مسيرة النساء التراثية.. رحلة الماضي على طريق الوفاء

مبادرة شاركت فيها 50 امرأة من 20 جنسية
05:41 صباحا
قراءة 4 دقائق
العين:هديل عادل

مبادرة نسائية تراثية وطنية أعادت إلينا ذكريات الرحلات التاريخية التي كانت تخوضها نساء الإمارات في الماضي، حيث كانت النسوة يسافرن مرتين كل عام ويتحملن مشاق التنقل والترحال كجزء من نمط ومتطلبات حياتهن في الماضي. واليوم تعيد «مسيرة النساء التراثية» التي قامت بها 50 إمراة من جنسيات متعددة الأسبوع الجاري، هذه التجربة برؤية مختلفة ترمي إلى إحياء التراث الإماراتي والتعرف إلى تفاصيل رحلات الصحراء بكل ما تحمله من عادات وتقاليد أصيلة، إذ قطعت النساء المشاركات في المسيرة مسافة 120 كيلومتراً سيراً على الأقدام خلال 6 أيام، انطلاقاً من مدينة العين وصولاً إلى مدينة أبوظبي عبر الصحراء الفاصلة بين المدينتين.
وفي السطور التالية المزيد عن هذه الرحلة على لسان منظماتها والمشاركات فيها..
جودي بالارد، مؤسسة فكرة المسيرة، تتحدث عن ظروف ولادة الفكرة وتطورها، قائلة: «كنت أقرأ كتاباً عن التراث الإماراتي، واستوقفتني قصة المسيرة التي كانت تقوم بها المرأة الإماراتية منذ زمن بعيد، إذ كانت تسافر من المناطق الساحلية مثل أبوظبي ودبي إلى واحة العين قبل موسم الرطب، وكانت تعود مع عودة الغواصين ونهاية الموسم إلى مقر استقرارها في أبوظبي أو دبي وغيرها من الأماكن الساحلية».
وتضيف: «شعرت خلال تعمقي في أبعاد هذه الرحلة أن نساء اليوم بحاجة إلى مسيرة جماعية تمنحهن الشعور بقوة الجماعة، والقدرة على تحدي أنفسهن، وتعلم الكثير من دروس الماضي، والاقتداء بصلابة المرأة الإماراتية قديماً».
وعن تطور الفكرة، تقول: «في عام 2015 انطلقت المسيرة بمشاركة 28 امرأة، وفي عام 2016 أصبح عدد المشاركات 38، وفي العام الحالي بلغ عدد النساء نحو 50 امرأة، انطلقن من العين، بدعم من هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة ونادي تراث الإمارات وغيرها من الجهات الراعية للمبادرة، في رحلة استمرت 6 أيام وصولاً إلى مدينة أبوظبي، حيث أقيم لهن حفل استقبال في حديقة أم الإمارات بحضور أسرهن وأفراد المجتمع ممن بادروا لدعم هذه التجربة وتشجيع المشاركات فيها من خلال المشاركة في قطع كيلومترين وصولاً إلى آخر محطات هذه المسيرة».
أسماء المطوع، عضو مؤسس لمسيرة النساء التراثية، تحمست للمبادرة منذ ولادتها كفكرة لدى صاحبتها جودي بالارد، ومنذ ذلك الوقت وهي شريك أساسي في دعم المبادرة ونجاحها. تقول: «مهما جذبتنا الحياة العصرية بأساليبها وتقنياتها المتطورة يبقى الحنين إلى الماضي جزءاً أصيلاً من تكويننا الإنساني، وهذه التجربة منحتنا فرصة العودة إليه، والاستمتاع بجمال الصحراء، والتأمل والاسترخاء بعيداً عن ضغوط الحياة».
وتضيف: «أثبتت النساء المشاركات في المسيرة قدرتهن على تحمل المشاق في ظل ظروف صعبة، نظراً لطبيعة الرحلة التي تتطلب كثيراً من الصبر والقوة البدنية، لقطع مسافة 120 كلم سيراً على الأقدام، إذ كن يقطعن نحو 25 كيلومتراً يومياً، في أحوال جوية متغيرة، تسودها الحرارة المرتفعة نهاراً والبرودة ليلاً، وكانت المشاركات يبتن ليالي المسيرة في خيم بدوية في الصحراء»، موضحة أن الاستعدادات لهذه المسيرة بدأت منذ 3 أشهر عبر التدريب اليومي، وكانت المشاركات يتلقين التدريبات اليومية لعدة ساعات يجتمعن فيها، ما خلق بينهن جواً من التعايش وتبادل الثقافات.
وتتابع قائلة: «ضمت المسيرة نحو 50 امرأة منهن 14 امرأة إماراتية، والباقي يمثلن أكثر من 20 جنسية حول العالم، منها لبنان وفلسطين وكندا وأمريكا وفرنسا وبريطانيا واليابان وبلجيكا والنمسا، ولهذا فأنا أعتبر هذه المسيرة قمة نسائية نناقش فيها كثيراً من القضايا الإنسانية والاجتماعية والأسرية والاقتصادية، وغيرها من المواضيع المهمة».
وتتحدث نورة الرمحي، إحدى المشاركات في المسيرة، عن تجربتها قائلة: «أكثر ما جذبني إلى المسيرة بما تحمله من مغامرة ومثابرة ومشقة، أننا تحدينا أنفسنا من أجل قطع مسافة 120 كم بين الصحاري لنعيش تفاصيل رحلات السفر القديمة التي كانت تخوضها المرأة الإماراتية، وقبل خوض هذه التجربة خضعنا لبرنامج إعداد وتدريب مكثف لمدة 3 أشهر، تدربنا خلالها على السير على الكثبان الرملية ومختلف أنواع التضاريس، أيضا اتبعنا خلال هذه الفترة برنامجاً غذائياً صحياً يساعدنا على القيام بمهام الرحلة بمرونة ولياقة».
وتشير الرمحي إلى أنهن استمتعن كثيراً بالفعاليات التراثية التي تخللت المسيرة، والتي كانت من وحي التقاليد والتاريخ الإماراتي، ومن أكثر الفقرات التي أضفت أجواء من البهجة والمتعة فقرة «التغرودة» و«العيالة» وعروض الحرف اليدوية التي كانت تمارسها المرأة الإماراتية قديماً.
وهذه المشاركة هي الأولى لجمانة عبدالكريم في المسيرة، ولكنها لن تكون الأخيرة بحسب ما تؤكده. تقول: «حين سمعت بالفكرة لم أتردد في الانضمام لها، لأنني أحببت أن أثبت لنفسي أنني قادرة على خوض هذه التجربة رغم صعوبتها، وأعجبتني فكرة التواصل مع 50 امرأة بشخصيات وثقافات مختلفة، ومن الجميل جداً والممتع بالنسبة لي أن أكون جزءاً من تجربة إحياء للتراث الإنساني من خلال السفر عبر الصحاري والشعور بصعوبة الحياة في الماضي وجمال المعاني والقيم الإنسانية التي كانت تسود تلك الحقبة من الزمن، ولا شك شعرت بمشقة السفر مشياً على الأقدام، خصوصاً أن جميع المشاركات كن جادات في خوض هذه التجربة، ولكن إلى جانب الشعور بالمشقة والتعب، استمتعت كثيراً بالمشي في الصحراء، وشعرت بنفسي قريبة جداً من الطبيعة والأرض والشمس، ومارست متعة التأمل في الفضاء الرحب، ولا شك أن هذه المسيرة فتحت لي آفاقاً جديدة للمشاركة في تجارب جديدة أتحدى فيها نفسي، وأضيف لها خبرات نوعية أثري بها شخصيتي ومستقبلي».

ثقة وقوة

بدور التميمي، سفيرة مسيرة النساء التراثية، التي بادرت بالتعريف بها وتشجيع النساء على المشاركة فيها، تتحدث عن رؤيتهن من تجربة إحياء رحلات نساء الإمارات التاريخية عبر الصحراء، قائلة: «في تجربتنا الأولى للمسيرة كنا نتطلع إلى تحفيز النساء على المشاركة في رحلتنا التي ستعيدهن إلى زمن الأجداد، ليعشن طقوساً وتفاصيل عاشتها المرأة الإماراتية في الحل والترحال، ومع تكرار التجربة في المسيرة الثانية والثالثة اتسعت دائرة أهدافنا لتشمل إكساب المشاركات مرونة التنقل بين رفاهية حياة اليوم وصعوبة الحياة في الماضي».
وتضيف: «هذه التجربة تمنح النساء الشعور بالقوة والقدرة على تحدي أنفسهن والثقة بالنفس، فيعدن منها أكثر رغبة وقدرة على العطاء لأنفسهن ومحيطهن ومجتمعهن، وهذا ما شعرت به شخصياً خلال مشاركاتي في المسيرة، وعلى الرغم من أنني إنسانة رياضية ولي تجارب عديدة في المشي وتسلق الجبال ولكني كغيري من المشاركات شعرت بالتعب الجسدي والإنهاك خصوصاً في الساعات الأخيرة من المشي قبل التوقف للراحة والنوم، ولكن روح التعاون والمؤازرة بين المشاركات كانت تدفعني إلى مواصلة المسير رغم التعب».

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"