شعب الدونجيريا يستنجد بـ "آفاتار"

وجد نفسه في أحداث الفيلم
05:57 صباحا
قراءة 5 دقائق

رغم أن فيلم آفاتار الذي عرض قبل أشهر عدة ابهر جمهور الفن السابع بما تضمنه من عالم خيالي من ابتكار كاتب السيناريو والمخرج خميس كاميرون، إلا أن هذا العالم الذي شاهده الملايين ليس غريباً عن الواقع .

ففي ولاية أوريسا الهندية يدور السيناريو نفسه تقريباً فثمة جبال في هذه الولاية تسمى تلال نياميجيري، تضم جماعات عرقية هندية تسمى دونجرياكونذ يصل عددها إلى 8 آلاف نسمة، يعيشون على ما تجود به الغابات المنتشرة في ولايتهم النائية، فهم يمارسون الصيد البري والنهري ويقطفون الثمار ويتقنون بعض أنواع الزراعة بعيداً عن التكنولوجيا وما توفره للإنسان من رغد العيس وراحة في الحصول على بعض مستلزمات الحياة .

يعيش هذا الشعب في بيوت صغيرة مبنية من الطين المجفف المغطى بأوراق النخل، وهو كما شاهدناه عند شعب نافيس في فيلم آفاتار الذي كان يعيش في تناغم تام مع بيئته ويبجلها ويبجل أحد جبالها .

لكن ولسوء الحظ يبدو أن هذا الجبل المقدس عند شعب دونجرياكونذ يحوي أيضاً أحد المعادن النفيسة الذي ستقوم إحدى الشركات باستخراجه من هناك عما قريب ووفقاً لتقديرات الشركة فيدانتا ريسورس، فإن تلال نياميجيري تحوي على ما يقل عن 76 مليون طن من معدن البوكسيت الذي يستخرج منه الألمنيوم .

وبالطبع فإن منجماً مفتوحاً كهذا في الهواء الطلق سيمكن الشركة المستثمرة فيدانتا من استخراج 3 ملايين طن سنوياً من هذا المعدن وهو ما سيجعل الهند إحدى أكبر الدول المنتجة للألمنيوم في العالم .

ومن أجل ذلك لن يضر بلداً مثل الهند أن تنقل هذا الشعب من مكان إقامته إلى السهول بحثاً بالطبع عند الفائدة العامة لأن إقامة منجم مفتوح ومصنع لتحويل البوكسيت الذي أقيم أصلاً عند سفح الجبل، سيوفر لولاية أوريسا الهندية نمواً اقتصادياً كبيراً علماً بأنها واحدة من أفقر الولايات في الهند .

ويقول بافان كوشيك المكلف بوحدة الاتصالات لدى شركة فيدانتا إن الشركة استثمرت بالفعل أكثر من 1،6 مليار يورو في المصنع كما أن بناءه أسهم في توظيف أكثر من 5 آلاف شخص من الولاية وغيرها . ويضيف كوشيك أن الشركة شيدت قرية جديدة للأشخاص المتضررين من هذه الأعمال بمنازل مبنية من الاسمنت مع مدارس ومستوصفات وذلك لتعويض سكان القرى الذين اختفت أو ستختفي بيوتهم جراء أعمال التنقيب واستخراج المعدن وتشييد محطة التكرير . ويشير بافان إلى أن الشركة التزمت باستثمار 5% من عوائدها أي ما يعادل 1،6 مليون يورو من أجل مشروعات التطوير المحلية، فعلى سبيل المثال مولت الشركة في يناير/كانون الثاني الماضي حملة للتطعيم ضد مرض شلل الأطفال وهو مرض خطير يجتاح الكثير من المناطق في شبه القارة الهندية، كما أنه تم توظيف 76 شاباً تابعين للعائلات المنتقلة في الشركة وبمرتبات تزيد بثلاثة وأربعة اضعاف على ما كانوا يتقاضونه قبل انخراطهم في الشركة .

حجج واهية

وإزاء هذه البراهين والحجج والمساعدات التي قدمتها الشركة المستثمرة، رأت منظمة سرفايفال وهي منظمة غير حكومية تدافع عن حقوق السكان الأصليين أن حجج شركة فيدانتا واهية ولا تقوم على أساس لأن هذا المنجم المفتوح في الهواء الطلق سيدمر البيئة في دونجرياكونذ وستذهب أدراج الرياح الملوثة، طريقة عيش هذا الشعب وثقافته وهويته على حد قول جون باتريك رازون مدير سرفايفال فرانس .

ويشير رازون إلى أن مواجهة شعب دونجيريا لحياة الحداثة ستجعلهم يتركون حياة الصيد وقطف الثمار ويستبدلونها بالزراعة أو العمل كعمال غير حرفيين ناسين بذلك المعارف التي اكتسبوها حول الغابة والأعشاب والنباتات الطبية والفاكهة الصالحة للأكل أو الاستهلاك، ما يعني أن عاداتهم وتقاليدهم وقيمهم وثقافتهم كشعب ستذوب مع تلك التي سيجدونها لدى سكان السهول، وستختفي إلى غير رجعة ثقافة شعب الدونجيريا .

ويقول لودو سيكاكا زعيم قرية لاخ بادار من خلال الفيلم الذي صورته منظمة سرفايفال حول هذا المكان لجذب انتباه الآخرين إلى ما سيصار إليه مصير شعب الدونجيريا:

في البداية، وقع بعض سكان القرية ضحية الفاقة ومتطلبات محطة التكرير واستقبلوا الشركة بأذرع مفتوحة، ولكن بدأوا يدركون الآن أنهم اخطأوا لأنهم يعيشون عيشة الكلاب، بل فهموا أنهم فقدوا أرضهم وبيوتهم للأبد .

غابات جرداء

تخشى منظمة سرفايفال من كارثة بيئية وصحية في المنطقة، إذ إن تحويل البوكسيت إلى الألمنيوم يصاحبه الكثير من النفايات السامة أو ما يسمى بالطين الأحمر والذي تختزنه شركة فيدانتا في أحواض الاحتباس أو الحجر . وعندما تجف هذه الأحواض، فإنها تطلق غباراً أحمر فائق النعومة والدقة وينتشر في الهواء وفوق التربة ثم ينفذ إلى الآبار الجوفية ووفقاً لدراسة أجريت بناء على طلب من وزير البيئة الهندية، فإن سكان المنطقة يعانون من تهيجات في العيون والرئتين لاسيما سكان قرية رونجوبالي الواقعة إلى جانب أحد خزانات الطين الأحمر حيث لقي حتى الآن 13 شخصاً حتفهم جراء مشكلات تنفسية بسبب غبار الطين الأحمر المنتشر في كل الأرجاء، كما نفق ما بين 200 - 250 بقرة وماعز أيضاً للسبب ذاته .

وأمام هذا الوضع الجديد الكارثي على سكان القرى، نظم شعب دونجيريا وقبائل أخرى مهددة بافتتاح منجم للبوكسيت، مظاهرات بالتعاون مع منظمة سرفايفال وامنستي انترناشيونال، عبروا خلالها الغابة ووصلوا على شكل مجموعات بشرية متصلة إلى سفوح تلال نيام جيري وذلك بغية اقفال الطرق الموصلة إلى جبلهم .

ولكن ماذا يمكن لشعب صغير مثل الدونجيرياأن يفعل أمام سياسات اقتصادية بهذا الحجم؟

وجاء ظهور فيلم مثل آفاتار كان بمثابة طوق نجاة استندت إليه منظمة سرفايفال، ونشرت المنظمة في الثامن من فبراير/شباط الماضي في مجلة فارياتي الأمريكية المخصصة لصناعة السينما، مقالاً أجرت فيه نشابهاً بين وضع سكان نافيس التخيلي في آفاتار وحالة شعب دونجيريا وناشدت مخرج آفاتار جيمس كاميرون بالقول: إننا شاهدنا آفاتار التخيلي على أرض الواقع في دونجيريا كونذ بالهند، وندعوك إلى الدفاع عن أرض هذا الشعب ضد الشركة المستثمرة وبما إننا شاهدنا فيلمك، فعليك أن تشاهد فيلمنا نحن أيضاً .

ولكن هل سيرد جيمس كاميرون على نداء شعب دونجيريا كونذ؟ ولو فعل ذلك، فهل سيؤثر رده على أرض الواقع وهل يمكن أن يغير الحال الجديدة . وأياً كان الحال فإنه بفضل هذا النداء بدأت قضية شعب دونجيريا كونذ بالوصول إلى المجتمع الدولي على حد قول جون باتريك رازون، والحقيقة أن كلام رازون ليس من باب الحشو بل يعلم هذا الرجل عما يتحدث لأن منظمة سرفايفال استخدمت هذه الطريقة قبل ذلك لتوجيه الأنظار إلى شعب قبلي مهدد، ففي العام 2006 وبعد ظهور فيلم بلود دياموند ماسة الدماء للمخرج ادوارد زويك والذي قام ببطولته ليوناردو دي كابريو والذي يعرض قصة معاناة مؤلمة جداً في إفريقيا أساسها نهب البيض لثروات القارات الذهب والماس والنفط وترك شعوبها ضحية للحروب والنزاعات والجرائم حتى تنتهي بالفقر والجوع، اطلقت منظمة سرفايفال نداء للممثل دي كابريو ليدافع عن شعب البوشمان في بوتسوانا الذي طرد من أرضه في صحراء كلاهاري من أجل أن تفتح شركة دوبيرز مناجم لاستخراج الماس .

ويبدو أن الممثل دي كابريو لم يستجب لنداء شعب البوشمان، إلا أن هؤلاء كسبوا معركتهم أمام القضاء وحق الرجوع إلى أراضيهم .

كسب المعركة

والآن هل سيكسب شعب دونجيريا قضيته على غرار شعب البوشمان وهل سيعود إلى أرضه وجبله؟ الواقع أن الأمر كله متعلق بقرار وزارة البيئة الهندية التي وبعد أن راجعت التقرير الذي طالبت به، ستقرر ما إذا كانت ستوافق على منح شركة فيدانتا إذناً باستغلال الغابات وبالتالي البدء في العمل في المناجم لاستخراج الألمنيوم ما يعني أن مصير شعب دونجيريا سيقرر خلال بضعة أشهر فقط .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"