ولادة معاق صدمة لفرحة الإنجاب

اكتشاف الإ صابة موقف قاس على الأ بوين
05:20 صباحا
قراءة 9 دقائق

لا يكتمل حلم أي زوجين إلا بذلك المخلوق الصغير الجميل، الذي يملأ حياتهما بهجة ويدخل السرور إلى قلبيهما، ليصبح محط تركيزهما واهتمامهما، وهما يضعان قبل قدومه إلى الدنيا أحلاماً كثيرة، ويرسمان ملامحه ويصبح محور حديثهما قبل النوم، وينتظران تلك اللحظة التي تجمعهما به، ليقدما له كل حبهما وحنانهما، ولكن، ما أسوأ أن تتبخر تلك الأحلام وتضيع تلك الرسومات والأحاديث، وتصبح تلك اللحظة المنتظرة همّاً كبيراً يثقل كاهل الأبوين بسبب إصابة ابنهما المولود الجديد بمرض أو إعاقة ترافقه طوال حياته .

مواقف كثيرة ومؤلمة تعرض لها آباء وأمهات لأطفال من ذوي الإعاقة، ومن خلال هذا التحقيق فتحوا لنا قلوبهم وتحدثوا عن الصدمة التي تلقوها ولا يزالون يذكرون تفاصيلها حتى اليوم .

لا تزال عايدة قدورة (ربة منزل، وأم للطفل ناصر قدورة 13 عاماً ومصاب بمتلازمة داون)، تذكر تفاصيل ذلك اليوم الذي كانت تحمل فيه ابنها بين ذراعيها، لتتلقى مكالمة هاتفية من المستشفى تخبرها بإصابة ابنها بمتلازمة داون، لتصاب بانهيار وتقع أرضاً وابنها بين يديها . هي حالة من اللاوعي زادت من إصرارها على تحمل المسؤولية فاحتضنت ابنها بقوة ولم تسمح لأختها بأخذه من بين ذراعيها خوفاً عليه من المستقبل، وهنا تقول: أول كلمة قلتها مستحيل، التحاليل خاطئة، أريد إعادة التحاليل، حاول الجميع تهدئتي، بينما كنت أشكك في مصداقية التحاليل، فهذا ابني الذي كنت أحلم بشكله وملامحه الجميلة وحركاته وذكائه الخارق والمناخ الصحي الذي أريد تربيته فيه، وبعد أن تأكدت من الخبر الصدمة، امتنعت عن الطعام والشراب وكنت أفكر باستمرار في الطريقة التي سأشفي فيها ابني، ولم أكن أتقبل ذلك الوقت أن هذا المرض سيرافقه طيلة حياته، إلى أن قابلت طبيبة متخصصة شرحت لي الأمر، وأخبرتني أن هذا واقع عليّ أن أتعايش معه، وأن علي أن أقوم بأمرين مهمين، أولهما أن أنجب أخاً أو أختاً بسرعة لابني، حتى يشاركه وينمي قدراته ويتعامل معه، وثانيهما أن أوفر له بيئة تساعده على التميز، وفعلاً تركت وظيفتي وأنجبت أختاً له، وسافرت إلى أمريكا لوضع خطة لابني، واتصلت بالمراكز والمعاهد هناك، وكان التدخل المبكر يزورني في المنزل ثلاث مرات أسبوعياً، حتى أكمل ابني الثالثة من عمره لأعود بعدها إلى الشارقة، وأنا اليوم فخورة بناصر، فهو شاب حنون وواع لما يدور حوله، وأقول للأمهات اللواتي يرزقهن الله بابن معاق أن يصبرن ويقوين إيمانهن وأن يتعاملن مع الأمر الواقع بحكمة وعلى قدر الإحسان يكون الثواب .

وأكد بسام نسيب حسان (مستشار أول في شركة تأمين وأب لطارق 11 سنة الذي يعاني من شلل دماغي)، أنه لم يتزوج من فتيات العائلة خوفاً من الأمراض الناتجة عن ذلك، ولكن الأخطاء الطبية كانت السبب وراء إصابة ابنه بإعاقة شكلت له صدمة كبيرة في بادئ الأمر، وعنها يقول: لا تكفي التعابير والقواميس لوصف حالتي في ذلك الوقت . كانت الصدمة أكبر من أن توصف، ولم يكن همي المجتمع وأفراده ونظرتهم القاسية، بل كان همي هو التركيز على طريقة أشفي من خلالها طفلي الجميل، ويضيف: رغم ما نقوم به أنا ووالدته من جهود كبيرة، نشعر بالتقصير تجاهه، ولا يمر عليّ يوم من دون أن أقبل يديه وأعتذر منه وأطلب منه أن يسامحني فربما أراد شيئاً ولم افهمه، وأشاد بسام بدور والدة طارق في استيعاب حالته والتعامل معها بكل حكمة ووعي، حيث تقبلت الأمر بسرعة رغم ألمها ورغم أن طارق هو مولودهما الأول بعد تسع سنوات من الانتظار . وعن رد فعله حين علم بالخبر يقول: أصابني هبوط مفاجئ في الضغط، وجلست أفكر ماذا سأفعل، والصدمة الكبرى كانت حين أكمل ابني السنة وهو لا يتكلم ولا يحبو ولا يجلس، أما الصدمة الأكبر فهي حين اخبرني الأطباء بأنه لن يمشي طيلة حياته، ومن هنا قررت ألا أنجب أطفالاً آخرين حتى أخصص كل الوقت لابني طارق، ولكن إرادة الله كانت غير ذلك، حيث رزقنا أطفالاً آخرين يتمتعون بصحة جيدة، وقد تعاملت بعد ذلك مع الأمر بقدر كبير من الوعي، وكنت أذهب أنا وزوجتي إلى أبوظبي كل جمعة من أجل جلسة علاج مدتها سبع دقائق، ونعود في اليوم نفسه لنطبق العلاج طول اليوم، حتى تحسن أبني كثيراً، وأنا اليوم فخور بابني الذي أراه متميزاً في دراسته، وأحرص على أن يشارك في الفعاليات والأنشطة المختلفة، كما شارك في 14 برنامجاً مختلفاً على قنوات عدة استضافته لتميزه .

وعانت نورة زكي (موظفة، وأم للطفل يوسف عبدالسلام المصاب بمتلازمة داون) كثيراً، وكانت صدمتها كبيرة إلا أنها كانت على قدر كبير من الوعي جعلها تبكي لوحدها وتتعامل مع قسوة الواقع بقوة، وعن ابنها يوسف تقول: بعد ولادته لم تظهر عليه أي أعراض للإعاقة، حتى على مستوى الشكل فقد كانت إصابته بالمنغوليا بسيطة جداً، ولم تظهر عليه أي أعراض، إلى جانب أن طبيبه لم يصدق الأمر رغم تعامله مع يوسف بشكل مستمر وذلك لذكائه الحاد، وفي بداية الأمر ورغم أنه لم يخبرني أحد بالإعاقة التي يعاني منها ابني إلا أني شعرت بأن هناك شيئاً ما، ففي كل مرة أصطحب ابني للمستشفى كان الأطباء يفحصونه بطريقة مختلفة، حيث يركزون على فحص عينيه على عكس ما يقومون به مع الأطفال الآخرين، كما كانوا يطلبون مني إجراء مراجعات متقاربة، وطلبوا في المراجعة الأخيرة فحصاً للدم ليتأكدوا من الجينات، وحين ظهرت النتيجة أعطوني الأوراق لآخذها للطبيب، ولاحظت تكرار كلمة في كل الأوراق وهي منغوليا فبحثت عنها وعرفت معناها، وحين ذهبت إلى طبيب ابني استغرب الأمر وقال إن ابني يتمتع بذكاء حاد، ورغم ألمي تعاملت مع الأمر بجدية ولم اترك اليأس يتمكن مني، ووجدت أن تجاوبه معي ممتاز ولا يختلف عن إخوته كثيراً، فهو طفل طبيعي لا يعاني إلا بعض الكلام غير المفهوم بالنسبة للآخرين، وأنا فخورة به وهو الوحيد بين إخوته الذي يمتلك مواهب كثير ومتميزة .

بدأ عصام بوخير (موظف في العلاقات العامة ووالد شادي 21 عاماً الذي يعاني شللاً دماغياً) حديثه بالقول: يحلم أي أب وأم بأن ينجبا أبناء بصحة جيدة، إلى أن أتى ذلك اليوم الذي أنجبت فيه زوجتي ابني شادي، الذي كلما كان يكبر كان شكنا يزداد في أنه يعاني مشكلة ما . وفضل عصام أن يترك زوجته تتحدث عن ذلك وتطرق للحديث عن فخره بابنه الشاب المبدع في العزف على الأورج، والحاصل على أكثر من تكريم إلى جانب حصوله على المركز الأول باستخدام الكمبيوتر، وهنا تحدثت زوجته، موظفة، عن ذلك اليوم فقالت: منذ لحظة ولادته وحتى الشهر الخامس لم نكن نعرف أنه يعاني أية إعاقة حتى بدأ الأهل والأقارب يلاحظون تأخر الحبو لديه والحركات التي يقوم بها الأطفال في هذا العمر، وبين الأطباء والمستشفيات توصلنا بعد عامين لمعرفة أنه بحاجة إلى عملية جراحية في الدماغ ستساعد نموه الحركي، وفعلاً بدأ يحبو بعد العملية بسنة أي حين كان في الثالثة من عمره . وعن رد فعلها حين تلقت الخبر تقول أم شادي: بكيت كثيراً، ولكني تحركت فوراً ولم أيأس لأن التأخير في إجراء العملية قد يسبب له شللاً كاملاً، ولم يكن هناك أي وقت للتفكير أو اليأس، وها هو يتطور كثيراً، وأصبح متميزاً في جوانب كثيرة، ولديه إحساس عال بالآخرين وحنان كبير تجاهي، وأظهر تميزه في الكمبيوتر والعزف على الأورج، وها أنا ووالده اليوم نحاول أن نجعله ينخرط في مجال العمل ونبحث له عن مكان يستطيع أن يثبت من خلاله قدرته على التحدي وإبراز قدراته .

وأكدت منى ممدوح (اختصاصية اجتماعية في إحدى مدارس دبي وأم للطفلة نوران 7 سنوات التي تعاني شللاً دماغياً) أنها كانت تعاني هواجس كثيرة قبل ولادة طفلتها، وأن تلك الهواجس هيأت لها تقبل الأمر، وتقول: بعد ولادة طفلتي شعرت بأن هناك شيئاً غير طبيعي إلا أن الأطباء كانوا يؤكدون لي عكس ذلك، ولكن إحساسي بابنتي لم يكن خاطئاً، وما زاد ألمي جهل الأطباء واستخفافهم بمشاعري كأم، حيث كانوا يردون على مخاوفي ردوداً جارحة . وعن رد فعلها لحظة معرفتها بخبر إصابة ابنتها بالشلل الدماغي تقول: لفت بي الأرض ودارت، وشعرت بأن غرفة الكشف تضيق علي وأردت الخروج منها فوراً، كما كانت الطريقة التي أخبرني بها الطبيب الخبر مستفزة جداً، حيث قال لي حرفياً: ابنتك لديها شلل دماغي أي أنها تعاني تخلفاً عقلياً، وستصبح عمياء ولن تتكلم ولن تكون كباقي أطفال، وهنا تعبت كثيراً وبكيت كثيراً . تضيف منى: المشكلة أننا وحتى الآن لا نملك طب الأطفال حديثي الولادة أو طب إعاقة ولدينا قصور كبير في هذا المجال، كما أنه ليست لدينا كليات للعلاج الطبيعي، إلى جانب معاناتي المستمرة مع عدم وجود مركز متكامل يقدم خدمات طبية للطفل المعاق، فحين أريد اصطحاب ابنتي إلى طبيب الأسنان لا أجد أي طبيب مستعداً لعلاجها، وذلك بسبب حاجتها للتخدير الكامل، إلى جانب الأسعار الغالية جداً في المستشفيات الخاصة، أما في المستشفيات الحكومية فلا وجود لاختصاصي تخدير للأطفال . وعبرت منى عن غضبها من الطريقة التي يتعامل بها الأطباء مع أهالي الأطفال من ذوي الإعاقة حين يخبرونهم بالأمر، حيث ذكرت أن الطبيب أجابها حين سألته عما ستفعله مع طفلتها بالتالي: لا تتعبي نفسك، وقومي بتربيتها كما تربين القطة، لأنها تحتاج للطعام والشراب فقط، وركزي على أبنائك الآخرين . وعما فعلته في ذلك الوقت تقول: أخبرته بأن رحمة الله واسعة وأنني أم وسأقدم لابنتي كل ما تحتاج إليه .

وأكدت سليمة المهيني (اختصاصية اجتماعية في هذا المجال وأم لطفل يعاني متلازمة داون) أن الطريقة التي يخبر بها الأطباء أهالي الأطفال المعاقين تحتاج إلى إعادة النظر فيها، وذلك لقسوتها على الأهل، وتقول: الأمر ليس سهلاً كما يتوقعون، وقد حدث معي موقف جرحني كثيراً وخصوصاً أن لدي ابناً يعاني متلازمة داون، حيث سألت الطبيب ماذا أفعل معه؟ فرد علي: عوضك على الله وركزي على ابنتك الكبرى، وهنا شعرت بأنه يعزيني وأن ابني مجرد مشكلة ومصيبة . وعن الطريقة الأمثل للتعامل مع الأهالي تقول سليمة: يجب أن يعم الوعي بين الأطباء بأهمية التعامل مع الوالدين وإخبارهم بالطريقة الصحيحة، وذلك بأن يراعوا وجود أحد إلى جانبها كزوجها أو أمها، والأفضل أن يقوم الطبيب بعقد اجتماع مصغر مع الأم والأب وطبيب الأطفال واستخدام كلمات مبسطة لأن بعض المصطلحات تهول الأمر، كما يجب إخبارهم في هذا الاجتماع عن الطريقة الأمثل في التعامل مع الطفل وذكر ما يمكن أن يفعله للطفل قبل ذكر ما يمكن عليه فعله، تضيف: من خلال عملي وخبرتي في هذا المجال فلا تزال أمهات كثيرات لم يتخطين الصدمة بعد رغم مرور وقت طويل على معرفتهن بإعاقة أبنائهن، وهذا بسبب الطريقة السيئة التي بث فيها الطبيب الخبر للأم، حيث فقدت في تلك اللحظة كل أمل يشعرها بأن طفلها من الممكن أن يبدع وينجح بمساعدتها، كما تؤكد سليمة أن الأم تمر بمراحل عدة تبدأ بالرفض، والصدمة وبعدها الإفاقة من الصدمة لتدخل تدريجياً مرحلة تقبل الأمر، وتبدأ بعد ذلك بالتعامل معه، وفي كل مرحلة تكون بحاجة للدعم حيث من المهم أن يكون الطبيب والأسرة حولها .

ولتوضيح الصورة تحدثنا مع وائل علام، الاختصاصي النفسي والمدير الفني في مركز التدخل المبكر بمدينة الشارقة للخدمات الإنسانية، والذي أكد أن هناك أهالي كثيرين يشتكون من الطريقة التي تعامل فيها الأطباء معهم، ما شكّل لهم صدمة ضاعفت قسوة الخبر الذي بثوه إليهم، ويقول: يقوم الكثيرين الأطباء بالإشارة للمشكلة التي يعانيها الطفل من دون الإشارة إلى أية إيجابية أو ما يمكن على الطفل القيام به مستقبلاً، ويردد عبارات قاسية منها: لن نتوقع منه الكثير، أو ركزوا على أطفالكم الآخرين، أو يقال للأم حاولي أن تنجبي غيره للتعويض، ولا تتوقعي منه إلا الأشياء البسيطة جدا، وهكذا . ويؤكد ان التركيز على الجانب السلبي يسبب جرحاً كبيراً للأهلي، وهنا تلجأ الأسر للبحث عن مخارج أخرى فلا يتعاملون مع الطفل ويتركون شؤونه للخادمة، ويعمل الكثير منهم على التعامل معهم كمشكلة ويحبسونهم في المنازل . وعن الطريقة المثلى للتعامل مع الأهالي يقول: هناك تكنيك وطريقة متعارف عليها بين الأطباء ومصطلحات وعبارات لكل حالة في الكتب الطبية، تسهل فهم الأمر وتقبله لدى أسرة الطفل، وتجعل التعامل معه أسهل، كما يجب أن يركز الطبيب على وضع الحلول للأهل ويقف إلى جانبهم ما يخفف عنهم الكثير، ويذكر بعض الأمثلة التي رآها وعايشها وحققت النجاح والتميز، ويضيف: يجب أن يتجنب الأطباء أن يتعاملوا مع الطفل كمجرد مشكلة أو حظ سيئ، كما يجب أن يركز الحوار بين الاختصاصي والأسرة على قدرات الطفل وتطوره والخطوات التي يجب أن تتبعها الأسرة مع الاختصاصي الذي يجب أن يقف إلى جانبهم ويشاركهم هذه المسؤولية .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"