واشنطن تلاحق مقاطعي «إسرائيل»

02:41 صباحا
قراءة 4 دقائق
عمرو عبد العاطي *

وافق مجلس الشيوخ الأمريكي، ذو الأغلبية الجمهورية، في الخامس من فبراير/شباط الجاري على مشروع قانون بعنوان «أمن الولايات المتحدة في الشرق الأوسط»، يسمح أحد بنوده للولايات المتحدة- في حال إقراره- بفرض عقوبات على الشركات الأمريكية التي تشارك في حركة «المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات ضد «إسرائيل»» (BDS)، حيث يمكّن الحكومة الفيدرالية، أو حكومات الولايات من سحب استثماراتها من أي دولة أو كيان يؤيد المقاطعة ضد «إسرائيل» ومستوطناتها في الضفة الغربية المحتلة.
صوّت لصالح هذا المشروع 77 سيناتوراً (جميع الأعضاء الجمهوريين بالمجلس ما عدا السيناتور راند بول و25 سيناتوراً ديمقراطيًّا) مقابل 23 سيناتوراً (منهم 22 ديمقراطياً). لكن يتوقع أن يرفض مجلس النواب ذو الأغلبية الديمقراطية مشروع القانون، لرفض كثير من أعضائه الديمقراطيين بنوده التي تقوض حرية التعبير المنصوص عليها في المادة الأولى من الدستور الأمريكي. فضلًا على دعم بعضهم مثل النائبتين المسلمتين، الفلسطينية الأصل «رشيدة طليب» واللاجئة الصومالية السابقة «إلهان عمر» للحركة. وقد انضمت الأخيرة إلى لجنة الشؤون الخارجية بالمجلس، التي تشرف على السياسة الخارجية والمساعدات الأجنبية الأمريكية، ما سيمنحها فرصة غير مسبوقة لتنشيط حركة المقاطعة، في حال اختيارها القيام بذلك.
وتهدف الحركة العالمية لمقاطعة «إسرائيل» (BDS)، التي أسستها هيئات ومنظمات مدنية فلسطينية في عام 2005، وتنسق عملها مع تنظيمات وحركات فلسطينية ودولية، إلى مقاطعة «إسرائيل» اقتصاديا وثقافيا وعلميا، احتجاجا على احتلالها للأراضي الفلسطينية. وترتكز في عملها على ثلاثة مبادئ، هي: المقاطعة، وسحب الاستثمارات، والعقوبات، لانتهاك «تل أبيب» حقوق الشعب الفلسطيني منذ عقود، بتبنيها سياسات عنصرية، واستخدام العنف ضد الفلسطينيين المطالبين بحقوقهم وأراضيهم التي هجروا منها قسريًّا.
وتمرير مجلس الشيوخ مشروع قانون لمعاقبة مقاطعي «إسرائيل»، ليس الأول من نوعه داخل الكونجرس الأمريكي بمجلسيه، حيث صوتت لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب- على سبيل المثال- بالإجماع على مشروع قانون آخر لمكافحة مقاطعة «إسرائيل» في العام الماضي، الذي كان يهدف إلى فرض عقوبات مالية، وربما جنائية، على الموظفين والشركات التي تمتثل لجهود الأمم المتحدة لجمع معلومات عن الشركات التابعة للمستوطنات «الإسرائيلية» في الضفة الغربية.
وقد مررت ست وعشرون ولاية أمريكية بأشكال مختلفة من قوانين مكافحة أنشطة حركة مقاطعي «إسرائيل» العالمية في السنوات الأخيرة، حيث تجبر بعض تلك القوانين الشركات على الاختيار بين المشاركة في مقاطعة «إسرائيل» أو الحفاظ على أعمالها داخل الولاية، لكن العديد من هذه التدابير يتم الطعن عليها حالياً في محاكم تلك الولايات. ففي أعقاب دعاوى قضائية من قبل بعض الشركات المتضررة من تلك القوانين، لأنها تتعارض مع حرية التعبير التي ينص عليها الدستور الأمريكي أوقفت المحاكم الفيدرالية في ولايتي أريزونا وكنساس القوانين التي أصدرتاها لمعاقبة الشركات المقاطعة ل«إسرائيل». وقد رفعت دعاوى قضائية مماثلة في الآونة الأخيرة في ولايتي تكساس وأركنساس.
يؤيد الكثير من أعضاء الكونجرس الأمريكي من الحزبين الجمهوري والديمقراطي مشاريع القوانين التي تدعو الولايات المتحدة إلى معاقبة مؤيدي (الحركة العالمية لمقاطعة «إسرائيل»)، لأنها تهدف من وجهة نظرهم إلى تدمير الحليف التقليدي للولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط، والعلاقات قوية بين الجانبين منذ قيام دولة «إسرائيل»، التي تقوم على القيم والمصالح الأمنية المشتركة في المنطقة، والمساعدة في نشر الممارسات الديمقراطية. فضلا على رؤية بعضهم أن مقاطعي «تل أبيب» يشنون عليها «حرباً اقتصادية عنصرية»، حسب تصريحات السيناتور الجمهوري «ماركو روبيو» مقدم مشروع القانون الذي وافق عليه مجلس الشيوخ مؤخرا.
وفي مقابل تأييد الساسة والمشرعين الأمريكيين لأي خطوات لمعاقبة مقاطعي «إسرائيل» يرى المعارضون أنها تشكل انتهاكاً غير دستوري للتعديل الأول للدستور الأمريكي، لأنها تعاقب الأفراد أو الكيانات على ممارسة المقاطعة الاقتصادية، والتي تعتبرها المحاكم الأمريكية شكلاً من أشكال حرية التعبير المكفولة للجميع. ويؤكدون ضرورة أن يكون المواطنون الأمريكيون قادرين على التعبير عن آرائهم السياسية دون خوف من معاقبة حكومتهم.
ومن أهم المنظمات الحقوقية الأمريكية المؤيدة لانخراط الشركات الأمريكية، والأمريكيين في الحركة العالمية لمقاطعة «إسرائيل»، الاتحاد الأمريكي للحريات المدنية (ACLU) الذي يساند الحركة، حيث عبر أكثر من مرة عن رفضه لأي مشروع قانون يناقش داخل الكونجرس بمجلسيه يدعو الولايات المتحدة إلى فرض عقوبات على الشركات الأمريكية أو الأفراد الذين يرفضون العمل داخل «إسرائيل». وفي تعليق للاتحاد على تمرير مجلس الشيوخ الأمريكي مشروعه الأخير لمعاقبة مقاطعي «إسرائيل» قالت المستشارة القانونية في الاتحاد «كاثلين روان» في بيان لها: إن «مجلس الشيوخ فضل السياسة على الدستور، وانتهك مادته الأولى، التي تكرس حقوق جميع الأمريكيين».
وفي الوقت الذي يتحد فيه الحزب الجمهوري في معارضة أي تحركات لمقاطعة «إسرائيل»، ينقسم الحزب الديمقراطي بين مؤيد ومعارض لتلك التحركات، حيث أظهر استطلاع للرأي أجرته جامعة «ميريلاند» في ديسمبر/كانون الأول الماضي أن 56٪ من الديمقراطيين يؤيدون فرض عقوبات أو اتخاذ إجراءات أكثر جدية ضد «إسرائيل» في حال استمرارها في توسيع مستوطناتها في الضفة الغربية. وذلك في مقابل موافقة 26٪ فقط من الجمهوريين.
يظهر الانقسام بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي حول معاقبة مقاطعي «إسرائيل» أن مسألة دعم الأخيرة أضحت قضية سياسية وحزبية بامتياز داخل الولايات المتحدة، حيث بات ينظر إلى الجمهوريين على أنهم إلى جانب «إسرائيل»؛ بينما الديمقراطيون منقسمون حولها. ولهذا مع قرب موعد الانتخابات الرئاسية المقررة في نوفمبر/تشرين الثاني من العام القادم يستغل الجمهوريون قضية تأييد «إسرائيل» لإبراز الانقسامات المتزايدة حول «تل أبيب» بين الديمقراطيين، لا سيما مع إعلان جميع الأعضاء الديمقراطيين بمجلس الشيوخ الذين أعلنوا رغبتهم بالترشح في الانتخابات الرئاسية لعام 2020 (سيناتور ماساتشوستس «إليزابيث وارن»، وسيناتور نيويورك «كريستين جيليبراند»، وسيناتور فيرمونت «بيرني ساندرز») معارضتهم لأي إجراءات عقابية ضد مقاطعي «إسرائيل»، باستثناء إيمي كلوبوشار، ما يجعلهم يخسرون الصوت والدعم اليهودي في الانتخابات بما يؤثر على فرص فوزهم في الانتخابات.
وقد دفع تزايد عدد الأعضاء الديمقراطيين المعارضين للدعم الأمريكي غير المشروط ل«إسرائيل» إلى تشكيل منظمة جديدة «المجلس الديمقراطي اليهودي الأمريكي»، وهي منظمة مقربة من «آيباك»، أقوى جماعات الضغط (اللوبيات) المؤيدة ل«إسرائيل» وسياساتها العنصرية ضد الشعب الفلسطيني داخل الولايات المتحدة والذي يملك قدرة تأثيرية كبيرة على الساسة والمشرعين الأمريكيين.

* باحث في الشؤون الأمريكية.مجلة السياسة الدولية.مؤسسة «الأهرام»

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"