كتّاب: المؤسسات الثقافية لا تضطلع بدورها

04:05 صباحا
قراءة 7 دقائق

** الشارقة: محمدو لحبيب وعلاء الدين محمود

أكد عدد من الكتاب والمثقفين ندرة المترجم الإماراتي في الساحة الأدبية، ورأى البعض أن الظاهرة لا تتعلق بالإمارات، وحسب، ولكن هناك تراجع في أعداد المترجمين المحترفين والمتميزين في الساحة العربية نفسها، والذين لا يتعدون أصابع اليدين، وذهبوا إلى أن الترجمة مهنة شاقة، وتحتاج إلى تكوين، وتراكم، فضلاً عن عائدها المادي المتواضع، الأمر الذي يدفع دور النشر المحلية نفسها إلى التعاقد مع مترجمين من بلدان أخرى، ولفتوا إلى أهمية وجود المترجم الوطني، فهو وحده الذي يستطيع أن ينقل الأدب المحلي بطابعه الخاص إلى الآخرين، وطالبوا المؤسسات الثقافية خاصة المعنية بالترجمة بالقيام بدورها الغائب في إعداد المترجم الإماراتي.
الكاتب الشاب المهتم بمسائل النقد الافتراضي محمد حسن المرزوقي، يرى أن غياب المترجم الأدبي يعود إلى عدة أسباب، ويفصّل المرزوقي في تلك الأسباب فيستدعي مقارنة بين واقع حرية الكتابة في الإمارات وغيرها من البلدان، ليخلص إلى القول: «نحن هنا نتمتع بسقف عال من الحريات، ومع ذلك لا يزال الكاتب والمترجم يمارس رقابة ذاتية على نفسه، وحين يهم بترجمة عمل من إحدى اللغات الأجنبية والثقافات المختلفة، يحجم عن ذلك، لأنه لا يريد أن يصطدم ببعض عادات المجتمع، أو بعض أعرافه وأسس ثقافته».
ويشدد المرزوقي على أن من بين الأسباب الأخرى التي قد تؤدي لعزوف الإماراتيين عن مهنة الترجمة الأدبية، هو أنها مهنة صعبة، وليس بالضرورة أن ينجح فيها أي مترجم، ويقول: «قلة فقط في العالم العربي هي من نجحت في أن تكون نجوماً بارزة في الترجمة، واستطاعت أن تنافس الكتاب العالميين على أغلفة الكتب التي تترجمها، لقد أجادت مهنتها، وهذا أمر صعب جداً ويتطلب إجادة، وخبرة، لذلك فهي مهنة ليست جاذبة للكثيرين، ومن ضمنهم الإماراتيون طبعاً».
ويؤكد المرزوقي أن ثمة محاولات مبشرة ولها مستقبل مضمون في مجال الترجمة، ويقول: «هناك تحولات تحدث في ذلك المجال، بدأت بعض الشخصيات تبرز في مجال الترجمة، وتبشر بمستقبل زاهر لها، ومن بينها سلطان فيصل الرميثي الذي ترجم المجموعة القصصية «عَمَّ نتحدث حين نتحدث عن الحب» للكاتب الأمريكي والشاعر ريموند كارفر، وفاز بجائزة العويس للترجمة لسنة 2019».

غياب أكاديمي

الكاتبة والأديبة ومديرة دار ورق للنشر، عائشة سلطان، ترى أن للأمر أبعاداً عميقة متعلقة من جهة بالمسألة الأكاديمية، وغياب، أو محدودية كليات الترجمة الأدبية في الدولة، وتقول عن ذلك: «عدم وجود، أو قلة الكليات المهتمة بتخريج مترجمين أدبيين في الدولة، يعد سبباً رئيسياً في نظري، فليس هناك اهتمام حقيقي بذلك رغم الجهود التي تبذلها الدولة في سبيل تطوير الترجمة عبر المؤسسات المعتمدة لذلك والميزانيات المرصودة لذلك».
وتضيف سلطان أن العائق الثاني الذي يجسد غياب الإماراتي عن ذلك المجال يتجلى في عزوف الفرد هنا عن الاتجاه نحو احتراف مثل هذا النوع من الترجمة، وتقول: «لا يشكل هذا المجال مصدر اهتمام من الفرد هنا، وحسب علمي قلة فقط هي من تشتغل فيه، وهي بالمناسبة ليست متخصصة فيه».
وتشدد سلطان على أنه في غياب المتخصصين في هذا المجال ينبغي تشجيع كل من يتصدى لمجال الترجمة الأدبية، حتى ولو لم يكن متخصصاً فيه في الأصل، لأن البعض يبدع في ذلك نظراً لعدة عوامل، من بينها إجادته للغات، ومن بينها كذلك حسه الأدبي، وتذكر تجربة الرميثي الآنفة الذكر كمثال على ذلك فتقول: «إنه متخصص في الإحصاء، لكنه مترجم جيد، فقد حصل على جائزة أفضل عمل مترجم في جوائز العويس لهذا العام».

جسر

جمال الشحي مدير دار نشر «كُتّاب» يتساءل عن دور جمعية الإمارات للترجمة، ويقول: «أين هي جمعية المترجمين تلك التي أشهرت منذ بضع سنوات؟، لم نعرف شيئاً عن نشاطاتها، ومدى مسؤوليتها عن تضاؤل حضور المترجم الإماراتي».
كذلك يؤكد الشحي أن غياب الجوائز في مجال الترجمة، أو محدوديتها، ينعكس بدوره على غياب المترجم الإماراتي، ويشدد على ذلك قائلاً: «الترجمة جسر لفهم الثقافات والتواصل مع الآخر، وأنا أتعجب من عدم وجود جوائز كثيرة للترجمة الأدبية، إن غياب التحفيز المناسب يؤدي حتما إلى غياب المترجم الأدبي المحلي».
وربط الشحي بين الترجمة الأدبية والنشر، وتطور كل منهما، فقال: «أنا أعتقد أن هناك مسؤولية كذلك على دور النشر أن تفتح الباب للمترجم المحلي، وتشجعه، كما أن المترجمين المحليين لا بد أن يبادروا كما بادر الناشرون، وصنعوا لأنفسهم وجوداً في الساحة، عند ذلك يمكن للدولة أن تتبناهم كما تبنت الناشرين، وتعطيهم حوافز، وتهيئ لهم القوانين التي تمدهم بتسهيلات لعملهم، وتضمن تواجدهم في السوق والمجال بقوة»، وأضاف قائلاً: «الآن هذا هو الوقت المناسب حقاً لظهور المترجمين».

منافسة

الشاعر والناشر علي الشعالي الذي ترجمت هيئة الشارقة للكتاب ضمن مُترجَماتها من الأدب الإماراتي، مجموعته الشعرية «للأرض روح واحدة» إلى اللغة الفرنسية، يرى أن مجال الترجمة الأدبية صعب، ويؤكد أن غياب المترجم المحلي، يعود إلى المنافسة التي يلقاها في السوق، ويقول: «هناك تنافس حقيقي، وإذا كان بعض المترجمين من جنسيات أخرى يمتلك خبرة جيدة، ويأخذ ربع السعر الذي يطلبه المترجم المحلي، فسيقع الاختيار طبعاً عليه، وعلى المترجم الإماراتي أن يبدي استعداداً أكبر، وأن ينافس حقاً كي يجد مكانه»، ويضيف قائلاً: «إذا سألني أحد كناشر: هل تبحث عن مترجم إماراتي؟ سأقول له: للأسف لم يقدم لي ما يثبت أنه مستعد لكي ينافس».
ويؤكد الشعالي أن المسألة لا تتعلق بضعف التكوين، أو غيابه في مجال الترجمة الأدبية، ويرى أن الموضوع هو اختيار مهنة فقط، ويقول: «التكوين موجود، وهناك خريجون في هذا المجال، وأعرف بعضهم شخصياً، لكن المسألة أن بعضهم اتجه للاشتغال على الأدب، وترك الترجمة، هذا يعود لاختيارات شخصية للمهنة، ويتعلق كما أسلفت سابقاً بضوابط السوق، والرواتب والمكافآت الكبيرة».
ويرى الشعالي أن ثمة عقليات أيضاً في المجتمع لا تشجع على التخصص في الترجمة الأدبية، ويقول: «البعض حين يقرر ابنه، أو ابنته أن يدرس الترجمة، يرفض ذلك، ويوجهه نحو اختيار تخصصات أخرى يرى أنها تدر دخلاً أكبر، ويليق بتطلعاته».
ويختم الشعالي محمّلاً المسؤولية لمشاريع الترجمة في الدولة، ويقول: «المترجم لا يكفي أن يتخصص في المجال كي ينافس، لا بد أن يملك مهارات وتجربة تأتي عن طريق تكوين مباشر في الميدان، وهنا أحمّل مشاريع الترجمة المسؤولية، وأطالبها بذلك التكوين ودعم وجود المترجم الإماراتي فيها كي يكتسب خبرة وتمرساً».

قصور ذاتي

«لا يوجد مترجم إماراتي»، بهذا الكلمات استهلت الكاتبة والناشرة صالحة غابش، حديثها، وغابش تعتبر واحدة من الأديبات اللواتي ترجمت أعمالهن إلى لغات أجنبية في مناسبات مختلفة في عدد من العواصم العالمية، مثل: ساوباولو، وباريس، وتبدي غابش حسرة لكون هذه المجهودات في ترجمة الأعمال الإبداعية الإماراتية لم تأت من قبل مترجمين إماراتيين محيطين بثقافة الدولة، وعاداتها، وثقافتها، وتاريخها الاجتماعي، وترمي غابش الكرة في ملعب المترجم الوطني، فعليه هو إثبات وجوده ليستفيد الناس والمبدعون من علمه الأكاديمي الذي اكتسبه في هذا المجال، فالمتخصصون في هذا المجال هم قلة، وهذا أدعى لأن يبرزوا ويقدموا ما عندهم من مواهب وخبرات عملية وعلمية، فالساحة الثقافية تفتقد بشكل أساسي مثل هذا الجهد الذي يغيب عن معادلة الكتابة والإبداع من دون أسباب واضحة، حيث إن المؤسسات العلمية في الإمارات في توسع مستمر في كل المجالات وتجد الدعم الكبير من الدولة، كما أن المؤسسات الثقافية أفردت الجوائز في مجال الترجمة، ويبدو أن في الأمر قصوراً ذاتياً يحتاج إلى الكثير من التقصي والتحقيق لأجل كشف ملابسات غياب المترجم الغامضة.
وأكدت غابش على ضرورة أن تقدم الحلول من أجل معالجة هذه المعضلة عبر التشجيع من قبل المؤسسات الثقافية والأكاديمية، وحفظ الحقوق المادية والمعنوية للمترجمين، وتحفيزهم لأجل القيام بهذه المهمة الغائبة في الحراك الثقافي الكبير الذي تشهده الدولة، فلئن كانت جميع الأركان التي تقوم عليها الثقافة من كتابة، ونشر، وغيرهما، تشهد نهضة كبيرة؛ فإن الترجمة تلعب دوراً أساسياً في هذه العملية، ولابد من وجود مترجم إماراتي يلم بالذوق والثقافة المحلية، فكثير من الترجمات للأعمال الإماراتية تفتقد النكهة والذائقة المحلية، وهي عملية دقيقة لا يلم بها إلا أبناء وبنات البيئة والمجتمع الإماراتي، فهذه مسألة لها علاقة بالالتصاق بالتربة الوطنية، والتعمق في معرفة مفرداتها.
الكاتب الإماراتي محسن سليمان يؤكد على افتقاد الساحة الثقافية الإماراتية دور المترجم الوطني، فالمتتبع لحركة النشر في الإمارات يدرك هذا الغياب، غير أن سليمان يشير إلى أن هذا الغياب ليس كاملاً بالضرورة، فمتى ما وجدت اللغة، وجد المترجم، ودولة الإمارات تمتلك طاقات وعقولاً تتحدث أكثر من لغة، وتعمل في الحقل الأدبي، سواء ككتاب، أو في مجال النشر، بالتالي فإن المسألة تحتاج إلى إقدام قوي لدفع حركة الترجمة إلى الأمام، فالأعمال الإماراتية تستحق أن يروج لها خارج الوطن، إلى عوالم أكثر رحابة، وإلى قراء مختلفين في ثقافتهم، ومذاهبهم، وفي ظل حركة النشر الكبيرة التي تشهدها الدولة في هذه الفترة، تبرز الحاجة الملحة إلى تسليط الضوء على مترجمين إماراتيين، فهذا الغياب له تأثيره السالب في المشهد الثقافي الإماراتي الذي يتشكل عبر لوحة زاهية، وتكمن أهمية المترجم الوطني في كونه الأقدر على نقل تفاصيل اللغة والمشهد والخواص التي يتفرد بها الشعب الاماراتي، وتوصيلها للقارئ بكل اقتدار.
ويشير سليمان إلى أن كثيراً من الأعمال الإماراتية التي ترجمت إلى لغات مختلفة تفتقد إلى «العطر» الوطني، الذي لا يقدر على توفيره إلا مترجم وطني متعمق في الثقافة المحلية، فالترجمة الأدبية أبعد ما تكون عن المهنة المكتسبة بالدراسة، وما شابهها، حيث إن الترجمة فن حسّاس لأنها تنقل مشاعر وأفعالاً وأحداثاً قام بها الكتّاب من رواية، وقصة، وشعر، ومختلف أنواع الأدب، لذلك فإن المترجم في هذا الشأن أعطى لنفسه أهمية تفوق أهمية الكاتب نفسه، ويمكن للترجمة أن تنهض ببعض الأعمال المتواضعة، أو تهوي بأعمال قوية.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"