كتب وكتّاب

12:26 مساء
قراءة 11 دقيقة
يتتبع الباحث الفرنسي موريس سارتر أستاذ التاريخ القديم في جامعة فرانسوا رابليه تور وعضو معهد فرنسا الجامعي الذي كرس جل نشاطه العلمي لدراسة حوض البحر الأبيض المتوسط الشرقي المهلن وفي كتابه سوريا في العصور الكلاسيكية الهلنستية الرومانية جوانب من تاريخ سوريا التي شكلت عبر العصور الكلاسيكية من البحر المتوسط إلى ضفاف الفرات بين الجبال والصحراء، إقليماً شاسعاً للتبادلات والمرور .

إقليم شاسع للتبادلات من "المتوسط" إلى ضفاف الفرات

"سوريا العصور الكلاسيكية" ملتقى الشعوب

دمشق - خالد الأحمد:

ينقسم الكتاب الذي صدرت ترجمته عن الهيئة السورية للكتاب في دمشق مؤخراً بترجمة محمد دنيا إلى خمسة فصول وهي على التوالي ثلاثة آلاف سنة من التاريخ، ألق المدن، حضارة قامت على التبادل، الفلاحون، الرعاة، الرحل، عوالم الآلهة ويضم الكتاب ما يسميه المؤلف شهادات ووثائق تناول فيها المدن السورية القديمة وطريقة الحياة على الطريقة الإغريقية، ووضع المترجم ثبتاً للمصطلحات والإعلام والأماكن الواردة في الكتاب .

في مستهل الفصل الأول يرى المؤلف أن سوريا كانت موجودة على ملتقى الامبراطوريات والشعوب، ويرى المؤلف سارتر أن السمة الأبرز في تاريخ سوريا خلال الألفين الثانية والثالثة هي دون شك عدم قدرتها على إفراز سلطة قوية ومركزية، وكان نجاح المدينة، المركز الحضري والوحدة السياسية الأساسية في الوقت نفسه واضحاً منذ الألف الثالثة وفي المقابل كانت كل مدينة تدافع عن استقلالها بحرص شديد، واستقبلت سوريا بالتتالي موجات عديدة تميزت بشكل خاص باللغة وأسماء العالم ولزمن طويل أُطلق على أقدم ساميي الشرق الأوسط اسم الكنعانيين . ويدرس المؤلف ما يسميه زمن الممالك الكبرى في سوريا مثل ماري وإيبلا وبيبلوس وأوغاريت، وقد شهدت هذه الممالك كما يقول نحو 2300 تدمير مفاجئ وعلى أنقاضها أعاد القادمون الجدد العموريون وهم ساميون أيضاً بناء ممالك قامت أقواها في ماري في ما بين النهرين وكركميش جرابلس على الفرات وحلب مملكة يمحاض وإيبلا وقطنا في سوريا الشمالية، وخلال الألف الثانية تعرضت هذه المدن لتقلبات عديدة خاصة في إطار صراع الإمبراطوريات .

في الفصل الثاني من الكتاب يدرس المؤلف ازدهار بعض المدن السورية التي ازدانت عبر حقبة الإمبراطورية الرومانية بأوابد رائعة، وشوارع بأروقة وأقواس ومعابد ومسارح وحمامات حارّة شكلّت دلالة جلية على ازدهار الحياة الحضرية التي ارتكزت إلى رخاء مذهل، وإذا كانت سوريا قد شهدت منذ الألف الثانية قبل الميلاد حضارة مدينية مزدهرة، فإن كبريات مدن عصر البرونز ماري تل الحريري وإيبلا تل مرديخ والألالاخ تل عطشانة وقطنة المشرفة وأوغاريت رأس شمرا دُمرت بمعظمها وأُهملت أو انهارت بشكل كبير في الاضطرابات نحو 1200 قبل الميلاد، واحتفظت حلب وحماة وحدهما بنشاط هام بعد استيطان الآراميين، تُضاف إليهما ممالك أخرى حول زنجرلي في أقصى الشمال ودمشق في الجنوب، ونشأ بذلك محور مديني شمالي جنوبي داخل البلاد وفي الوقت نفسه ظهرت الممالك الفينيقية من أرادوس أرواد إلى عكا، متراصفة من الشمال إلى الجنوب على الشاطئ، ومع اختيار عدد كبير من الإغريق والمقدونيين لسوريا الشمالية لتكون عاصمتهم بُنيت مدن جديدة لاستقبالهم واستقر المستوطنون بشكل رئيسي في سوريا الشمالية وعلى جانبي وادي الفرات .

ويدرس المؤلف بعد ذلك تنظيم المدن وفن العمارة السورية في العصور الكلاسيكية، حيث كانت غالبية المدن السورية تحتفظ بمخطط متعامد مع محور مفضل دون إلحاق تغيير بمخطط الأسوار، إلا أن المباني العامة خضعت كما يقول للتحول والازدياد: الإحرام على الجدران العريضة على الطراز الروماني والمسارح والمدرجات وساحات السباق وأقواس النصر والأبواب الأبدية كانت ذوق العصر السائد بُنيت معابد أخرى ليست أقل فخامة مقتبسة عناصر زخرفتها من الفن الإغريقي الروماني، دون أن يمس بالبنية العميقة للمبنى، تلك كانت الحال في تدمر مع معبدي بل وبعلشمين وفي بعلبك مع مركز عبادة جوبيتر الضخم الذي استمر بناؤه ثلاثة قرون .

في الفصل الثالث من الكتاب بعنوان حضارة قامت على التبادل يرى المؤلف أن سوريا كانت على الدوام ملتقى الكثير من تيارات التبادل، وخلال العصر الإغريقي الروماني تمتعت المرافئ على شاطئ المتوسط كما الواحات في الصحراء برخاء استثنائي وكانت المرافئ الفينيقية منذ العصر الهلنستي تستقطب حمولات البضائع الآتية من حوض بحر إيجة وكان الفينيقيون معتادين منذ زمن طويل على التردد إلى مجمل أرجاء البحر المتوسط، غير أن إقامة الإغريق في سورية وتهللُن الأعيان المحليين السريع أفرز حاجات جديدة: لزوم استيراد المنتجات التي اعتبرت حتمية وكانوا قد اعتادوا عليها، وارتكز ثراء المدينة إلى وضعها كمدينة تجارية بين البحر المتوسط وما بين النهرين في منتصف الطريق بين الشاطئ والفرات وأجاد التدمريون تقديم وسائط النقل الضرورية للتجار كالجِمال والأدلاء والخفارة العسكرية التي يستحيل دونها عبور الصحراء .

أما الفصل الرابع من الكتاب وهو بعنوان الفلاحون الرعاة الرحل فيتناول فيه المؤلف حالة الأرياف في سوريا خلال الفترة التاريخية التي يدرسها ويرى أن غالبية السكان كانت تعيش في الريف، وقد حفظت الأرياف السورية الآثار المذهلة لحياة الريف القديمة، وسواء تعلق الأمر بقرى حوران ومعابد الجبل اللبناني أم ب المدن الميتة شمال سوريا فليس هنالك منطقة لا تحمل علامة مرئية عن الحضارة القروية لسوريا الإغريقية الرومانية، وتتباين ثروة سوريا الزراعية التي تسود هذه الأرياف وفقاً للقطاعات غير أن البلد في مجمله كان ينطوي على إمكانات كثيرة مع ري أو بدونه وتبوأت تربية الماشية موقعاً مهماً، وكانت البيوت الريفية تُبنى وفق مخطط واحد عبارة عن بناء مستطيل يتقدمه فناء بطابقين: الطابق الأرضي للاستثمار والآخر للسكن وتوفر لنا المعاصر ومعامل الزيوت المشادة في الحقول أو على مقربة منها معلومات حول النشاطات الرئيسية وغالباً ما يوجد معبد في المكان أيضاً وهذا يشير إلى أن المسيحية دخلت منذ وقت مبكر جداً إلى هذه القرى التي نكتشف فيها منذ القرن الخامس كنائس وأديرة .

وأما الفصل الخامس من الكتاب فحمل عنوان عوالم الآلهة وفيه يرى المؤلف أن كل الآلهة موجودة في سوريا القديمة، آلهة الشعوب السامية منذ أمد بعيد، وآلهة الإغريق والرومان وغيرها أخرى جاءت من مصر ومن أنطاكية، وكان لكل مدينة فينيقية مجمع آلهتها الخاصة بها .

التقت الخليج مترجم الكتاب محمد دنيا الذي حدثنا عن أهمية هذا الكتاب ومؤلفه قائلاً: مؤلف هذا الكتاب موريس سارتر أستاذ التاريخ القديم في جامعة فرانسوا رابليه تور وعضو معهد فرنسا الجامعي كرس جل نشاطه العلمي لدراسة حوض البحر الأبيض المتوسط الشرقي المهلن والتزم بنشر مجموعة التسجيلات الأثرية الإغريقية واللاتينية في سوريا، نشر منها المجلدات المتعلقة ببصرى 1982 والبتراء 1993 ومن كتبه المطبوعة الشرق الروماني الأقاليم والمجتمعات الريفية في حوض المتوسط الشرقي من أوغسطس إلى سلالة ساويرس ومن آسيا الصغرى وأناضول الإسكندر إلى ديوقليتيانس والإسكندر إلى زنوبيا ويأتي كتابه هذا ليسلط الضوء على مرحلة من أهم مراحل التاريخ وهي مرحلة العصور الكلاسيكية الهلنستية الرومانية التي شكلت سوريا خلالها إقليماً شاسعاً للتبادلات والمرور من البحر الأبيض المتوسط إلى ضفاف الفرات بين الجبال والصحراء وخلال ألف عام من الإسكندر حتى ظهور الإسلام امتزجت فيها ثقافات الفينيقيين والآراميين والعرب واليهود والإغريق ثم الرومان وشكلت أنطاكيا وأفاميا وصور وصيدون وبصرى وتدمر الإطار المدني المميز للحضارة الإغريقية اليونانية، ويركز المؤلف سارتر في كتابه على الأرياف السورية التي شهدت ازدهاراً واسعاً إلا أن الإغريق والرومان لم يفرضوا نموذجاً للتنظيم الاجتماعي ولا لغة ولا آلهة وأمكن لكل واحد أن يعتنق الثقافة الجديدة أو لا يعتنقها، مشجعاً الامتزاج والتوفيقية في الوقت نفسه وأصبحت سوريا أيضاً المنفتحة على كل العبادات والقريبة من مهد الديانات التوحيدية الكبرى أحد مراكز المسيحية الوليدة .

* * *

3 رصاصات في الرأس أغلقت الملف

البرنسيسة والأفندي . . قصة هزت العرش

القاهرة - الخليج:

كان الكاتب صلاح عيسى يتهيأ لتأليف كتاب بعنوان الصحافة المصرية في معركة الديمقراطية يؤرخ فيه للدور الذي قامت به الصحافة دفاعا عن حرية الرأي والضمير، بين عامي 1950 و1954 حين تصدت ببسالة لمحاولات تقييد حريتها، التي بدأت بقانون أنباء القصر، وظلت تقاوم إلى أن أدركتها أعاصير أزمة مارس/آذار 1954 . كان ذلك عام ،1976 في ذلك الحين

اكتشف صلاح عيسى الصلة بين قصة زواج البرنسيسة فتحية والأفندي القبطي رياض غالي وبين محاولات القصر الملكي لتطويع الصحافة المصرية ووضعها في قفص ما كان يسمى النظام الاجتماعي، فاكتفى عيسى بإشارة عابرة إلى قصة البرنسيسة والأفندي في مقدمة الكتاب، وإن كان قد جمع مادتها من الصحف والمصادر الأخرى .

بينما كان عيسى يراجع مخطوط الفصل الأخير من كتابه الصحافة المصرية في معركة الديمقراطية نقلت وكالات الأنباء العالمية في يوم السبت 11 ديسمبر/كانون الأول 1976 خبراً من مدينة لوس أنجلوس الأمريكية، يقول إن طالبا في كلية العلوم في جامعة لوس أنجلوس اسمه رفيق رياض غالي توجه إلى إحدى البنايات حيث يقطن والده وحيدا في شقة صغيرة بالدور الأول منها لكي يسأل عن أمه البرنسيسة فتحية التي خرجت في مساء اليوم السابق، لكي تزور الأب في مسكنه ولم تعد منذ ذلك الحين . وفي بادئ الأمر ظن الابن أن زيارة الأم البرنسيسة إلى شقة الأفندي الأب، قد أذابت جبال الجليد التي فصلت بينهما منذ عشر سنوات، وذلك بعد خلاف حاد نشب بينهما وأدى إلى انفصالهما، لكن القلق عاوده حين همّ بالانصراف، فعاد إلى الشقة ليدخل من نافذة المطبخ، وفوجئ بما لم يكن يخطر على باله، كانت البرنسيسة تجلس في أحد أركان الغرفة في بركة من الدماء، وقد فارقت الحياة، وعلى شيزلونج في ركن الغرفة استلقى رياض أفندي غالي في غيبوبة كاملة وقد لوثت الدماء كل شيء حوله، وبين الجثتين وجدت الشرطة مسدسا بلا طلقات وزجاجة فودكا ملوثة بالدماء .

كانت تلك النهاية المأساوية لحكاية البرنسيسة فتحية صغرى أخوات الملك فاروق وأجملهن، والتي تحدت الجميع بالزواج من أفندي قبطي، عمل في مقتبل حياته موظفا بوزارة الخارجية المصرية، ووضعته الأقدار في طريق الأميرة الصغيرة (17 سنة آنذاك) والملكة نازلي الأم، فبدأت المأساة في تلك اللحظة التي كان فيها رياض غالي مكلفا باستقبال الملكة وابنتيها ضمن آخرين، في ميناء مارسيليا الفرنسي .

ومنذ أن تلقى صلاح عيسى خبر مقتل الأميرة (في العام 1976)، أخذ يعمل على تأليف الكتاب الذي أصدرته حديثا دار الشروق في حوالي 640 صفحة، وكان الزمن قد أضاف إلى ما جمعه من مادة معلومات جديدة حملتها إليه مذكرات الزعماء السياسيين المصريين، وأغلبها يدور حول الحياة الخاصة بالأسرة المالكة المصرية، واضطر عيسى إلى العودة لمسح الصحف المصرية بين العشرينات وأوائل الخمسينات، ورغم أن هذه الصحف لم تكن حرة تماما في نشر هذا النوع من المعلومات، ساعدته المادة التي أمدته بها الصحف في تدقيق تواريخ بعض الوقائع وفي متابعة تطوراتها، ما أسهم في إعادة بنائها على نحو يخلو من التشويش، وأمدته بتفاصيل لم يكن ممكنا الاستغناء عنها، وفضلا عن ذلك كله مكنته من تتبع خريطة العلاقات داخل الأسرة المالكة المصرية التي تتسم بدرجة كبيرة من التعقيد، خاصة بعد أن توزع أفرادها في أعقاب ثورة 1952 في الشتات .

يقول صلاح عيسى: ومع أهمية الصحف كمصدر للمعلومات لا يمكن إهماله فقد وضعت في اعتباري أن الظروف السياسية الآنية تؤثر فيما تنشره بحيث يصعب تنزيهه عن شبهة الدعاية والدعاية المضادة، وكما أن المرويات التي نشرتها هذه الصحف في منتصف الثلاثينات وعقب تولي الملك فاروق العرش كانت تتسم بالمبالغة في الدعاية له، فإن المرويات التي نشرتها هذه الصحف عنها عقب عزله عن العرش كانت تتسم كذلك بالمبالغة في الدعاية ضده، وربما لهذا السبب تعامل عيسى بحذر مع المرويات الصحافية عن الأسرة المالكة المصرية بما في ذلك مرويات شهود عيان، مثل مصطفى أمين، الذي قام بعد الثورة بتحقيق جذور الخلاف بين الملكة نازلي وابنها الملك فاروق ووقائع زواج البرنسيسة فتحية من رياض غالي، وكانت طريقة مصطفى أمين في عرض المعلومات تتسم بالمبالغة والخيال وتعمد الإثارة .

وقد فرض ذلك على عيسى أن يخضع كل المرويات التي اعتمد عليها كتابه إلى نسب متدرجة من الشك العلمي في مصداقيتها، طبقا لمدى قرب المصدر من الحدث وطبيعة الدوافع التي تقف وراء روايته فتدفعه إلى الانحياز أو التحامل، كما فرض ذلك عليه أن يقارن بين الروايات المتعددة للواقعة الواحدة، فإذا تناقضت بشكل يستحيل معه التوفيق بينها رجح إحداها استنادا إلى السياق العام للأحداث والسلوك العام للشخصيات وتفسيره الخاص للظاهرة .

ويبرر صلاح عيسى طريقة اختياره وكتابته حدث زواج الأميرة فتحية من رياض غالي بأنه يريد للتاريخ أن يكون جلسة سمر، وما اختاره من تاريخ وطنه (مصر) هو أيام وأحداث وشخصيات لم يجد المؤرخون المحترفون حماسة أو وقتاً للكتابة عنها، مع أنها طبقاً لوجهة نظره تتفجر بالدلالات على عصرها .

الكتاب منشور في شكل مختلف، اعتاده قارئ صلاح عيسى، ويضم مجموعة من الصور الفوتوغرافية النادرة والرسوم واللوحات التاريخية، بغرض نقل القارئ إلى الثقافة البصرية، وإلى الزمن الذي جرت فيه الحوادث لإعادة تخليق الماضي بكل مفرداته .

بدأت حكاية البرنسيسة والأفندي في صيف العام 1946 عندما توجهت الملكة نازلي إلى ميناء مارسيليا بغرض العلاج من آلام حادة في الكلى، وكان ضمن مستقبليها رياض غالي، الشاب القبطي الذي كان يعمل موظفاً في القنصلية المصرية، وفي المرة الثانية التقى بالملكة وابنتها وجها لوجه، حين طلبت من القنصلية من ينقل حقائبها إلى الفندق الذي تسكنه . وكان ذلك فرصة لأن يتقرب الشاب القبطي المصري من الملكة وابنتها، حتى إنها جعلته مستشارها، وكانت شقة الخلاف بينها وبين الابن (الملك فاروق) تتعمق يوما بعد يوم، وكان اتخاذها قرار السفر إلى أمريكا، إيذانا بعدم العودة إلى مصر نهائيا، وهناك وجدت الأميرة الصغيرة (كان عمرها آنذاك 17 سنة، حين دخلت أمها المستشفى لإجراء جراحة صعبة) انه ليس أمامها سوى رياض غالي يسهر على راحة الأم بجانبها، وكان ذلك بداية علاقة، هزت عرش مصر، وانتهت بمأساة وجريمة لوس أنجلوس .

باركت الأم الزواج غير المتكافئ بكل المعايير ولم ترضخ لتهديدات الابن، ووثقت برياض غالي أكثر من ثقتها بابنها، وأسلمت له كل مقاليد الأمور، ما دفعه إلى استثمار أموالها في البورصات الأمريكية، بناء على توكيل عام من الملكة والأميرة، لكنه كان يتعرض للخسارة باستمرار، حتى إنه رهن الفيلا التي كانت تقيم فيها الملكة، التي فوجئت بنفسها معرضة للطرد منها، ولم تجد مأوى لها إلا لدى أسرة يهودية مصرية هاجرت إلى أمريكا في أعقاب الثورة .

وتأزم الموقف بين الأميرة فتحية ورياض غالي حين قام بصفع الأم الملكة أمامها فتقدمت إلى المحكمة بطلب الانفصال عن زوجها، والذي استمر لمدة عشر سنوات حتى أطلق رياض غالي 3 رصاصات على رأس الأميرة، وأطلق الرصاصة الرابعة على رأسه، لكنه نجا من الموت وتعرض للمحاكمة وحكم بالسجن مدة تتراوح بين خمس وخمس عشرة سنة، وبعد ستة أسابيع من صدور الحكم، في أول يونيو/ حزيران ماتت الملكة نازلي ودفنت إلى جوار ابنتها في مدافن الكاثوليك في لوس أنجلوس، حيث كانت قد اعتنقت المسيحية هي وابنتها قبل فترة من موتهما، كما أن رياض غالي عاد إلى ديانته، وبعد أشهر قليلة مات رياض غالي وأغلق ملف البرنسيسة والأفندي .

* * *

الصحوة في ميزان الإسلام

بيروت - الخليج:

صدر عن شركة رياض الريس للكتب والنشر بيروت كتابان جديدان أولهما الصحوة في ميزان الإسلام- وعّاظ يحكمون عقول السعوديين للباحث الدكتور علي بن محمد الرباعي، والثاني فتنة جدة للصحافي والقاضي السعودي موسى العلوي .

في الأول يرصد الدكتور في الفقه والقانون ومدرّس العلوم الشرعية، والعضو السابق في الصحوة السعودية والصحافي علي بن محمد الرباعي ظاهرة الصحوة مُخضعاً إياها لميزان الشرع، مقدماً للقارئ نبذة تعريفية وتاريخية عن مصادر نشأة معظم التيارات الإسلامية، ونقداً علمياً لرجالاتها فكراً وممارسات، عارضاً الاشكاليات المطروحة على كل لسان ومنها: علاقة الدين بالمنظمات الدينية والوعاظ، وماذا يجمع بينهما؟ وهل الإسلام دين ودولة، وهل هؤلاء المنصبّون أنفسهم حراساً على الدين معتدون أم ضحايا؟

كذلك يتضمن الكتاب دراسة نظرية وأخرى ميدانية عن أفكار الأئمة السلفيين والمتأثرين بهم، مما يزيل الإبهام عن الكثير مما قيل ويقال عن هؤلاء الوعاظ الذين يتكاثر اتباعهم وينتشرون في أنحاء العالم بأفكارهم وأموالهم وأسلحتهم .

وفي الثاني يروي المؤلف ما شهده ميناء جدة الشهير من الأحداث والفتن، أهمها فتنة عام 1858 حين أنزل صالح جوهر التاجر الوطني العلم الانجليزي عن سفينته ورفع العلم العثماني، فحضر القنصل الانجليزي وأنزل العلم العثماني وداسه فهاج الناس وماجوا وقتل القنصل البريطاني والقنصل الفرنسي ومساعده وعشرات النصارى، وقصفت جدة من السفن المستعمرة ولم تهدأ الحال إلا بعد إعدام العشرات من أهل المدينة وإصابة الآلاف بمرض الكوليرا .

فتنة جدة رواية تاريخية مشوقة بأسلوب رومانسي ولغة سهلة على لسان أبطالها المعروفين: التاجر صالح جوهر والوالي نامق باشا والجريح منصور التهامي . . وفتنة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"