفاع درجات الحرارة وتغيّر أنماط الهطول في انخفاض إنتاج الأغذية الأساسية بمقدار 50% في كثير من أشد المناطق فقراً في بعض البلدان الإفريقية بحلول عام 2020 . وسيؤدي ذلك إلى زيادة معدل انتشار سوء التغذية ونقص التغذية، وهما يتسببان حالياً في 5,3 مليون وفاة سنوياً .
ورجح التقرير أن تتسبب تغيّرات المناخ في إطالة فصول انتقال الأمراض المهمة المحمولة بالنواقل، وفي تغيير نطاقها الجغرافي .
ومن المتوقع، على سبيل المثال، أن يؤدي تغيّر المناخ إلى اتساع كبير في مساحة المنطقة التي تحدث فيها الإصابة بداء البلهارسيات الذي تنقله القواقع في الصين . والملاريا تتأثر تأثراً قوياً بتغيّر المناخ . فالملاريا، التي ينقلها بعوض الأنوفيلة، تودي سنوياً بحياة مليون شخص تقريباً، ومعظمهم من الأطفال الأفارقة دون سن الخامسة . وبعوض الزاعجة الذي ينقل حمى الضنك هو الآخر شديد الحساسية للظروف المناخية .
وتشير الدراسات إلى أن تغيّر المناخ يمكن أن يعرض ملياري شخص آخر إلى انتقال حمى الضنك بحلول الثمانينات من القرن الحادي والعشرين .
ويرى التقرير أن قياس الآثار الصحية المترتبة على تغيّر المناخ يمكن أن يكون تقديرياً بدرجة كبيرة . وعلى الرغم من ذلك فقد خلص أحد التقديرات التي أجرتها المنظمة، والتي لا تضع في الحسبان مجموعة فرعية من التأثيرات الصحية المحتملة، إلى أن أبسط احترار حدث منذ السبعينات من القرن العشرين تسبب بالفعل في أكثر من 000,140 وفاة إضافية سنوياً حتى عام 2004 .
وأشار التقرير إلى أن السكان كافة سيتأثرون بتغيّر المناخ، ولكن بعضهم أسرع تأثراً من غيره . فسكان الدول النامية الجزرية الصغيرة، وسكان سائر المناطق الساحلية والمدن الكبرى الساحلية والجبال والمناطق القطبية، هم الأسرع تأثراً بشكل خاص . أما الأطفال، وخصوصاً من يعيشون في البلدان الفقيرة، فإنهم من أسرع الفئات تأثراً بالمخاطر الصحية الناجمة عن تغيّر المناخ، وسيتعرضون لمدة أطول إلى عواقبه الصحية .
ومن المتوقع كذلك أن تكون الآثار الصحية أشد على المسنين والعجزة أو المصابين أصلاً باعتلالات صحية .
ووفقاً للتقرير، ستكون المناطق ذات البُنى التحتية الصحية الضعيفة، ومعظمها في البلدان النامية، هي الأقل قدرة على التحمل ما لم تحصل على المساعدة اللازمة للتأهب والاستجابة .
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"