هل يأفل نجم «داعش» نهائياً؟

03:22 صباحا
قراءة 5 دقائق
د. أحمد سيد أحمد *

ما بين سيطرة تنظيم «داعش» الإرهابي على ثلث مساحة سوريا في 2014 وما بين انحساره في جيوب محدودة في عام 2019 بدا نجم التنظيم في الأفول مع بدء «قوات سوريا الديمقراطية» في سبتمبر/ أيلول الماضي المعركة الحاسمة للقضاء على آخر معاقل هذا التنظيم في شرقي سوريا.
نجحت «قوات سوريا الديمقراطية» التي تتكون غالبيتها من وحدات الحماية الكردية، في تحرير الكثير من المناطق المتبقية تحت سيطرة التنظيم، مثل بلدة هجين والسوسة والشعفة ولم يتبق للتنظيم سوى وجود محدود في بلدة الباغوز الواقعة على الحدود العراقية - السورية، وانحسر التنظيم في مساحة لا تزيد عن أربعة كيلو مترات مربعة. وقد أعلن كل من «قوات سوريا الديمقراطية» و«وزارة الدفاع الأمريكية» أنه سيتم القضاء على آخر معاقل «داعش» خلال أسبوعين، وهو ما يثير التساؤلات حول مستقبل التنظيم في سوريا وهل يعدّ تحرير المناطق التي يسيطر عليها «داعش» انتهاء خطره تماما؟
في الواقع أن الحرب على تنظيم «داعش» في سوريا والمعركة الأخيرة لتحرير آخر معاقله تثير العديد من الدلالات المهمة:
* أولا: أن المعركة الدائرة حاليا تدور في مساحة صغيرة في محيط بلدة الباغوز في محافظة دير الزور، حيث لم يعد للتنظيم وجود في شرقي سوريا خاصة في المنطقة التي سيطر عليها في 2014 واعتبرها جزءا مما يسمى «دولة الخلافة الإسلامية» التي أعلنها زعيمه أبو بكر البغدادي من على منبر جامع النوري بمدينة الموصل العراقية، واتخذ التنظيم مدينة الرقة السورية عاصمة تلك الخلافة، ونجح التنظيم في السيطرة على مساحات كبيرة من البلاد خاصة في منطقة شرق الفرات.
ومع تعرض تنظيم «داعش» لهزائم ساحقة في العراق وتحرير المناطق التي كان يسيطر عليها، تعرض التنظيم أيضا لهزائم ساحقة في سوريا وفقد كل المناطق التي سيطر عليها، وقد حلت «قوات سوريا الديمقراطية» التي تقاتل التنظيم بدعم من قوات التحالف التي تقودها الولايات المتحدة، محل التنظيم في تلك المناطق وسيطرت عليها، وقامت بشن المعركة الأخيرة لتحرير كل المناطق من التنظيم ونجحت بالفعل في تحرير قرى مثل هجين والسوسة، وهي تخوض المعركة الحاسمة الآن بدعم من قوات التحالف.
* ثانيا: إن صعوبة المعركة مع تنظيم «داعش» أنه يستخدم أسلوب حرب العصابات الذي يعتمد على الكر والفر، أي الانسحاب من بعض المناطق، ثم تجميع صفوفه وإعادة اختراقها مرة أخرى، كما حدث في بعض المناطق والقرى في محافظة دير الزور، فبعد إعلان الولايات المتحدة منذ شهور إعلان النصر على «داعش» إلا أن التنظيم اخترق بعض المناطق وأعاد السيطرة عليها، إضافة إلى استخدامه المدنيين كدروع بشرية وهو ما يزيد من صعوبة المعركة ويدفع إلى إبطائها في بعض الأحيان لتقليل خسائر المدنيين، إضافة إلى قيام التنظيم بزرع الألغام في الشوارع واستخدام السيارات المفخخة لوقف تقدم القوات السورية، واستخدام القناصة على أسطح البيوت لاستهداف القوات والمدنيين معا، وكذلك استخدام سلاح الطائرات بدون طيار المزودة بالمتفجرات، ويتم توجيهها عن بعد لمنع تقدم القوات، وبالتالي المعركة الأخيرة هي سيناريو مكرر للمعارك السابقة، أي أن قوات سوريا الديمقراطية ستنجح في هزيمة التنظيم فيما تبقى من مساحة محدودة تشكل آخر معاقله في منطقة الباغوز، لكن المعركة ستأخذ بعض الوقت للاعتبارات السابقة، وبالتالي من الصعوبة أن يستعيد التنظيم نفوذه أو يسيطر على مناطق جديدة لأن المعركة هذه المرة ليست فقط لأنها تدور في مساحة صغيرة يتواجد فيها التنظيم وتم قتل وأسر بعض زعمائه المحليين، ولكن أيضا لأن الولايات المتحدة ترمي بثقلها في هذه المعركة وتدعم قوات سوريا الديمقراطية عبر قواتها الموجودة في شرقي البلاد وتتمثل في ألفي جندي يقومون بتدريب قوات سوريا الديمقراطية ودعمها لوجستياً وعسكرياً وتزويدها بالأسلحة والمعدات الحديثة، وبعد الجدل الذي أثاره قرار الرئيس الأمريكي ترامب بسحب قواته من سوريا، خاصة المعارضة من جانب القوات الكردية الحليفة للولايات المتحدة وكذلك من وزارة الدفاع الأمريكية، حيث استقال الوزير جيمس ماتيس اعتراضاً على ذلك القرار، تريد الولايات المتحدة إنهاء خطر «داعش» قبل إكمال سحب قواتها، لتخفيف حدة المعارضة المرتبطة باحتمالات عودة التنظيم مرة أخرى في حالة الانسحاب الأمريكي المنفرد، ومن هنا سعى باتريك شاناهان، القائم بأعمال وزير الدفاع الأمريكي، إلى الإعلان عن أن «داعش» سينتهي خلال أسبوعين، لطمأنة المعارضين للانسحاب العسكري الأمريكي من سوريا.
* ثالثا: أثبتت تجربة السنوات السابقة أن تنظيم «داعش» انتهى عملياً كمؤسسة وكتنظيم موجود على الأرض يسيطر على مساحات واسعة ومدن عديدة ويقوم بتطبيق قواعده على تلك المساحات الجغرافية، حيث تم تحرير كل المدن والقرى والمساحات التي كان يسيطر عليها في سوريا والعراق، لكن ظل التنظيم موجودا كخلايا نائمة وبعض الجيوب المتفرقة هنا وهناك، وظل خطره قائما مع قيامه بأعمال عنف وتفجير، كما حدث في بعض المدن العراقية مثل الموصل وبغداد وغيرهما، كذلك قيامه بعمليات انتحارية في بعض المدن السورية، أي أن التنظيم انتقل من حالة الوجود المؤسسي والتنظيمي على الأرض، إلى العمل تحت الأرض، بعد الهزائم الساحقة التي تعرض لها ومقتل غالبية قياداته وفقدانه لمعظم أسلحته التي كان يسيطر عليها واندلاع الخلافات بين «الدواعش» المحليين و«الدواعش» الأجانب الذين فر الكثير منهم من التنظيم. بالتالي رغم انتهاء التنظيم وتحرير آخر معاقله في سوريا إلا أن ذلك لا يعني انتهاء خطر التنظيم مع فرار الكثير من عناصره إلى مناطق أخرى في البلاد واعتماده على أسلوب الحروب الخاطفة وشن العمليات الانتحارية والتفجيرات المختلفة في محاولات مستميتة من جانب التنظيم لإظهار أنه باق وقادر على التحدي والصمود، وهو نفس السيناريو الذي تكرر في العراق مع انتهاء وجوده كتنظيم على الأرض، وتحوله إلى خلايا نائمة وجيوب تقوم بالعمليات الإرهابية والتفجيرية بين الحين والآخر. كما أن التنظيم يقوم بمحاولة تجميع صفوفه مرة أخرى واستخدام وسائل التكنولوجيا الحديثة مثل الإنترنت للتواصل والتخطيط وحشد الدعم المالي وتجنيد عناصر جديدة للانضمام إليه بعد فقدانه لأغلب عناصره.
* رابعا: إن انتهاء «داعش» تماما، ليس فقط كتنظيم وتحرير الأراضي التي يسيطر عليها، وإنما أيضا كفكرة وكجيوب وخلايا نائمة، يرتبط بانتهاء الظروف والمسببات والبيئة التي أدت لظهور هذا التنظيم، وبالتالي تبرز أهمية إنهاء الحرب وتحقيق التسوية السياسية وتدعيم الأمن والاستقرار في سوريا وتحقيق التنمية الشاملة وإعادة الإعمار وإعادة اللاجئين والمهاجرين، إضافة إلى المواجهة الفكرية والثقافية لدحض أفكار التنظيم المتشددة، كذلك تجفيف مصادر تمويله خاصة من بعض الجماعات والدول التي لديها مصلحة في استمرار هذا التنظيم لتوظيفه في خدمة مصالحها وأجنداتها، وبالتالي أفول نجم «داعش» نهائياً مرهون بتحقيق تلك المتطلبات وليس فقط تحرير الأراضي التي يسيطر عليها.

* خبير العلاقات الدولية في «الأهرام»

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"