“عبدالعظيم أنيس” عطاء لاينضب

85 شمعة في ميلاد العالم الكبير
12:48 مساء
قراءة 4 دقائق

يعد د. عبدالعظيم أنيس أحد العلماء البارزين الذين تركوا بصماتهم الواضحة في المجالات الأكاديمية والفكرية والثقافية بجانب المجالات العامة، وعلى مختلف المستويات المحلية والعربية والدولية، وهو أحد الرواد الأوائل لعلم الإحصاء والاحتمالات في مصر والعالم العربي، وأحد القلائل المتخصصين على مستوى العالم في نظم تخزين المياه ودراسة سعة الخزانات، التي تقام على مجاري المياه والأنهار، وتتلمذ على يد العالم د. مصطفى مشرفة في مرحلة البكالوريوس، ثم على يد البروفيسور برنارد أحد كبار علماء الرياضيات والإحصاء في الكلية الإمبراطورية بإنجلترا، وذلك في مرحلة الدكتوراه.

واحتفالاً بمرور 85 عاماً على ميلاده أصدر مركز المحروسة كتاب عبدالعظيم أنيس.. عطاء لا ينضب من إعداد محمد عامر، سيد البحراوي، سعيدة منتصر، ثناء الجيار، ثريا عبدالجواد، وتوخت لجنة الإعداد أن يتضمن الكتاب أكبر قدر من التعريف بالمجهول عن عبدالعظيم أنيس، فبدأت بلمحة عن تاريخه العلمي والوطني، ثم نشأته كما كتبها في كتابه ذكريات من حياتي ثم مجموعة من الشهادات لرفاقه وأصدقائه وتلاميذه.

وربما يفاجأ الكثيرون حين يعرفون تخصص د. عبدالعظيم أنيس الدقيق في علم الإحصاء، لأنهم يعرفون عنه اهتمامه الأساسي بالنقد الأدبي، وكان كتابه الأول في الثقافة المصرية الذي أنجزه بمشاركة محمود أمين العالم، علامة في هذا الطريق، إذ رفع أنيس والعالم في هذا الكتاب شعار الأدب في سبيل الحياة، وخاضا من أجله معارك مع عباس محمود العقاد وطه حسين، وربما لهذا السبب فوجئ الناقد اللبناني محمد دكروب، حين وصل أنيس إلى بيروت عام 1954 مبعدا، أو مطرودا من الجامعة المصرية هو وخمسون من أساتذتها، وحين سأله عن أي ميدان من ميادين الثقافة في بيروت يريد العمل فيه، فقال له أريد أن أعمل في تخصصي العلمي وهو الإحصاء الرياضي، وبالفعل ألقى أنيس محاضرات علمية في هذا التخصص في معهد الإحصاء الدولي فرع بيروت.

والواقع أن أنيس يضع أيدينا على هذه الإشكالية، حين واجهته عام ،1939 إثر حصوله على شهادة الثقافة العامة، وكان عليه أن يختار إحدى الشعب الثلاث للسنة التوجيهية (آداب علوم رياضيات) وكان محباً للغة العربية والأدب والفلسفة، كما كان محباً للرياضيات ومتفوقا فيها، لكن نظام التعليم الجامعي في ذلك الوقت لم يكن يسمح بالجمع بينهما، لكن أخاه إبراهيم أنيس استطاع أن يقنعه بالالتحاق بكلية العلوم لدراسة الرياضيات، وقال له إنه بمقدوره دراسة الأدب والفلسفة وحده، وخلال أشهر الصيف، وبأية وسائل متاحة، وهذا ما كان. يقول أنيس نفسه إنه دخل قسم الرياضيات في كلية العلوم ولم يندم على ذلك أبداً، ويشير إلى جماليات الرياضيات، فيروي أنه في مرحلة المراهقة والنزعات الأفلاطونية، وعالم المثل بدت له العلوم الرياضية البحتة، لا التطبيقية، ذات جمال خاص، وما يذهله حسب قوله هو معنى هذه الحقائق الرياضية في الهندسة والجبر التي بدت كأنها مستقلة عن أي خبرة، إنه عالم المثل إذن، كما يقول أفلاطون.

لكن تشاء الأحداث أن يبرز اسم عبدالعظيم أنيس ناقداً أدبياً، مع بداية الخمسينات، في ظروف معركة أدبية، وصفت بأنها بين شيوخ الأدب وشبابه، وتشاء الإرادة أن تكون هذه الكتابات في النقد الأدبي تمرينا عاما لكتابات لاحقة في مسارات العلم والعلماء، تأخذ في الكتابة النقدية بعض طرائقها وأساليبها، وكما يقول دكروب كان أنيس حريصاً على ألا يضع سوراً بين تكوينه العلمي والثقافي الأدبي السياسي، فكان يحرص وهو العالم على أن يستزيد من ثقافته الأدبية والفلسفية الفنية الموسيقية، ويختزن الخبرات من نشاطه السياسي العام، وأفادته الكتابة الأدبية كثيراً في مجاله العلمي، وعودة إلى الجانب المجهول في حياة د. عبدالعظيم أنيس، المولود عام ،1923 فإنه عمل في العديد من الجامعات والمعاهد العلمية داخل مصر وخارجها، من خلال موقعه كأستاذ كرسي للرياضة البحتة بكلية العلوم، في جامعة عين شمس، وكأستاذ زائر في الجامعات البريطانية لسنوات عديدة، وقام بإنشاء شعبة الإحصاء الرياضي بقسم الرياضيات بكلية العلوم في جامعة عين شمس، وتتلمذ على يديه من هم أساتذة في هذه الشعبة، كما كون أنيس مدرسة علمية في مجال تخزين المياه، وتعتبر أبحاثه المنشورة في كبريات المجلات والمؤتمرات الدولية المتخصصة إسهاماً دولياً بارزاً في هذا الموضوع، حيث تمثل دراسة وافية حول مشاكل سعة الخزانات التي تقام على الأنهار، وترجم هذه المشاكل إلى نماذج رياضية وإحصائية للتوصل إلى أنسب الحلول وهي دراسات تنتمي بطبيعتها إلى فرع متقدم في الإحصاء، وسعت الدول الكبرى للاستفادة من هذه الأبحاث، فدعته أكثر من مرة بصفته الشخصية لإلقاء أبحاث في قسم مصادر المياه بالمعهد الذي أنشأه نيكسون بريجنيف، في ظل سياسة التعايش السلمي.

كما استعانت به الأمم المتحدة خبيراً في هذا المجال وترأس قسم الإحصاء في المعهد العربي للتخطيط بالكويت في الفترة من 1978 إلى ،1981 وهو حتى الآن مستشار لهيئة الأمم المتحدة باللجنة الاقتصادية والاجتماعية لدول غرب آسيا الاسكوا، وله مؤلفات علمية عديدة منها كتاب عن تاريخ الرياضيات إضافة إلى ترجماته للعربية.

ويحكي د. محمود عبدالفضيل، عن أنيس حين انتقل للعمل في إحدى جامعات إنجلترا، وعندما قام العدوان الثلاثي على مصر في خريف ،1956 في أعقاب تأميم قناة السويس كان د. أنيس يقود المظاهرات المعادية للغرب في ميدان الطرف الأغر في لندن، وكان من أبرز الخطباء في هذا الحشد، وقدم استقالته من منصبه كمدرس للإحصاء بجامعة لندن، احتجاجاً على مشاركة بريطانيا في الحرب، وعاد إلى مصر، عبر السودان، لا ليجد مكانه في الجامعة المصرية، وإنما ليدخل الحياة العامة من باب الصحافة، إذ عمل محررا للشؤون العربية في جريدة المساء.

وفي الأخير فإننا نسترشد بما كتبه طارق البشري عن أنيس إذ يراه من الوطنيين المصريين العظام، ويقول: ونحن عندما نتبنى منهجه في الثقافة المصرية، في التفرقة بين الشكل والمضمون نجد أن الأفكار والمؤسسات والعلاقات كلها تخليق لشكل، أما الجوهر والمضمون فهو الوطن، وهو لم يغره أبداً مال ولا منصب ولا جاه، ولم يضح بشيء من ذلك، لأنه لم يطلبه أصلا، ولا دخل شيء من ذلك في ساحة اهتماماته.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"