عادي

"نجم ساطع" أغفل نهاية كيتس

01:47 صباحا
قراءة 3 دقائق

هناك سخرية قدرية في الأشهر الأخيرة من حياة الشاعر البريطاني جون كيتس (1795-1821) أفلتت من ملاحظة المخرجة الاسترالية جين كامبيون في فيلمها الحديث نجم ساطع . والسبب أن الشاعر الذي مات شاباً بمرض السل كان قرر الإبحار إلى إيطالياً طلباً لدفئها الصيفي، واصطحبه في رحلته صديقه الرسّام جوزف سيفرن . أقلعا في سبتمبر/أيلول بحراً، لكن السفينة تعرضت لعواصف عاتية أخّرت وصولها إلى منتصف نوفمبر/تشرين الأول . حينها كانت بقايا الدفء الصيفي ولت والطقس البارد حل ومات كيتس بعد شهرين وعشرة أيام من وصوله في بيت في روما . السخرية كامنة ليس في تلك العواصف التي عبثت بالرحلة البحرية وأخرتها، إنما في وصولها في الوقت ذاته الذي بدأت فيه السلطات الإيطالية إجراءات تقضي بحجز كل سفينة مقبلة من بريطانيا بسبب انتشار مرض الكوليرا . كيتس الذي لم يكن مصاباً بالكوليرا مكث عشرة أيام على ظهر السفينة يسعل ويحصي أيام حياته الباقيات، وحين الإفراج عن الركّاب بعد الفحص كانت الرحلة استنفدت أغراضها قبل أن تبدأ .

فيلم جين كامبيون، الذي شهد عروضه التجارية قبل فترة ليست بالبعيدة وسط اهتمام بالغ من النقاد وبعض المتابعين لأعمالها أو للمهتين بالأفلام التي تدور حول شخصيات أدبية، يكتفي بالإحاطة بالجوانب العاطفية من هذه التراجيديا ويخلو من تجسيد لتلك السخرية التي عايشها الشاعر خلال حياته الصغيرة .

إنه عن علاقة الحب بين كيتس (كما يقوم بدوره بن ويشبون) وفاني برون (آبي غوريش) التي تنمو في فترة صغيرة من الزمن لم تسمح لهما بالكثير من الوقت لتوجيه العاطفة صوب النتيجة المنتظرة لها . حين رأته غمزت الصنارة سريعاً، ربما بسبب شبابه وحسن طلعته، أو ربما بسبب ما خطه من أبيات شعر كان جديداً على مسامعها . ولم تكن واثقة مما إذا كان كيتس شاعراً حقيقياً أم مجرد صورة خاوية حين طلبت من شقيقتها الصغيرة شراء أحد كتبه لتعرف، على حد قولها في الفيلم، ما إذا كان هذا الشاعر غبياً أم لا .

لاحقاً ما تمضي المخرجة في سبر غور سلسلة من المآسي الصغيرة التي عايشها الشاعر قبل إصابته بالسل، وكيف بذلت فاني في سبيل مساعدته الوقوف على قدميه من جديد .

الفيلم يتيح للمخرجة كامبيون التعامل مرة أخرى مع موضوعها المفضل: الشخصية النسائية التي تعاني في سبيل حبها، كما كان الحال في ثلاثة من أفلامها السابقة على الأقل هي ملاك في طفولتي (1990) والبيانو (1993) وصورة سيّدة(1996) .

مثل تلك الأفلام أيضاً، فإن عناية جين بالتفاصيل وعناصر الصورة التشكيلية والمناظر والديكورات دقيقة من دون أن تعيق العلاقة المنشودة بين الفيلم ومشاهديه . هذا يأتي هنا مصحوباً بتصوير ينص، إضاءة وألواناً، على قدر كبير من التماثل مع رسومات الفترة ذاتها . أمر بات عدد متزايد من المخرجين المتعاملين مع مواضيع تدور في العصور السابقة تلجأ إليه من باب المعايشة أو التقدير، أو كليهما .

يذكر الفيلم، إلى حد أقرب إلى الرصد، كيف أن كيتس لم يكن شاعراً ناجحاً على الصعيدين الجماهيري والنقدي . هذا تبدل لاحقاً قبيل وفاته، وربما بتأثير من قصّة حياته المأسوية، ثم تبدّل أكثر بعد مرور عقود تبلور فيها تأثيره كمنتم إلى الشعر الرومانسي في زمن كان الشعر الكلاسيكي لا يزال سائداً . جين كامبيون تستقي ما تريد من المعلومات لتضع سيناريو مكتوباً خصّيصاً للشاشة، وبذلك تمنح لنفسها مشروعية المؤلّف أيضاً .

* فنياً الفيلم مُصاغ حسب الحاجة إلى نوعه وبضوء من المادّة ذاتها . بذلك هو رومانسي كما شعر الكاتب وكما كانت حياته . على ذلك لا يخرج الفيلم من حدوده الضيّقة بسبب من تخصص السيناريو بجزء محدود من حياة الشاعر وتكرار مواقع التصوير ثم الحدود الإنتاجية التي عليه الالتزام بها . جزء آخر من ذلك يعود إلى الرغبة الحثيثة لدى كامبيون، في كل أفلامها، لأن تقترب من شخصياتها إلى درجة إشباع سريع تقضي على استمرارية الفضول . بالتالي، نصف ساعة من الفيلم والمرء يشعر أنه شاهد ما يكفي حتى ولو قرر أن يمضي في رحلته تلك إلى النهاية .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"