سوريا.. اللجنة الدستورية «في الثلاجة»

02:18 صباحا
قراءة 4 دقائق
د. محمد عباس ناجي

انتهى اجتماع وزراء خارجية الدول الضامنة لعملية الأستانة - سوتشي، والمبعوث الأممي إلى سوريا ستيفان دي ميستورا، في جنيف، في 18 ديسمبر/ كانون الأول الجاري، من دون أن يحقق نتائج بارزة، خاصة على صعيد تشكيل اللجنة الدستورية، وهو الهدف الأساسي الذي عقد من أجله.
يطرح ذلك دلالة مهمة تتمثل في أن الخلافات التي تعرقل تشكيل اللجنة، وبدء العملية السياسية برمتها، لم تعد تقتصر على الدول الثلاث الضامنة، وهي روسيا وإيران وتركيا، كما كان قائماً في الفترة الماضية، وإنما امتدت إلى خلافات بين هذه الدول ودي ميستورا، ومن المتوقع أن تنتقل إلى المبعوث الجديد غير بيدرسون، وبينها وبين المعارضة السورية التي لم تعد تبدي ثقة كبيرة بالجهود التي تبذلها هذه الدول للوصول إلى نقطة انطلاق لعملية سياسية جديدة في سوريا.
ورغم أن العنوان الرئيسي لفشل الاجتماع الأخير في الاتفاق على تشكيل اللجنة الدستورية، يتعلق بالخلاف حول تسمية القسم الثالث والأخير في اللجنة (50 عضواً من إجمالي 150 تقسم بين النظام والمعارضة والأمم المتحدة)، والخاص بالمجتمع المدني والمستقلين والعشائر، والذي من المفترض أن يكون ضمن مهام دي ميستورا، إلا أن ثمة اعتبارات أخرى ربما تكون أكثر أهمية ساهمت في الوصول إلى طريق مسدود في النهاية.
إذ يبدو أن الدول الثلاث الضامنة، أو على الأقل القسم الأكبر منها، لا ترغب في تكريس دور محوري للأمم المتحدة في رعاية العملية السياسية الجديدة، على نحو بدا جلياً في طرح أفكار حول عقد اجتماعات اللجنة «تحت سقف» الأمم المتحدة، وهي عبارة فضفاضة يمكن أن تحمل أكثر من معنى، ولا تفترض بالضرورة قيام المنظمة الدولية بالدور الرئيسي في هذا السياق.
وقد دفع ذلك قوى المعارضة السورية إلى رفض هذه الأفكار، مؤكدة على ضرورة أن تمارس اللجنة مهامها برعاية كاملة من جانب الأمم المتحدة. وبالطبع، فإن ذلك يعود إلى مخاوفها من أن توسيع نطاق الدور السياسي للدول الضامنة، خاصة روسيا وتركيا، سيؤدي إلى نتائج قد لا تتوافق بالضرورة مع رؤيتها للترتيبات السياسية التي قد يجري العمل على صياغتها في المرحلة القادمة.
ويعكس ذلك ارتباكاً ملحوظاً في مواقف قوى المعارضة التي سبق أن وافقت على تشكيل اللجنة، رغم أنها في الأساس أحد مخرجات مؤتمر الحوار الوطني السوري الذي عقد في سوتشي في يناير/ كانون الثاني 2017، بعيداً عن الرعاية الكاملة للأمم المتحدة، والذي اعتبرته أطراف عدة محاولة لتدشين مسار موازٍ يهدف إلى تقييد الدور الأممي في رعاية العملية السياسية السورية عبر تكريس دور لمرجعية جديدة بعيدة عن قرارات المنظمة الدولية.
فضلاً عن ذلك، لا تستطيع تلك القوى التعويل على موقف تركيا في هذا الإطار، بعد أن اتجهت الأخيرة إلى إبداء اهتمام أكبر بتفاهماتها السياسية والأمنية مع موسكو وطهران، وبدأت بالتلميح إلى إمكانية فتح قنوات تواصل مع نظام الأسد خلال المرحلة القادمة، بناء على التوازنات العسكرية الجديدة التي فرضها الصراع في سوريا.
بالتوازي مع ذلك، لا تبدو التباينات العالقة بين القوى المعنية بتطورات العملية السياسية في سوريا ثانوية، أو يمكن تسويتها بسهولة، على نحو يضع حدوداً لاحتمال حدوث اختراقات في الجهود التي تبذل في الوقت الحالي بهدف إطلاق العملية السياسية خلال بداية العام القادم.
إذ لا يزال النظام السوري مصراً على ضرورة منحه الحق في تسمية الجانب الأكبر من القسم الثالث من اللجنة، وتحديداً 30 عضواً، مع التلميح إلى ضرورة حصوله على ما يشبه حق الفيتو على آليات عملها، ونتائجها في النهاية، وحصر دور الأمم المتحدة في تقديم مساعدات، أو استشارات، من دون الإشراف عليها.
وبدا أن ثمة مقاربة جديدة يتبناها النظام في هذا السياق، تقوم على أن ذلك يعكس، إلى حد ما، توازنات القوى على الأرض، التي تشير إلى أنه أصبح يسيطر على 70% من الأراضي السورية، بمساعدة كل من روسيا، وإيران، والميليشيات الموالية للأخيرة، في ضوء نتائج المواجهات المسلحة التي اندلعت خلال عام 2018 وانتهت لمصلحته.
واللافت في هذا السياق، هو أن روسيا تدعم هذه المقاربة بشكل كبير، على نحو كان له دور في عدم وصول المشاورات الأخيرة التي أجريت في هذا السياق إلى نتائج عملية تعزز من احتمال انعقاد اللجنة مع بداية عام 2019، رغم تأكيد البيان الختامي للاجتماع الأخير على ضرورة حدوث ذلك.
لكن الأهم في هذا الإطار، هو أن هذا الموقف يؤشر إلى أن موسكو قد لا تمارس ضغوطاً قوية على النظام خلال المرحلة القادمة لإبداء مرونة أكبر في التعاطي مع المهام التي ستتكفل بها اللجنة في حالة تشكيلها.
وقد قوبلت هذه المقاربة برفض من جانب المعارضة، التي اعتبرت أن ذلك يفسر، إلى حد كبير، تعمد النظام، إلى جانب كل من روسيا وإيران، عرقلة جهود تشكيل اللجنة، وتأخير بدء العملية السياسية خلال العام الحالي، من أجل تكريس الخلل في توازنات القوى لمصلحة النظام، وبالتالي تعزيز موقعه التفاوضي وإملاء شروطه قبل تشكيل اللجنة الجديدة، وتكليفها بمهامها المحتملة.
اللافت للانتباه في هذا السياق، هو أن القرار الأخير الذي أصدره الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، في 19 ديسمبر/ كانون الأول الجاري، بالانسحاب من سوريا، قد يساهم في تأخير عمل اللجنة، لاعتبارات عدة، أهمها أنه سوف يربك حسابات الأطراف المختلفة المعنية بتطورات الصراع السوري والمنخرطة فيه، وسيدفعها، على الأرجح، إلى تأخير عمل اللجنة، انتظاراً للاستحقاقات التي سوف تتبلور على الأرض بعد الانسحاب الأمريكي.
وفي ضوء ذلك، يمكن القول في النهاية إن الأزمة السورية التي قاربت على افتتاح عامها الجديد في مارس/ آذار 2019، لا يبدو أنها قريبة من الحل، رغم كل الجهود السياسية التي تبذل في المرحلة الحالية. إذ ما زالت الخلافات والتباينات بين الأطراف المعنية بالتطورات على أشدها، على نحو يضفي شكوكاً حول مدى إمكانية خروج اللجنة الدستورية، في حالة تشكيلها، بنتائج بارزة تحظى بقبولها، وتجد طريقها إلى التنفيذ على الأرض.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"