كيف نتخيل عالمنا من دون "أبل"؟

02:11 صباحا
قراءة 5 دقائق

لو افترضنا أنك طرحت بطريقة عشوائية، سؤالاً على خمسة أشخاص موجودين داخل غرفة، عن ماهية المقتنيات التي يحملونها في حقائبهم في لحظةٍ ما، فسوف يجيبك أحدهم بأنه يحمل جهاز آي فون، أو آي باد، أو ماكبوك، أو على الأقل، يحمل جهازاً يماثل بشكل لا يصدق، أحد الأجهزة المشار إليها أعلاه .

وجميع تلك الأجهزة ابتكرتها عملاقة التكنولوجيا الأمريكية أبل . وانطلاقاً من ذلك الواقع، فسواءً راقت لك أبل، أو لم ترق، يجب أن يكون مفهوماً لديك ان هذه الشركة، ورئيسها التنفيذي ستيف جوبز السابق، أعادا بشكلٍ عام، صياغة عالم التكنولوجيا، وثقافة المستهلكين، بل إن بصمات أبل، باتت جلية في كل شيء يخص ذلك العالم، بدءاً بشكل، وملمس أجهزة الكمبيوتر، والموبايل، وانتهاءً بالطريقة التي نستخدم وفقها الهواتف المحمولة، ونحمل الموسيقا .

في ذلك السياق يقول تيم بجارين، كاتب متخصص في التكنولوجيا، وكبير محللي مجموعة كريتيف ستراتيجيز، المتخصصة في الاستشارات التكنولوجية: التأثير الأكبر لشركة أبل ليس في ابتكار التكنولوجيا، وإنما في إعادة ابتكارها .

وبحسب ما يقوله بجارين، لا يمكن لشركة أبل، أن تزعم بأنها اخترعت الكمبيوتر الشخصي الأصلي، أو الهاتف الذكي، أو حتى مفهوم أبل ستور . غير أن الشيء المؤكد، هو أن كل ما تعج به السوق من منتجات في زمننا المعاصر، كانت ستبدو مختلفة كلياً لولا التأثير الذي تركته أبل .

مين ستريت .كوم طلبت من العديدين من خبراء التكنولوجيا، وضع تصور مختلف لتطورات افتراضية كان من الممكن أن يشهدها سوق الأجهزة التكنولوجية الشخصية، والمنتجات التي يمكن أن يشتريها المستهلكون اليوم، لو لم يقم ستيف جوبز، وستيف وزنياك، بتأسيس أبل في عام 1976 . وفي ما يلي بعض التصورات التي صاغها بعض الخبراء عن عالم افتراضي لا حضور لشركة أبل فيه .

انتشار بطيء للكمبيوتر الشخصي

يشار افتراضياً، إلى أن كل بيت (في الولايات المتحدة)، يمتلك حالياً جهاز كمبيوتر واحداً على الأقل . وكان من الممكن ان يختلف الوضع، وكذلك الوقت المستغرق في انتشار هذه الأجهزة، من دون أبل . فالأخيرة كانت أول شركة تطرح الكمبيوتر الشخصي على المستوى التجاري على حد قول بجارين، في إشارة إلى إطلاق جهاز أبل II في عام ،1978 الذي استهدف إلى حد كبير المستهلك العادي . ويضيف بجارين: ما أقدمت عليه أبل هو الإشارة إلى وجود سوق للكمبيوتر الشخصي، الأمر الذي دفع شركات أخرى، مثل آي بي إم، إلى الانخراط في تلك السوق .

من جانبه يقول تشارليس إس كولفين، المحلل لدى شركة فورستر المعنية بأبحاث السوق: لقد أدت أبل دور العامل المساعد في دخول الكمبيوتر في السوق الاستهلاكية، مفترضاً انه لو لم تكن أبل موجودة وقتئذٍ، لاقتصر اهتمام صناع أجهزة الكمبيوتر على الشركات الصغيرة، والجامعات فقط .

وفي ضوء ذلك الافتراض، قال بعض المحللين إن الكمبيوتر الشخصي كان سيحتاج إلى نحو أربع إلى خمس سنوات إضافية للوصول إلى المنازل . ويستطرد كولفين: ربما يمكننا الافتراض أن المستهلك العادي يمكن ان يقتني جهازي كمبيوتر، بدلاً من ثلاثة في حال غياب أبل . لكن ذلك لا يعني عدم انتشار الكمبيوتر الشخصي على نطاق واسع في الحالتين .

في الوقت الذي من المحتمل أن تتوافر فيه لدينا العديد من المنتجات نفسها في سوق اليوم من دون وجود أبل، فإن تصميمها كان سيكون على الأرجح أقل وقعاً على المستهلك . فشركة أبل، تهتم أكثر من أي شركة أخرى، ببناء منتجات جذابة، وسهلة الاستخدام، بدايةً بالجيل الأول من أجهزة الكمبيوتر، الذي تم إطلاقه في أواخر سبعينات القرن الماضي .

ويقول ليندر كاهني، محرر كلتوماك .كوم، ومؤلف كتب عن الشركة: ستيف جوبز هو أحد قلائل الناس الذين صنعوا الكمبيوتر لعامة الناس، مضيفاً: في حين نجد أن الشركات الأخرى تجبرك على استخدام منتجات بشعة، ومصممة من أشد المهندسين عداوةً للتطور الاجتماعي .

لا موسيقا رقمية

قد لا تكون أبل شركة الموسيقا الأولى، أو الرئيسية، ولكنها تركت أثراً عميقاً على هذه الصناعة، وخصوصاً في ما يتعلق بمبيعات الموسيقا الرقمية . ونهضة الموسيقا الرقمية برزت في بدايات القرن الحالي، ويرجع الفضل في ذلك إلى حد كبير إلى خدمات نابستر، وكازا، التي فتحت الطريق للمستهلكين لتحميل جميع الأغاني التي يريدونها، وبالمجان . ولدى أبل الآن مُشغل الموسيقا المتحرك iPod، ومعه برنامج iTune، المصمم بشكل مدروس لإنجاز شراء، وتشغيل الأغاني . كما أنها أبرمت على نحوٍ متدرج، شراكات مع كبريات شركات الأسطوانات في مجال بيع الموسيقا، ما أتاح للمستهلكين اتباع طريقة سهلة، من البداية حتى النهاية، في شراء الموسيقا الرقمية .

وهنا يقول غولفين: على الرغم من حقيقة اننا نسمع أصواتاً من داخل صناعة الموسيقا تتحدث عن هيمنة أبل، فإنه من دون هذه الشركة، كان من المحتمل ان تفضي الأوضاع إلى مناخ موبوء بنشاط كثيف للقرصنة . ويقول محللون ان من الصعب تخيل شركة غير أبل، يمكنها تحقيق كل ما تحقق من إنجازات .

هواتف ذكية مع تطبيقات قليلة

كانت هناك بعض الهواتف الذكية، بل حتى بعض التطبيقات، من قبل أن تطلق أبل جهاز ال iPhone في عام 2008 . بيد ان أبل غيرت كلياً توقعات المستهلكين تجاه الهواتف، والتطبيقات معاً، وبالتالي الإقبال على الهواتف الأخرى المطروحة في السوق .

صحيح ان تطبيقات الهواتف ظهرت قبل وقت طويل، ولكن مع (iPhone)، و(App Store)، تغيرت نماذج التطبيقات كلياً . فشركة أبل لم تغير الطريقة التي يرى الناس وفقها عمل الهاتف، ونوع التطبيقات التي يتيحها وحسب، وإنما أيضاً فتحت للمطورين الطريق إلى عالم لا تحده حدود، يعلق بجارين . ومن ودن أبل، من غير المرجح اننا كنا سنجد في السوق هواتف تتيح لنا آلاف التطبيقات . بل ان كاهني يقول: ربما لم نكن لنعثر على هواتف ذكية، وذات شاشات لمسية، من دون أبل .

كمبيوترات لوحية بدائية

خطفت الكمبيوترات اللوحية الأضواء خلال العام الماضي، والعام الجاري حتى الآن، حيث تم طرح العشرات من الموديلات المختلفة في السوق . غير أن بلوغها هذه المرحلة، ربما احتاج إلى سنوات عديدة لولا وجود أبل، وiPad .

وكما يقول بجارين، توافرت الكميوترات الشخصية بشكلٍ، أو آخر، على مدى عقدين كاملين تقريباً . وفي عام ،2001 قال بيل غيتس، وهو يحمل كمبيوتر لوحياً أقل تطوراً، وبحجم ال notepad، وفي وزن ال لاب توب، انه يتوقع ان يصبح الكمبيوتر اللوحي الجهاز الأكثر شعبية في الولايات المتحدة في غضون خمس سنوات . لكن ذلك لم يتحقق على أرض الواقع، إلا بعدما عرض ستيف جوبز جهاز ال iPad بعد تسع سنوات من ذلك .

خدمة متواضعة للعملاء

تأثير أبل لم يتجل في نوعية أجهزة، وبرمجيات شركات التكنولوجيا وحسب، وإنما أيضاً في تغيير طبيعة محال التجزئة كلياً . وكثيراً ما تمتدح محال أبل، على اهتمامها بخدمة العملاء، وهو إلى حد كبير، إطراء لم تحظ به شركات التكنولوجيا الأخرى .

ويقول محللون إن على منافسي أبل، أن يعيدوا النظر في نشاط التجزئة . فكل ما كانوا يفعلونه هو وضع أجهزة الكمبيوتر على الرفوف، ثم ترك المتبقي للعميل لكي يحدد ما يريد شراءه . ويضيف بجارين: لقد غيرت أبل تماماً الدور الذي يقوم به كل من مندوب المبيعات، والمستهلك . كما أحدث فريق الدعم الفني لدى أبل، ثورة في أساليب الاستشارات الفنية، من خلال توفير بيئة أكثر راحة للمستهلكين .

الرابحون والخاسرون

تبدو شركات تكنولوجيا عديدة في وضع قوي في الوقت الراهن، منها على سبيل المثال شركة سوني اليابانية، التي أصبحت علامة للجودة في منتجات الإلكترونيات الاستهلاكية، مثل الأقراص المدمجة، وجهاز ال Walkman، وال Playstation . غير ان بلوغها هذا المستوى تحقق بفضل أبل إلى حد كبير . وفي المقابل، اجتهدت شركات أخرى، في محاكاة أبل، واستنساخ منتجاتها، فباءت كل محاولاتها بالفشل .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"