عادي
يمكن التغلب عليه بالتدريب

الخوف أوهام تسكن الرأس

04:53 صباحا
قراءة 7 دقائق

الخوف حالة شعورية تنتاب الإنسان عندما يواجه خطراً ما، دون أن يكون لديه الاستعداد لمواجهته، وكلما زاد الإحساس بهذا الخطر، زاد خوف الفرد إلى الدرجة التي يصل فيها أحياناً إلى العجز الفكري، الذي يؤدي إلى شلل الإرادة والاستسلام لهذا الشعور، الذي قد يدمر صاحبه ويقوده إلى سلوك شائك يعاقب من خلاله نفسه والآخرين . أما إذا تحلى الإنسان بالقوة والثبات فسوف تكون لديه الإرادة التي تمكنه من مجابهة هذا الخطر وقهره .

وفي عام ،1998 في إحدى المدارس الثانوية في ولاية تينيسي الأمريكية، اشتكت معلمة من انبعاث رائحة تشبه رائحة الغازولين داخل الصف، ولم تمض أيام حتى سقطت المعلمة فريسة للمرض، وظهرت عليها أعراض مثل الغثيان وضيق في التنفس والصداع، وبعد فترة قصيرة أصيب عدد من التلميذات بالأعراض نفسها التي سرعان ما انتقلت إلى كل تلميذات المدرسة .

وأدخلت المصابات المستشفى ولم تظهر نتائج التحاليل أي مكونات ضارة غريبة .

وعلق على ذلك تيموثي جونز، أستاذ علم الأوبئة قائلاً: إن حالة من الخوف من الإصابة بالتسمم سيطرت على التلميذات، وأدت إلى تفشّي تلك الأعراض بينهن .

ونشرت صحيفة نيو انغلاند جيرنال الطبية تقريراً عزا ما حدث إلى ظاهرة تعرف باسم المرض النفسي الشامل والتي تحدث عندما تندلع حالة من الخوف من الإصابة بنوع ما من العدوى بين مجموعة من الناس، وينتشر الخوف بشدة تفوق انتشار العدوى نفسها .

رأت التلميذات بناء على رد الفعل لدى زميلاتهن، أن خطراً حقيقياً يجب الخوف منه .

وأثبتت حادثة المدرسة أن الناس يمكن أن يقعوا فريسة للخوف من الإصابة بمرض ما، دون أن يكون هناك وجود لهذا المرض في الواقع .

هذه الحادثة أثارت سؤالاً عن السبب الحقيقي وراء الشعور بالخوف .

د . إيميلي هولمز، أستاذة علم النفس السريري في جامعة أكسفورد، أخضعت مجموعة من الأشخاص للاختبار داخل معملها، وعرضت عليهم مجموعة من المشاهد المخيفة المأخوذة من أحد أفلام الرعب، والتي يتعرض فيها شخص ما للإصابة أو للقتل، لاستثارة الخوف لديهم، بهدف تنشيط أعراض ما يسمى باضطراب ما بعد الصدمة بي تي اس دي . وقصدت هولمز بذلك استدعاء الماضي لدى هؤلاء الأشخاص .

وتقول هناك الكثير من الفروق الفردية بين الناس في الشعور بالخوف، وقصدت أن تقتحم هذه اللقطات المخيفة منطقة الوعي لديهم على حين غرة، من دون أن يكون لديهم استعداد مسبق لذلك، وهذا ما يطلق عليه الصدمة، للتعرف إلى ردود فعلهم بعدها .

وبعد أسبوع من التجربة وجدت هولمز أن المشاركين أصيبوا بحالة من الاضطراب الفكري .

د . جوان كانتور من جامعة ويسكنسون، أمضت السنوات العشر الأخيرة في البحث في كيفية استمرار الشعور بالخوف جراء مشاهدة لقطات مخيفة، حتى بعد مغادرة السينما .

وتقول كانتور حدد المشاهدون ثلاثة أنواع من المشاهد قالوا إنها كانت الأقوى في إثارة الرعب لديهم، أولها المشاهد المثيرة للقلق، تلتها المشاهد التي ضمت تهديداً وشيكاً، ثم تلك التي تضمنت فقدان السيطرة على النفس .

وطلبت كانتور من المشاركين في إحدى تجاربها الكتابة عن الحالة الشعورية التي يمرون بها عند تذكرهم لمشاهد من أفلام الرعب، وعند تحليلها لوصفهم وجدت تشابهاً كبيراً مع حالات اضطراب ما بعد الصدمة، وفسرت ذلك بأن ذكريات الفيلم ارتبطت بذكريات أحداثه، فالمشاعر التي نعاني منها لحظة تعرضنا لخطر ما، تشبه كثيراً تلك التي نمر بها عندما نتذكر هذا الخطر .

وأضافت كانتور أن المشاركين عانوا من الأرق كما تولدت لديهم نوبات من الخوف المرضي بعد مشاهدة الفيلم .

والسؤال هنا: لماذا لا نستطيع أن نفرق بين الخطر الحقيقي والكاذب أو الوهمي؟

تقول كانتور: السبب أن المشاعر التي تسببها مشاهدة أفلام الرعب تثير منطقة أساسية من المخ تسمى اللوزة .

وأظهرت صور الأشعة المقطعية للمخ نشاطاً غير عادي في هذه المنطقة عند الشعور بالخوف، وتقع اللوزة في الجزء السفلي من الدماغ، مما يعني بدء تطورها في فترة مبكرة جداً من حياتنا، لكي تمكننا من سرعة الاستجابة لتفادي أي خطر قد نتعرض له .

كما دلت نتائج الأشعة إلى حدوث تزامن بين نشاط اللوزة والاستجابة البدنية للخوف متمثلة في زيادة معدل ضربات القلب، وارتفاع ضغط الدم وتصبب العرق والانتباه . فعندما تستشعر منطقة اللوزة أن هناك تهديداً ما، تبدأ في إثارة مناطق الاستجابة العصبية، مما يؤدي إلى إفراز الهرمونات التي تؤثر في الجسم .

وتؤكد كانتور أن الأمر يتعلق أيضاً بمنطقة تخزين الذكريات بالمخ، والتي تثير مشاعر الخوف عند التعرض للأخطار المتشابهة، وأن تلك المنطقة من الدماغ تستثار عند تعرضنا لتهديد ما، ووظيفتها ليست السيطرة على طريقة التفكير، وإنما التحكم في رد الفعل الجسمي الغريزي لخطر ما . وتطورت هذه المنطقة عبر مراحل النمو المختلفة بدرجة تفاعلية تمكنها من إصدار التحذيرات عند التعرض لخطر ما، بصرف النظر عما إذا كان حقيقياً أولاً، وترتبط الذاكرة بين تلك التحذيرات وبين المشاعر التي مر بها الشخص عند تعرضه لهذا الخطر لأول مرة . وكلما تطور هذا الجزء من المخ كانت هناك صعوبة في تجاوز رد فعل اللوزة عند محاولتها إخبارنا أنه ليس هناك ما يستدعي الخوف .

وتقول كانتور يصعب على عقلنا الواعي التحكم في ردود الفعل البدنية، فالأشخاص الذين يكون لديهم من قبل رد فعل سلبي تجاه فيلم الفك المفترس على سبيل المثال، يخشون الاقتراب من البحر أو حتى البحيرات الصغيرة، حتى لو كان لديهم يقين بعدم وجود أسماك قرش . وكذلك الحال بالنسبة لأفلام الخوارق، إذ تتولد فينا مشاعر الخوف تجاه الأشياء التي لديها من القوة ما لا نستطيع السيطرة عليها، ولا يستطيع عقلنا الواعي أن يبطل تلك المشاعر .

ولكن كيف يتمكن صانعو الأفلام من إثارة اللوزة؟

البروفيسور ريتشارد بريانت من جامعة نيوساوز ويلز في أستراليا أجرى دراسة على المبتدئين من هواة القفز بالمظلات، وجد فيها أن شعورهم بالخوف من السقوط من أعلى يؤثر في إحساسهم بالوقت، هم يتوهمون أن الوقت المستغرق في التكفير في الاستعداد للقفز أطول من الحقيقة، فردود فعلهم تجاه الخطر الوشيك من السقوط تجعلهم يتصورون أن الوقت يمر ببطء .

ويبدو أن مخرجي الأفلام يستغلون المناطق الفطرية من المخ لإثارة الرعب لدى المشاهد .

وأجرى إندي فيلد أستاذ علم النفس في جامعة سوسيكس في بريطانيا، بحثاً توصل من خلاله إلى أن برنامجاً تلفزيونياً مثل دكتور هو يثير الرعب لدى الأطفال، إذ يركز بشدة على الأشياء التي يخافونها خلال مراحل عمرية بعينها . ويقول إندي إذا بحثت في الطريقة التي ينمو بها الطفل، فسوف تكتشف أن لكل مرحلة من مراحل النمو أشياء معينة تولد الخوف لديه، فالأطفال الرضع، على سبيل المثال، يخافون من كل ما هو غريب عن بيئتهم التي اعتادوها، وإذا كبروا قليلاً تتحول مشاعر الخوف لديهم تجاه الحيوانات أو الأشياء الخارقة مثل الأشباح والعفاريت . وبعد بلوغ الثامنة، يخافون من التعرض لأذى ما، أما في مرحلة المراهقة، فيتحولون تجاه القضايا الاجتماعية .

ويضيف أن المخاوف الطبيعية لدينا تتوارى خلف مناطق المخ الأقل تطوراً، ويعد ذلك شيئاً صحياً .

ويرى إندي أن مواجهة الخوف تخلق الثبات العاطفي وتولد القدرة على التحدي ومواجهة المواقف الحرجة .

ويرى علماء النفس أن للخوف أهميته وفوائده ولكن السؤال المحيّر هنا هو لماذا لا يتطور خوفنا حسب مجريات الأمور من حولنا؟ فعندما برزت أزمة الوقود، ومشكلات الاحتباس الحراري والتغير المناخي، لم تتولد فينا تلك الدرجة من الخوف المناسبة لحجم هذه الكوارث التي تنذر بنهاية العالم .

البروفيسور أندرز ساندبيرج أستاذ علم الأعصاب في معهد فيوتشر هيومانيتي التابع لجامعة أكسفورد، أمضى فترة طويلة في التأمل في تخيل سيناريوهات نهاية العالم، ويقول اعتدنا بسبب تكويننا البيولوجي على نوعية معينة من الخطر تجعل من الصعب علينا إدراك الأخطار التي نشأت حديثاً، فأنظمة الخوف في الإنسان تطورت في بيئة طبيعية كان الخوف فيها يتولد تجاه أشياء مادية، وأزمة الوقود ليست مادية، ولم نر أن الاهتمام بها سيعود علينا بالنفع، ومن ثم لم يكن بأيدينا ما نفعله حيالها سوى الشعور بالأسف .

ويضيف لو تعرف الإنسان إلى مخاوفه، لاكتشف أنه ليس هناك ما يستدعي الخوف مطلقاً .

اجتهد الباحثون إلى أن توصلوا إلى طرق عدة لقهر المخاوف، أولاها وأهمها أن يحدد الإنسان الأشياء التي تخيفه، وهنا لا بد أن يتفهم أن للخوف درجات، فالخوف من العناكب يسهل التغلب عليه، أما المخاوف المرضية مثل الخوف من ارتياد الأماكن العامة أو المفتوحة قد يكون لها أسباب نفسية تجعل التغلب عليها أكثر صعوبة، فقد يكون بسبب كره الزحام، أو للهروب من المواقف الاجتماعية، وأياً كان السبب فالتقرب من الخوف والتعرف إليه يمنح الفرد مرجعية يتمكن من خلالها من مخاطبة شيء كما لو كان مادياً محسوساً، كما أن تفهم الأحداث التي وقعت في الماضي والتي أدت إلى تولد المخاوف، سيؤدي في النهاية إلى الاقتناع التام بأنه لم يعد هناك مبرر للخوف .

وأثبتت الدراسات والأبحاث التي أجراها علماء النفس مستخدمين العلاج السلوكي المعرفي للتعامل مع المخاوف المرضية، أن من أهم سبل التغلب على الخوف التعامل معه بالتعقل والمناقشة، فعليك إجراء نقاش مع نفسك حول هذه المخاوف وموقفك منها، ثم مقاومة استجاباتك البدنية لها .

ويقول العالمان ألبرت أليس، وروبرت هاربر إنه إذا بدأ الفرد بإصلاح الاعتقادات الخاطئة عن طريق مناقشة هذه المخاوف مع شخص آخر، أو عن طريق المناقشة الذاتية أو حديث النفس، فسوف يكتشف في النهاية أن تلك المخاوف لم تكن تستحق البتة كل هذا العناء .

وبعد دراسة مخاوفك وتفهمها، يمكنك أخذ إجراء ما تجاهها . وينصح المختصون بتمضية بعض الوقت مع شخص آخر له علاقة وثيقة بتلك المخاوف، فإذا كنت تخاف العناكب مثلاً، فيمكنك التغلب على هذا الخوف بمراقبة أحد الأشخاص وهو يحمل عنكبوتاً فوق يده، ثم الاقتراب منه بعد ذلك بقدر ما تستطيع وبتكرار الفعل ستتولد لديك بالتدريج مقاومة لخوفك القديم .

ويتفق المختصون أن مواجهة الخوف تسهم بدرجة كبيرة في التغلب عليه بمرور الوقت، ولكن يجب أن تكون المواجهة تدريجية لكي لا تتفاقم الأمور وتتجه نحو الأسوأ، فلا يجوز مطلقاً أن تحمل نفسك فوق ما تستطيع .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"