مسيرة التنمية

03:17 صباحا
قراءة دقيقتين
الدكتور محمد حمدان بن جرش

لم تكن الحركة الثقافية في الإمارات وليدة تأسيس الاتحاد، فجذورها تمتد إلى اللحظات الأولى لوجود الإنسان على هذه الرقعة الجغرافية، حيث امتدت الظواهر الثقافية وتشابكت وتفاعلت عبر علاقة الإنسان بالطبيعة والزمن، صيرورة الزمن هذه صاحبتها تحولات تراوحت بين السرعة والبطء عبر تاريخ منطقة الخليج على الإنسان، لتنعكس سواء على خصوصيته كفرد أو عموميته كجماعة، إلا أن التحول اللافت للانتباه يعود إلى سبعينات القرن الماضي مع تأسيس الاتحاد.
وقد ارتبطت تلك التحولات بالخطط الاستراتيجية التي وضعتها الدولة للتنمية، والتي قامت أساساً على التنمية المستدامة لمواكبة التطور الحضاري ولإثبات جدارة ثقافتها وقدرتها على الحياة، بما تتميز به من روح متجددة واستمرارية لا تتناقض مع تجدد الحياة وتغيّر صروفها، مستندة إلى إرثها الثقافي الشعبي وخصائصها الحضارية، لتواكب مقتضيات المرحلة الجديدة والإنسان الجديد في الإمارات.
مرحلة احتفت خلالها الحركة الثقافية بالتحولات الاجتماعية مع ظهور النفط، وما رافقه من انقلاب في المفاهيم الأساسية المهيمنة على جميع مجالات الحياة، كنمط الإنتاج الذي تحوّل من اليدوي البدائي البسيط إلى النمط الآلي الحديث المعتمد على التكنولوجيا وثورة الاتصالات في فترة وجيزة من الزمن، وبذلك كان النفط محركاً أساسياً لتطور النظام الاجتماعي والاقتصادي والسياسي والفكري والثقافي في المجتمع.
وعلى هذا الأساس انتهجت الدولة الحديثة سياسة ثقافية ضمن خطط وبرامج لتوسيع ونشر الثقافة في جميع أنحاء الإمارات من خلال فتح المدارس التعليمية والجامعات الأكاديمية العلمية، وإرسال البعثات والكوادر إلى الخارج، خاصة إلى أمريكا وبريطانيا لاكتساب الخبرات، إضافة إلى مساهمة وسائل الإعلام المختلفة في نشر الثقافة ضمن خطط تنموية، كما عملت الدولة على إنشاء صالات المعارض وتهيئة البنى التحتية بتوزيع المراكز الثقافية حسب التوزع السكاني، وهو ما انعكس على آليات العمل الثقافي الذي يتمتع بخصوصية تختلف عن بقية البلدان العربية، خاصة فيما يتطلب التنوع الديموغرافي، ما اقتضى وضع حلول تنموية سريعة تناسب هذه الخصوصية. ومن الجدير بالذكر الإشارة إلى تباين السياسات الثقافية لكل إمارة على حدة، بما يتناسب مع خططها وخصائصها التنموية.
وبذلك انطلقت مرحلة مهمة من تاريخ الحركة الثقافية في الإمارات، خاصة فيما يتعلق بالتصورات الثقافية وما طرح عليها من رهانات تتعلق أساساً بالحفاظ على الهوية العربية الإسلامية وعدم التنكّر للثقافات الإنسانية ومنجزها في مختلف المجالات، ثقافة لا هي أصيلة حدّ الوقوع في أسر الماضي ولا هي وافدة حدّ الاستلاب، ثقافة تؤلف بين الأمرين بما يخلق مجتمع المعرفة والتكنولوجيا الرقمية في ظل واقع يشهد تجاذبات وصراعات سياسية وثقافية واقتصادية بين القوى المهيمنة والمتملكة للسبق التكنولوجي والمعرفي والإبداع الثقافي والحضاري وبين القوى الساعية للحاق بركب التطور، لكن في جرابها مخزون من الماضي التراثي والموروث الشعبي الحي القابل للتطور والصانع لفرادتها والذي تأبى التفريط فيه، مثال ذلك دولة الإمارات.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"