العراق.. ترميم الرؤية الأمريكية

04:27 صباحا
قراءة 3 دقائق
عاصم عبد الخالق

قرار الإدارة الأمريكية بإعادة توزيع قواتها في العراق، وإخلاء بعض قواعدها العسكرية لا يعني بالضرورة تغييراً جوهرياً في خططها أو وجود اتجاه لرحيلها. وفي غياب إعلان رسمي عن حقيقة نواياها، يظل الاحتمال الأرجح هو أن ما جرى خلال الأسابيع الماضية يأتي ضمن تدابير لتأمين القوات الأمريكية؛ بسبب الهجمات التي تتعرض لها، وبالتالي فإن ما تفعله واشنطن في الحقيقية هو الإعداد لبقاء طويل الأمد.
من المسلّمات التي لا تحتاج إلى إعلان رسمي أن واشنطن، على الأقل حالياً، لا تنوي ولا تفكر في مغادرة العراق في المستقبل القريب، وربما البعيد أيضاً. فلم تشن حربها الضروس وتريق أنهاراً من الدماء بعد غزوها هذا البلد؛ لكي تتركه هكذا ببساطة. لا يتصور عاقل أن تقدم غنيمتها الثمينة مجاناً لإيران وربما روسيا بعد أن أنفقت أكثر من 800 مليار دولار منذ 2003.
وعلى الرغم من التصريحات الأمريكية المتضاربة بشأن مستقبل الوجود العسكري في العراق بعد اغتيال القائد العسكري الإيراني قاسم سليماني في يناير/كانون الثاني الماضي، فإن الوضع على الأرض بقي كما هو، ولم يصدر إعلان رسمي بوجود خطط جديدة. ومن وجهة نظر الخبراء الأمريكيين فإن القضية الأساسية ليست البقاء أو الرحيل؛ إذ إن هذا البديل الثاني غير مطروح؛ لكن المشكلة الحقيقية هي عشوائية السياسة الأمريكية في العراق، وغياب رؤية شاملة لمستقبل العلاقات بين البلدين.
ولإصلاح هذا الخلل، اجتهد كثيرون في رسم ملامح استراتيجية واقعية، تحدد الأهداف المطلوبة وسبل تحقيقها. أحد هؤلاء هو الكولونيل المتقاعد أنطوني بفاف العضو السابق في مجلس الأمن القومي وأستاذ الاستراتيجية في كلية الحرب الأمريكية، والذي أعد دراسة صدرت الأسبوع الماضي بعنوان: «مستقبل العلاقات الأمريكية العراقية».
تحتل إيران حيزاً كبيراً بالطبع من اهتمام الباحث ليس فقط بسبب نفوذها الواسع في العراق، ولكن أيضاً لأن هذا النفوذ كان دائماً أحد العوامل المؤثرة على العلاقات الأمريكية مع بغداد. إضافة إلى أن العراق كان دائماً ساحة لتصفية الحسابات أو إبرام الصفقات السياسية السرية والعلنية بين واشنطن وطهران.
تطرح الدراسة تساؤلاً مهماً هو ماذا تريد أمريكا من العراق؟ وبدوره يحدد الباحث ثلاثة أهدف هي: حصار وتقويض النفوذ الإيراني، ومنع إعادة تأسيس «داعش» وغيرها من الجماعات الإرهابية، وفتح الاقتصاد العراقي أمام الاستثمارات الأجنبية، لاسيما الأمريكية.
ولتحقيق هذه الأهداف يوصي بثمانية إجراءات؛ أولها إخراج العراق من معادلة العلاقات المتوترة بين أمريكا وإيران، وعدم التعامل معه باعتباره إحدى جبهات المواجهة مع النظام الإيراني، معترفاً ضمنياً بأن ذلك كان أحد أهم الأخطاء الأمريكية. الإجراء الثاني هو الاستفادة من النفوذ الأمريكي العالمي بدمج العراق في المجتمع الدولي وهو دور لا يمكن لإيران القيام به. الإجراء الثالث هو دمج الميليشيات التابعة لإيران في القوات العراقية.
التوصية الرابعة هي قول الحقيقة بشأن ما حدث منذ 2003 بما فيه الاعتراف بالأخطاء الأمريكية وكذا بفشل العراق في الاستفادة من المساعدات التي تلقاها ومحاربة الفساد. التوصية الخامسة هي إتمام المصالحة الداخلية المتعثرة. سادساً: الاحتفاظ بقوات كافية للتدخل عند الضرورة.
تتعلق التوصية السابعة بإجراء إصلاحات داخلية وستكون الاستثمارات الأجنبية إحدى وسائل تشجيعها. التوصية الأخيرة هي مساعدة العراق لمواجهة وباء «كورونا».
أخيراً ماذا لو أصر العراق على إنهاء التعاون العسكري، أي طلب مغادرة القوات الأمريكية؟
تشدد الدراسة مبدئياً على أنه لا يجب الانتظار حتى يفعل العراق ذلك. وتقترح، إذا تأزمت الأمور، نشر هذه القوات في المناطق الكردية في الشمال مع الضغط بكل السبل على بغداد لعدم معارضة ذلك حتى لا يكون الوجود العسكري الأمريكي مخالفاً للقانون الدولي. ولا مانع كما تقول الدراسة من تخويف العراق بتقديمه إلى العالم كدولة اختارت السير على درب إيران نحو الفقر والعزلة. وقبل ذلك بالطبع التهديد بقطع المساعدات
باختصار ستبلغ أمريكا العراقيين أنها غير سعيدة بقرارهم، وعليهم تحمل عواقب غضبها.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"