لقاء موسكو ليس للمصالحة الفلسطينية

02:40 صباحا
قراءة 5 دقائق
حلمي موسى

دعت الخارجية الروسية عشرة فصائل فلسطينية للقاء في موسكو بهدف بحث سبل إنهاء الانقسام واستعادة الوحدة الوطنية المفقودة منذ أكثر من عقد من الزمان. وعقد هذا اللقاء يومي الإثنين والتلاتاء الماضيين الذي ينظمه معهد الدراسات الشرقية التابع لأكاديمية العلوم الروسية بعد أيام قليلة من فشل مساعٍ لترتيب لقاء بين «فتح» و«حماس» في القاهرة.الإجتماع انتهى بإصار بيان يدعو لقيام دولة فلسطينية على حدود 1967 وعاصمتها القدس ، وافقت عليه الفصائل ورفضته حركة الجهاد.
تصرّ جهات فلسطينية رسمية على أن الدعوة للقاء في موسكو تتسم بطابع «غير رسمي» وأن موسكو تعرف المصاعب التي تعترض المصالحة الفلسطينية والجهود التي تعترض الدور المصري. ومع ذلك فإن كل الفصائل الفلسطينية المدعوة وافقت على الدعوة الروسية لحاجتها إلى استمرار العلاقة مع هذه القوة العظمى في الحلبة الدولية من ناحية ولرفع العتب من ناحية أخرى.كما وافقت على بيان مشترك بشأن الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس ، ورفض صفقة القرن الأمريكية.
وقد جاءت فكرة عقد اللقاء في موسكو بعد زيارة لوزير الخارجية الفلسطيني رياض المالكي إلى العاصمة الروسية والمحادثة الهاتفية بين المبعوث الخاص للرئيس الروسي إلى الشرق الأوسط ميخائيل بوجدانوف ورئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية. وهذه ليست المرة الأولى التي تدعو فيها موسكو الفصائل الفلسطينية للقاء على أراضيها في إطار السعي لإظهار دور روسي بارز في القضية الفلسطينية وباقي قضايا المنطقة. ومنذ العام 2015 وموسكو تحاول تحقيق مصالحة بين «حماس» و«فتح». وقد دعت موسكو في العام 2017 الفصائل الفلسطينية للقاء على أراضيها للبحث في توحيد جهودها كما سبق واستضافت قيادات من كل الفصائل وبينها حركة حماس. ومؤخرا كثفت موسكو من تحركاتها مع الفلسطينيين إثر تدهور العلاقات الداخلية والإعلان عن حل المجلس التشريعي.
وأعلن مسؤولون روس كبار أن معالجة الوضع الداخلي الفلسطيني وحل أزمته يمثل شرطاً لا بد منه لتحقيق تقدم في تسوية الصراع الفلسطيني «الإسرائيلي».
ومما لا ريب فيه أن الدعوة الروسية تتصل برغبة موسكو في إثبات دورها وحضورها في قضايا المنطقة العربية خصوصا بعد توتر العلاقات الرسمية الأمريكية الفلسطينية. ويهدف اللقاء، حتى وفق مصادر فلسطينية، إلى توحيد الجهود الفلسطينية في مواجهة «صفقة القرن» الأمريكية. غير أن من يتابع المواقف الروسية يعلم أن موسكو منذ وقت طويل تحاول أن تكون نداً للإدارة الأمريكية في معالجة قضايا المنطقة. وعندما تعقدت العلاقات بين قيادة السلطة الفلسطينية وأمريكا أعلنت روسيا استعدادها للعب دور الوساطة بين الفلسطينيين والكيان. وحاولت ترتيب لقاء بين الرئيس الفلسطيني محمود عباس ورئيس حكومة الكيان بنيامين نتنياهو. وترى موسكو أن ما يعرقل مساعيها لعقد لقاءات فلسطينية «إسرائيلية» هو «غياب الوحدة الفلسطينية، ما يحتم توحيد صف الشعب الفلسطيني تحت مظلة الشرعية في رام الله».صحيح أن الفصائل الفلسطينية اجتمعت معا ، ومن بينها فتح وحماس ،إلا أن المصالحة لم تتحقق ، لأن المهمة متروكة لمصر. والهدف كان الإتفافق على موقف سياسي موحد وهو ما تحقق في البيان، وخصوصا لجهة رفض صفقة القرن.
ويرفض الكيان الخطوات الروسية تجاه الفلسطينيين خصوصا العلاقات التي يحاولون إنشاءها مع حركة حماس. وقد تقدمت «إسرائيل» رسميا باحتجاجات إلى موسكو على دعوتها لقيادات «حماس» وفصائل فلسطينية أخرى لزيارتها. ويرى الكيان في المحاولات الروسية للعب دور سياسي في المنطقة التفافاً على الدور الأمريكي الذي يريد إبقاءه حصرياً في يد إدارة ترامب.
وسبق لمسؤول ملف المصالحة في حركة فتح، عزام الأحمد أن برر الموافقة على لقاء موسكو بالقول: إن نص الرسالة الروسية التي وصلت حركته حول الحوار في موسكو تشير إلى أنه «حوار غير رسمي». وقال: إن ما يهم الروس هو كيفية إحباط صفقة القرن «التي أحد إجراءاتها العملية على الأرض، استمرار الانقسام والوضع القائم في غزة، وحكم ذاتي في الضفة وبقاء الاحتلال». وأشار إلى أن ملف المصالحة يبقى في يد مصر، وأن «الروس ليسوا بديلين عن مصر». وثمة معنى لما قاله حول أن الحوار ليس له علاقة لا بتشكيل الحكومة الفلسطينية الجديدة ولا بملف المصالحة.
غير أن الحديث عن أن اللقاء غير رسمي ولا دخل له بالحكومة والمصالحة لا يقلل من شأن اللقاء في موسكو. فاجتماعات القاهرة الأخيرة أظهرت أن عقد لقاء بين «حماس» و«فتح» بات من الأمور الصعبة بعد أن قررت «فتح»، وفق الأحمد أيضا، أنها لا تعقد لقاءات مع «حماس» قبل تسليم «حماس» السلطة في قطاع غزة. ولا بد من الإشارة هنا إلى أن العلاقات الداخلية الفلسطينية ازدادت تعقيداً بعد جملة تحركات بدأت بعقد المجلس الوطني في رام الله وانتهت بإقالة حكومة رامي الحمد الله والبحث في تشكيل «حكومة فصائلية».
ووصف نائب الأمين العام للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، قيس عبد الكريم (أبوليلى) لقاء موسكو بأن مجرد انعقاده، يعد «خطوة إيجابية إلى الأمام» بعد أن بلغت الأجواء الداخلية «حداً من التدهور والتراشق بالتهم لم يسبق له مثيل من قبل، والعلاقات تحديداً بين الطرفين «فتح» و«حماس»، هي في أدنى مستوياتها». وشدد على أن اللقاء، وإن كان غير رسمي، فإنه يوفر «إطاراً لمعالجة بعض القضايا، التي عطّلت إمكانية استمرار مسيرة المصالحة». وأشار أبوليلى إلى الفارق بين الدورين المصري والروسي، مركزاً على أن روسيا تريد التركيز على الجانب السياسي العام، فيما أن مصر هي الراعي الرسمي للمصالحة والاتفاقيات بشأنها. وبكلمات أخرى رأى أن الدور الروسي مكمل للدور المصري وليس نقيضاً له وهو لا يبحث لا في التفاصيل ولا في آليات العمل.
في كل حال من الواضح أن لقاء موسكو لم يثر كثيراً من الآمال في الساحة الفلسطينية بقرب التوصل إلى حلول للأزمة الداخلية. فالتوتر الذي ظهر في آخر اللقاءات في القاهرة يشير إلى أننا بعيدون عن نهاية الأحزان بشأن الانقسام والمصالحة. ويعتقد بعض الفلسطينيين أن لقاء موسكو في أفضل أحواله قد يشكل سلماً لنزول كل من حركتي حماس وفتح عن شجرة التوتر العالية التي صعدتا إليها بعد الإعلان عن حل المجلس التشريعي وبدء خطوات «تقويض سلطة الانقسام» في غزة. ويتحدث مراقبون عن أن الأسلوب غير الرسمي للقاء يمكن أن يزيل بعض التوترات بين الفريقين ويسهل الاتفاق على وقف حملات الاتهام والتشهير المتبادلة. وأنه إذا حدث هذا فإنه يشكل إنجازاً في هذا الوضع الصعب.
فالقطيعة بين الأطراف الفلسطينية أدخلت الواقع الفلسطيني في دوامة تحطم كل الشرعيات. وبعد العجز عن التوصل لاتفاقيات تنهي الانقسام وتحقق المصالحة تعاظم الحديث عن إجراء الانتخابات في واقع متأزم. ويدرك كثيرون أن الانتخابات في مثل هذه الأوضاع ليست حلاً وإنما تعميقاً للأزمة بين موافق ومعارض على التفاصيل والإجراءات والنتائج خصوصاً في ظل عدم الاتفاق على الحكومة التي ستدير هذه الانتخابات.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"