ما بين الماضي المهندم وحاضر النميمة

عين على الفضائيات
01:46 صباحا
قراءة دقيقتين
مارلين سلوم

حين تعود إلى أرشيف ذكريات أهل الفن، هؤلاء الأوائل الذين أسسوا للحركة الفنية في العالم العربي، سواء في التمثيل، أو الإخراج، أو التأليف، أو الغناء، والموسيقى، تلاحظ أن المادة الموجودة بين يديك، المكتوبة في الصحف، والمصورة تلفزيونياً، دسمة، ثرية بالمعلومات القيمة، مغلفة بالذوق الرفيع والأدب، «مهندمة» كأنها سيدة تذهب إلى حفل رسمي بكامل أناقتها، وشياكتها.
تخاف أن تخدش تلك اللياقة واللباقة وأنت تقلّب الصفحات، وتشمّ رائحة عطر ما، ربما يكون عطر الزمن الأصيل، المفعم بالطّيب.
تلاحظ هذه الهالة الغريبة، لأنك لم تعتد عليها، ولأنك تعيش وسط واقع مملوء بالنميمة الفنية الفارغة. هنا تسأل نفسك، ترى وسط هذا الكم الهائل من أخبار الفنانين المرسلة عبر مختلف المواقع، وعلى دوام الساعات، كيف سيكون شكل أرشيفهم الفني، وما الذي سيقوله التاريخ عن فن اليوم لأبناء المستقبل؟
تدفق غير طبيعي للثرثرة الفنية، ربما بالكاد تلتقط منها خبراً واحداً له قيمة، ومعنى، وهدف، ويستحق أن تسميه «خبراً» بمفهوم «إعلام زمان» الأصيل أيضاً. لا يمكنك إحصاء كَمّ الصور والتعليقات ومقاطع الفيديو والمقابلات المتداولة يومياً.. بعيداً عن صفحات النجوم، ومواقعهم الخاصة التي يتولون نشر آرائهم وصورهم عليها مباشرة. إنما ما الفائدة؟ وأين «الخبر» من كل هذا؟ وبماذا يهمنا أن نعرف ماذا لبست فلانة، وأين أكل فلان؟ والأسوأ، أن الساحة مفتوحة للشتائم المتبادلة بين أهل الوسط الفني، وأحياناً بينهم وبين إعلاميين، أو «منسوبين إلى الإعلام»، وهم ليسوا منه، أو لا يملكون أيّاً من مؤهلاته.
تتصفح الصفحات المنوعة والفنية على كثير من المواقع العربية، فتستغرب حالة الفوضى، وهذا «الغليان»، كأنك على بركان سينفجر في لحظة ما. أزمات لا تنتهي، مشاكل ورسائل متبادلة بين الفنانين، وتدخل في الوسط معاركهم مع النقابات بأفرعها، وتخصصاتها. والمهزلة الكبرى، حين تشن فنانتان الحرب على بعضهما بعضاً، ويتولى المعجبون إدارة المعركة بين الطرفين، لتقف كل فنانة في ركنها البعيد متفرجة على الشتائم التي تُكال، والألفاظ النابية، والسخرية، و«الهمجية» في الحوار.. ثم فجأة تطل من خلف ستارتها طالبة من معجبيها التوقف، كي لا «يشوّهوا» صورتها، واسمها، فهي أكبر من هذا المستوى، ولا ترضى بالنزول إليه.
أرشيف زمان تفوح منه أناقة أخلاق أهل زمان، وأرشيف الحاضر لا أدري ما الذي سيفوح منه على قارئيه بعد سنوات، وأي صورة سيراها أهل المستقبل، وهل يستحق أن يحتفظ به أحد للتاريخ؟

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"