ليبيا.. الهدنة ليست الحل!

03:35 صباحا
قراءة 5 دقائق
د. هشام بشير

لا جديد يقال.. ولا قديم يعاد، المقولة السابقة أصبحت تنطبق على الأزمة الليبية الراهنة، التي تشهد كل يوم تغيرات تبدو للوهلة الأولى مؤثرة؛ ولكنها على أرض الواقع تظل تراوح مكانها، ففي العاشر من أغسطس/ آب الجاري، أعلنت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا عن ترحيبها بقبول الأطراف المعنية مبدأ الهدنة الإنسانية؛ بمناسبة عيد الأضحى المبارك، داعيةً لاحترامها الكامل؛ حرصاً على حرمة العيد ومصلحة الليبيين، وفي نفس الإطار رحب أعضاء مجلس الأمن الدولي بالهدنة، معربين عن دعمهم الكامل لها، مطالبين أن تصاحب هذه الهدنة تدابير؛ لبناء الثقة بين الطرفين؛ بهدف ضمان تحول هذه الهدنة إلى وقف دائم لإطلاق النار، مؤكدين أن السلام والاستقرار الدائمين في ليبيا- بما في ذلك إنهاء الأزمة الإنسانية المتفاقمة- لن يتحققا سوى عبر حل سياسي يتعين على الأطراف أن تشارك دون إبطاء في التوصل إليه تحت رعاية الأمم المتحدة.
جاءت ردود الأفعال الدولية مثمنةً للهدنة في ليبيا، وكان أبرزها الجانب المصري، الذي صرّح المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية المصرية، المستشار أحمد حافظ، بأن مصر تشيد بكل الأطراف الليبية، التي وافقت على الهدنة الإنسانية؛ بمناسبة عيد الأضحى المبارك، مؤكداً أن الحل السياسي الشامل يظل السبيل الوحيد لاستعادة الاستقرار في ليبيا، مطالباً بالبدء في عملية التسوية الشاملة، واستكمال توحيد المؤسسات الليبية، وحل الميليشيات المسلحة، وجمع أسلحتها على النحو الوارد في الاتفاق السياسي الليبي، مناشداً كافة الأطراف الليبية باتخاذ موقف واضح، ولا لبس فيه؛ للنأي بنفسها عن المجموعات الإرهابية والإجرامية، خاصةً تلك المدرجة على قوائم العقوبات التي أصدرها مجلس الأمن.
كما أكد حافظ أهمية إعلان الأطراف الليبية جميعاً رفضها القاطع للتدخلات الخارجية في الشأن الليبي، والانتهاكات الموثقة لقرارات الأمم المتحدة، والتي تقوم بها أطراف معروفة تصدّر السلاح والعتاد، وتُسهل نقل المقاتلين الإرهابيين إلى ليبيا على مرأى من المجتمع الدولي، ومن الواضح أن تلك التصريحات الأخيرة تشير إلى تركيا وقطر.
وعلى أية حال، وكالعادة فقد أعلن كل طرف من أطراف الأزمة - بعد البدء في تطبيق الهدنة بساعات - عن انتهاك الطرف الآخر لها، وعلى الرغم من فداحة الانتهاكات بعد سريانها مباشرة، فإننا نجد أن المبعوث الأممي إلى ليبيا، غسان سلامة، يعلن في الرابع عشر من أغسطس/آب الجاري عن رغبة البعثة الأممية في استخدام مساعيها الحميدة على الفور؛ لتحويل ما تم إنجازه في فترة التهدئة إلى وقف دائم لإطلاق النار، مرحباً بالإعلانات الصادرة عن المجتمع الدولي، بدعم الهدنة، ومطالباً باستمرار عقد اجتماع للبلدان المعنية. ودعا المجتمع الدولي إلى العمل؛ من أجل توفير ضمانات؛ لوقف دائم لإطلاق النار، والدعوة للامتثال لحظر التسليح، والالتزام بالعودة بحسن نية إلى عملية سياسية شاملة برعاية الأمم المتحدة؛ لإنهاء النزاع في ليبيا.
وبعيداً عن تصريحات غسان سلامة المكررة، يمكن القول: إن تجدد الصراع بين الطرفين أمر متوقع في ضوء المعطيات الراهنة؛ حيث لم ينجح الاتفاق السياسي المبرم في ديسمبر/كانون الأول 2015 في تخفيف حدته؛ لذا لم يكن غريباً تأجج الصراع مؤخراً؛ بعد قيام الجيش الليبي في الرابع من إبريل/نيسان الجاري بالاتجاه غرباً نحو العاصمة الليبية طرابلس؛ لتخليصها من الميليشيات الإرهابية التي تحظى بتأييد فايز السراج، رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني المدعومة أممياً.
كما أبانت تطورات الأحداث الجارية أن هناك صعوبة واضحة في إيجاد حل ناجز للأزمة الليبية التي انفجرت مجدداً منذ أربعة أشهر، في ظل المعارك حامية الوطيس التي تشهدها طرابلس منذ إبريل/نيسان الماضي، فعلى الرغم من نجاح قوات الجيش الليبي في تحقيق انتصارات ملموسة في الأسابيع الأولى للمعركة، فإن الدعم الدولي والإقليمي للمجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني قد أعطاها قبلة الحياة مرة أخرى خاصة من جانب إيطاليا وبريطانيا وقطر وتركيا، ويذكر في هذا الصدد أن رئيس الأخيرة رجب طيب أردوغان استضاف خلال شهر يوليو/تموز الماضي، رئيس حكومة الوفاق الليبية فايز السراج بعد حوالي أسبوع من إصدار حفتر بياناً أعلن فيه الحرب على تركيا، واستهدافه السفن التابعة لها؛ بعد تدخل أنقرة بشكل مباشر؛ لدعم العناصر الإرهابية.
وتأتي تلك التطورات في ضوء استمرار الصراع الإيطالي الفرنسي على ليبيا، وتأهب الدب الروسي والعملاق الصيني للانقضاض على الثروات الليبية، ناهيك عن رغبة الولايات المتحدة الأمريكية في عدم ترك الكعكة الليبية في يد منافسيها؛ لذلك لم يكن غريباً إعلان السفارة الأمريكية في بيان لها يوم السبت 17 أغسطس/آب الجاري أن ريتشارد نورلاند تولى مهامه كسفير للولايات المتحدة في ليبيا في ال14 من شهر أغسطس/آب 2019، كما أشار البيان إلى أن السفير الأمريكي التقى مع الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة غسان سلامة؛ لمناقشة سبل التوصل إلى حل تفاوضي للأزمة السياسية في ليبيا.

مستقبل الهدنة

يبدو أن الهدنة كانت مجرد حبر على ورق، خاصة أن الأطراف الدولية والإقليمية لها اليد العليا فيما يجري داخل الأراضي الليبية، ولعل خير دليل على ذلك استمرار تسارع وتيرة الأحداث التي تشهدها ليبيا، خاصة في المنطقة الغربية التي تشهد عمليات عسكرية؛ أبرزها ضد عدد من المطارات -منذ الرابع من إبريل/نيسان 2019- مع بداية العمليات التي أطلقها الجيش الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر؛ لتحرير العاصمة ومطاراتها في الغرب الليبي، والتي تقع تحت سيطرة حكومة الوفاق، وبالتالي تحت سيطرة الميليشيات، ومن ثم لم يكن غريباً أن تتعرض تلك المطارات -التي يضم بعضها طائرات تركية مُسيّرة ومخازن أسلحة، كما أبانت الأحداث- إلى هجمات نوعية من قبل قوات الجيش الوطني، وكعادتها دائماً في انحيازها غير المبرر، فقد نددت بعثة الأمم المتحدة في ليبيا بما وصفته ب«الهجمات الممنهجة والمتزايدة باطراد» على المطارات في غرب ليبيا. وفي تحد واضح لما أعلنته بعثة الأمم المتحدة -المنحازة إلى المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني- قال القائد العام للجيش الليبي، المشير خليفة حفتر، في الثامن عشر من أغسطس/آب الجاري، إن الجيش سيحبط أي مشروع؛ لإنشاء قواعد أجنبية تدعم وتموّل الإرهاب داخل ليبيا، قاصداً بذلك المطارات التي تضم عشرات الطائرات التركية، ومخازن الأسلحة في الغرب الليبي، خاصة في طرابلس ومصراتة.
وإجمالًا يمكن القول: إن حل الأزمة الليبية لا يحتاج إلى هدنة أو طرح خيارات ورؤى من وسطاء وقوى إقليمية ودولية، وإنما هو بحاجة شديدة إلى أبناء وطن مخلصين، دافعهم الأول المصلحة العليا للوطن، وليس مطامع شخصية، ومناصب زائلة، ووعوداً من قوى دولية وإقليمية بمزايا شخصية على حساب جسد الوطن الذي يئن من تكالب الخارج، وتواطؤ أبناء الداخل فهل من رجل رشيد؟

* وكيل كلية السياسة والاقتصاد بجامعة بني سويف

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"