سردينيا.. مرآة التاريخ الإيطالي على أرض الشارقة

«غوص عميق في تراث عريق»
01:42 صباحا
قراءة 5 دقائق
أمل سرور

«غوص عميق في تراث عريق»، عبارة تستقبلك على أبواب معهد الشارقة للتراث، تحمل الكثير من الرسائل، التي تلخص فلسفة حكيمة ومنطقاً شديد الرقي تنطلق منهما إمارة الشارقة، لتكون منارة في حفظ ومعرفة الثقافة والتراث، تراث الإمارات، كما الدول الأخرى. هذا الشهر كان الموعد مع التعريف بالتراث الإيطالي، وتحديداً تراث جزيرة سردينيا الإيطالية، إلى البيت الغربي «مركز فعاليات التراث الثقافي» في منطقة التراث بقلب الشارقة، ذهبنا لنرى ونرصد وننقل بعضاً من تفاصيل إيطالية على أرض الإمارة الباسمة.
أسابيع التراث العالمي التي يستضيفها المعهد في مركز الفعاليات بالشارقة شهريّاً، من بلدان عربية شقيقة، أو أجنبية صديقة، لعرض برنامج تراثي متنوع، على مدار أسبوع، لا تدل إلا على سعي دؤوب وجهد حقيقي للتعريف بالتراث الإماراتي، وتبادل المعارف والتجارب والخبرات مع مختلف دول العالم، فمن مصر والبحرين ومقدونيا والمغرب إلى جزيرة سردينيا الإيطالية، التي تحل ضيفاً هذا الشهر على فعاليات التراث الثقافي العالمي، يستمر العطاء والعمل المستمر على صون تراث هذا الوطن من خلال التعرف على تراث الآخرين.

سبق لمعهد الشارقة للتراث المشاركة في أولمبياد الألعاب الشعبية في هذه الجزيرة، بدعوة من عمدة الجزيرة، لينو زدا، أشادت حينها وسائل الإعلام الإيطالية بالعروض المبهرة لنماذج التراث الإماراتي. تلك المشاركة التي ترأسها عبد العزيز المسلم، رئيس معهد الشارقة للتراث، حيث قدمت الفرقة الأولمبية الإماراتية بعض المظاهر التراثية، مثل التزيين بالحناء، وبعض المأكولات التراثية، إضافة إلى ألعاب قدمها فريق بيت الألعاب الشعبية.

ما إن تخطو على أرض مركز الفعاليات في قلب الشارقة، حتى تتجسد الجزيرة الساحرة أمام عينيك، من خلال تلك الصور المبهرة التي ترسم بدقة ملامح أرضها، وتلخص بعضاً من أشهر عاداتها الثقافية، وأزيائها الشعبية، وحليها القديمة، وهو إحساس يظل ملازماً لك كلما تجولت بين أروقة أجنحة المعرض، وكأنك ركبت الطائرة إلى ذلك المكان الأسطوري.
اقتربنا من فرناندو ألمويني، أحد المشرفين على جناح الصور التي تنقل للزائرين طبيعة وجغرافية الجزيرة، لنعرف المزيد عن سردينيا الجميلة؛ فتحدث قائلاً إنه إذا طلب منه أحد الحديث عن سردينيا لا يملك إلا أن يقول له: حاول أن تغمض عينيكِ للحظة، وتخيل بحراً تفوح منه رائحة اليود وتلمع مياهه بالضوء، وشاطئاً ممتداً، تكسو هذا كله عباءة من الخضرة وشمس مبهجة وظلال منعشة.. حاول أن تنصت إلى أصوات طيور الفلامنغو الوردية، واختم نهارك بمشهد الغروب الذي يخطف الأبصار، هي مشاهد لا يمكن لك إلا أن تراها في سردينيا. بعدها انطلقت الموسيقى في أجواء المكان، وصفها فرناندو بقوله: إنها موسيقانا الخاصة، التي نستخدم فيها آلات تتشابه في طبيعتها مع آلات جزر المتوسط.
تلك الرائحة المنبعثة من بعيد كانت كفيلة بأن تلفت الزائرين إليها، ليلتفوا حول مصدرها، اقتربت مع الجموع فعرفت أن الأجبان الإيطالية الشهيرة نجحت في أن تجمع الزائرين حولها لتذوقها. رغم أنه لا يجيد الحديث إلا بالإيطالية، لكنه كان قادراً على التواصل، هو خريستوني الشاب الايطالي الذي وقف ليساعد جمهوره في تذوق معروضاته من الجبن، انتهز الفرصة ليعرفني بأنواع الأجبان، التي تعد من أهم أطعمتهم في الجزيرة، ثم أخذ يعدد هذه الأنواع: شاندوكا، وفونتينا وهي جبن حليب الأبقار الإيطالي الذي يتمتع برائحة عشبية منعشة، وهو أيضاً سر خلطة البيتزا التي لا يعرفها الكثيرون والتي تضاف مع الطماطم، أيضاً هناك البارميجانو واليجيانو، وهما نوعان مجففان بالبصل، ولا يمكن أن ينتهي العرض إلا مع أنواع بيكورينو، بروفولوني، ريكوتا.
من ركن الطهي إلى جناح الملابس الشعبية التراثية التي تُعرض جنباً إلى جنب مع بعض الكتب التاريخية، التي تتحدث عن تاريخ الجزيرة، ولوحات زجاجية تأتيك من خلفها نماذج من الأسلحة القديمة الخاصة بأهل الجزيرة. ريجينيتو ذلك الإيطالي الذي يقترب من الأربعين من عمره، تحدث إلينا باستطراد عن ذلك الجزء من المعرض قائلاً: عندما نتحدث عن تاريخ سردينيا علينا ألا نقع في التباس حول الاسم، فقد يظن البعض أن أصله يعود إلى سمك السردين، في حين أنه مرتبط بلغة «السارديكية» وهي أحد جذور اللغة الرومانية، وربما كانت تسمية سمك السردين تعود إلى سردينيا وليس العكس.
أضاف: بلدة «نورا» من أهم مدننا التي نفخر بها، والتي أسسها القرطاجيون في القرنين التاسع والثامن قبل الميلاد. ورغم اندثار معظم آثار تلك الحقبة، إلا أن ما تبقى منها يعد من أجمل الآثار في سردينيا، فالمدينة البيزنطية لا تزال على حالها، وتشكل مزيجاً بين الحاضر والماضي، ومنها نستمد معظم تراثنا وعاداتنا وتقاليدنا، ويبدو ذلك واضحاً في الأزياء التي نعتز بها ونعرضها في أسبوع تراثنا على أرض الشارقة.

استطرف ريجينيتو في وصف الأزياء: لباس الرجال عبارة عن سروال منفوخ من القماش الأبيض تغطيه تنورة قصيرة سوداء، إضافة إلى قميص أبيض واسع الكمين، وصدرية من الجلد مزركشة بالساتان، وهو بذلك يشبه الزي الروماني القديم. أما لباس النساء فيبدو أقرب إلى الأسلوب الإسلامي المحتشم، فهو عبارة عن قميص أبيض مشدود عند الخصر بمشد مزركش، وفوقه صدرية، وتنورة متعددة الثنيات وُيغطى الرأس بخمار مزركش.

ختم ريجينيتو حديثه مشيراً إلى ركن الأسلحة: جميع هذه المعروضات القديمة، من خزفيات ومنحوتات برونزية وأسلحة قديمة، تعود إلى حقب تاريخية عديدة مرت بها سردينيا.

روح عربية قديمة

نجتهد دائماً من أجل تحقيق أهدافنا الرئيسية المنشودة، المتعلقة بصون التراث وحفظه ونقله للأجيال، في ظل التفاعل مع أفكار وتجارب وخبرات الآخرين في مختلف دول العالم. هكذا كانت كلمات عبد العزيز المسلم، رئيس معهد الشارقة للتراث، معبرة عن الهدف من تنظيم الأسابيع العالمية بشكل دوري.
وعن سبب اختيار سردينيا لتمثل إيطاليا، قال المسلم: سبق أن شارك معهد الشارقة للتراث في أولمبياد الألعاب الشعبية، ومن هنا جاءت فكرة دعوة الإقليم السرديني الذي يتميز بطبيعة خلابة وعادات وتقاليد، تستحق الثناء والتقدير، وأيضاً يتميز بالروح التاريخية التي تقترب من العرب والأندلس.

فرصة لتقارب الثقافات الشعبية

أعرب لينو زدا، عمدة جزيرة سردينيا الإيطالية، عن حبه الشديد لإمارة الشارقة التي زارها ثلاث مرات متتالية، حيث يرى فيها معلماً تنويرياً عظيماً، وصرحاً ثقافياً يدعو العرب إلى الفخر. زدا تحدث عن مشاركة سردينيا في الأسابيع العالمية التراثية التي ينظمها معهد الشارقة، قائلاً: هي فرصة جيدة للتقارب والتواصل بين الشعوب، وهذا لن يتم إلا من خلال الثقافات الشعبية والموروثات القديمة. والحقيقة أن إمارة الشارقة قريبة للغاية من قلوب أهل جزيرة سردينيا، ونالت مشاركتها في الدورة الأولمبية، الكثير من تقدير وإعجاب الإيطاليين؛ لذا رحبنا على الفور بتلبية الدعوة للمشاركة، ونتمنى أن نكون قدمنا صورة حقيقية عن وطننا.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"