“الفوضى التي نظموها” قصة الغزو الأمريكي للعراق

يحكي عن الشرق الأوسط بعد 2002
13:07 مساء
قراءة 4 دقائق

يعتبر جون دايار، في كتابه الفوضى التي نظموها، الشرق الأوسط بعد العراق والذي ترجمه بسام شيحا وصدر عن الدار العربية للعلوم في بيروت، أن الشرق الأوسط الذي عرفناه خلال التسع عشرة سنة الماضية في طريقه إلى الزوال، لأن الأمريكيّين سيرحلون في القريب العاجل، والرئيس بوش مصمّم على رفض هذه النهاية بالقول إن قواته العسكرية لن تغادر إلا بعد مغادرته لمنصبه، إلا أنها نهاية آتية لا ريب فيها. ورغم أن بوش سيخرج مهزوماً ومكللاً بالعار، إلا أنه نجح في تهيئة الظروف لتحويل المنطقة؛ وإن ليس بالطريقة التي كان يريدها تماماً.

أما بالنسبة للإرهاب الشرق أوسطي، فإن التطرف والإرهاب الذي يولده هما ليس أكثر من ردي فعل على قرن من الهيمنة والاستغلال الأجنبيين للمنطقة. صحيح أنه لن يتوقف تماماً حالما يكفّ الغرب يده عن العبث في المنطقة، لكن الاستياء والشعور بالذل سيضمحلان بسرعة. فالغرب سيتوقف حتماً عن التدخل في شؤون المنطقة، لأن الولايات المتحدة ستعود إلى وطنها مجروحة.

ويتابع جون دايار الكلام. فيقول إن الشرق الأوسط كان المكان الخاطئ لوضع دولة يهودية فيه، إذا كان القصد هو إيجاد ملجأ آمن ليهود العالم، لكن هذا ما حدث الآن على أي حال، والسؤال هو: هل ستبقى إسرائيل؟ والجواب ربما، لأن إسرائيل كانت وما تزال تمتلك القدرة على أخذ كامل المنطقة معها إلى الجحيم في حروب نووية كارثية. ولكن، من جهة اخرى، باستطاعة إسرائيل أن تصبح جزءاً مندمجاً إلى حدّ معقول مع محيطها إذا ما سارعت إلى عقد الاتفاقيات المناسبة، بيد أنها لن تعقد هذه الاتفاقيات طالما أنها تؤمن بأنها تمتلك حق استخدام القوة الساحقة للولايات المتحدة الأمريكية. ولهذا السبب، قد يكون انسحاب القوة الأمريكية من المنطقة نعمة خفية، حتى بالنسبة لإسرائيل.

ويرى المؤلف أن الولايات المتحدة قامت في وقت مبكر من العام 2002 بفعل شيء لم تفعله حتى في خضم الحرب الباردة، عندما وعد الرئيس جون كينيدي بدفع أي ثمن وتحمّل أي عبء في سبيل احتواء التوسعية السوفييتية: ادّعت رسمياً بحقها بامتلاك موقع أعلى من كل مواقع الدول الأخرى، وحتى من القانون الدولي نفسه. حيث قال الرئيس بوش في خطاب حالة الاتحاد (أو خطاب محور الشر) في 29 يناير/كانون الثاني من العام 2002: لن أنتظر الأحداث بينما الأخطار تستجمع. لن أقف جانباً والخطر يقترب شيئاً فشيئاً. لن تسمح الولايات المتحدة لأشد الأنظمة خطراً في العالم بأن تهدّدنا بأشد الأسلحة تدميراً في العالم. كان هذا الخطاب، بحسب المحلل الاستراتيجي إيفو دالدر، بمثابة إعلان حرب حقيقي. إنه يعلن عن مبدأ جديد يقول إن الناس الذين نصفهم بالأشرار، مع أسلحتهم التي نعلن بأنها شريرة، لا يختلفون عن الإرهابيّين، ولهذا غزا بوش العراق.

وبعد أربع سنوات، رغم تداعي المغامرة العراقية، ظَل بوش يقدم نفس الادعاء القائل إن للولايات المتحدة منزلة خاصة تسمح لها بالتصرف عسكرياً بدون أي مساندة من الدول الأخرى أو حتى الأمم المتحدة، حيث أكد مجدداً في تقريره المتعلق باستراتيجية الأمن القومي الذي سلمه إلى الكونجرس في مارس/آذار من العام ،2006 بأن الولايات المتحدة ستهاجم أي بلد تشعر بأنه خطر، في عدم اكتراث كامل للقانون الدولي: عند الضرورة... نحن لا نستبعد استخدام القوة قبل حدوث الهجمات؛ حتى لو لم نكن متأكدين من توقيت ومكان هجوم العدو... إن بند الهجوم الاستباقي لم يتغير في استراتيجيتنا الخاصة بالأمن القومي، وبعد ذلك، قدّم تصوراته حول احتمالات الهجوم على إيران. ويعتبر المؤلف أن سمعة الولايات المتحدة تلقت ضربات موجعة متكررة خلال السنوات القليلة الماضية، في حين أن السلطة الدولية لا تعتمد فقط على الموارد والمال والأسلحة، رغم أنه لا يمكن امتلاكها بدون هذه الأشياء. إنها تعتمد أيضاً على السمعة، سمعة التعامل الصادق، والثبات، والنجاح. وليس هناك بلد في العالم، حتى الولايات المتحدة في ذروة انتصارها الأعظم في الحرب العالمية الثانية، يمكنها تجاهل هذه العوامل؛ مع أنها كانت تمتلكها كلها حينئذ، وبكثرة. ففي المرحلة الممتدة من نهاية الأربعينات إلى نهاية الخمسينات، كان معظم العالم غير الشيوعي ينظر إلى الولايات المتحدة على أنها مدينة مشعة فوق الهضبة. كان الديبلوماسيون الأمريكيون معترف لهم بالتفوق، ونادراً ما كان يشك أحد بالنوايا الأمريكية، ثم وصل هذا الإعجاب غير المحدود إلى نهايته في الحرب الفيتنامية، حيث ظهرت الولايات المتحدة كدولة مثل باقي الدول، قابلة لارتكاب أخطاء جسيمة وفظائع كبيرة. لكن الجروح التي أصابت سمعة الولايات المتحدة في فيتنام كانت أقل عمقاً مما كانت تبدو في البداية، فاندملت بسرعة. وبحلول نهاية الثمانينات وبداية التسعينات، عاد العالم لينظر إلى الولايات المتحدة كبلد نافع لا يمكن الاستغناء عنه وكزعيم طبيعي أيضاً.

لكن المغامرات الأمريكية الحالية في الشرق الأوسط أحدثت ضرراً أعمق بكثير على سمعة أمريكا من حرب فيتنام، لأنها تثير الشك في دوافعها بل وفي قدرتها الأساسية أيضاً.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"