ورطة الأدب

02:38 صباحا
قراءة دقيقتين
علاء الدين محمود

احتجبت جائزة نوبل عاماًَ كاملاً في 2018، بسبب فضائح متعلقة بالتحرش لعدد من أعضائها، وكان فصل هؤلاء الأعضاء والاحتجاب هو الوسيلة التي أرادت بها الأكاديمية السويدية التي تدير أمر الجائزة عودة الثقة التي بدأت تفقد، لكن عادت نوبل في 2019، لتقع في ورطة ربما هي أكبر من الجرم الذي ارتكبه أعضاؤها، وذلك عندما منحت جائزة الأدب للأديب والمترجم النمساوي بيتر هاندكه المتهم بالعنصرية، وهو الأمر الذي أثار سخطاً كبيراً في مختلف أنحاء العالم وبصورة خاصة في منطقة البلقان، وذلك بسبب تأييد هاندكه لزعيم الحرب «سلوبودان ميلوسوفيتش»، الذي ارتكب العديد من الفظائع خلال الحروب اليوغوسلافية، ونفذت الكثير من المنظمات المدنية، خاصة تلك المهتمة بضحايا جرائم الحرب البوسنية، وقفات احتجاجية ضد قرار الأكاديمية السويدية، وكذلك الصحف النمساوية والألمانية التي انتقدت القرار، بل إن بعض المنظمات طالبت بصورة مباشرة بإلغاء قرار الأكاديمية وسحب الجائزة من هاندكه الذي اعتبرته لا يستحق هذه الجائزة الرفيعة.
والأدهى أن الأكاديمية ظلت تدافع عن قرارها بطريقة زادت من حجم السخط عليها وذلك عندما فرقت بين تصريحات هاندكه السياسية ومحتوى كتاباته الإبداعية، فقد قال ماتس مالم، السكرتير الدائم للأكاديمية: «لقد أدلى الكاتب بتصريحات من المؤكد أنها استفزازية وغير متناسبة وغير واضحة بشأن القضايا السياسية، ولكن لا يوجد شيء فيما كتبه يتضمن هجمات على المجتمع المدني أو احترام القيمة المتساوية لجميع البشر»، وهذا بالطبع موقف غريب ولا يشير إلى التقاط الحساسيات المتعلقة بالعنصرية عند الأكاديمية.
ويبدو أن الأكاديمية تقف في موقف لا تحسد عليه، خاصة أن ورطة فضائح التحرش ومنح الجائزة لشخصية عنصرية، قد أعادت للأذهان الكثير من المواقف التي تقدح في نزاهة واستقلالية الجائزة على جميع مستوياتها.
وظلت شبهة السياسة تلاحق الجائزة ليس فقط على مستوى السلام بل كل أقسامها وبصورة خاصة فيما يتعلق بالأدب، ويرى الكثيرون أنها ظلت تمنح على الدوام لأدباء منسجمين في أفكارهم وكتاباتهم مع الأفكار الرأسمالية، وتتجاوز آخرين تمردوا عليها، خاصة في ظل ما كان يعرف بالحرب الباردة قبيل سقوط المعسكر الاشتراكي، وقد كان ذلك الأمر مثار انتقاد عنيف ومطالبة بتحرير الجائزة من الحمولة الأيديولوجية، وأن يتم النظر إلى الأعمال الأدبية وفق منطق الأدب وبعدم النظرة المتحيزة، وقد دفع ذلك الأمر كتاباً كباراً إلى رفض الجائزة بعد أن منحت لهم ومنهم: الكاتب الإيرلندي جورج برنارد شو، والروسي بوريس باسترناك صاحب رواية «دكتور زيفاغو»، وكذلك الأديب والفيلسوف جان بول سارتر.
وربما لا يستطيع أحد أن ينكر أن الجائزة قد ذهبت لأدباء عظام كان لهم تأثيرهم وشعبيتهم الواسعة، لكنها في ذات الوقت تجاوزت آخرين كبار، ويرجح أن السياسة والأيديولوجيا كانت وراء إبعادهم من نيلها ومنهم: ليو تولستوي، وإميل زولا، وأنطون تشيخوف، وكازنتزاكى، وبورخيس، وجيمس جويس، وجوزيف كونراد.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"