القاهرة..نهضـة البنــاء ( 1 )

02:17 صباحا
قراءة 3 دقائق

بعث الخليفة الفاطمي المعز لدين الله قائد جيوشه جوهر الصقلي إلى مصر؛ ليستولي على السلطة وينفصل بها عن الدولة العباسية. وصل الصقلي في 17 شعبان 358 ه /‏‏‏ 968 م، فاتجه في نفس الليلة إلى الصحراء القريبة من تلال المقطم، واختار مكان العاصمة الجديدة، ونصب خيامه، ومن المرجح تاريخياً أن الصقلي اختار هذا الموقع؛ لاعتبارات عسكرية، وأطلق عليها المنصورية نسبة إلى الخليفة المنصور الفاطمي والد الخليفة المعز، تكريماً لذكراه.. وظلت تعرف بهذا الاسم حتى وصول الخليفة الذي غير اسمها إلى «القاهرة المعزية».
اختار الصقلي موقع المدينة الجديدة إلى الشمال من العواصم الثلاث السابقة وأحاطها بسور سميك، واتخذت شكلاً مستطيلاً، ويوجد في كل ضلع من أضلاع السور بابان، ولم يكن مسموحاً للعامة بدخولها إلا بإذن خاص، فكانت أقرب إلى الحصون منها إلى المدن، ووضع أساساً لها في يوم وصوله إلى الفسطاط، بناء على توجيهات من الخليفة المعز، وجعل لكل قبيلة أو فرقة من فرق الجيش مكاناً خاصاً بها، وشرع في تأسيس الجامع الأزهر وأحاط العاصمة بسور من الطوب اللبن وجعل له أبواباً في جهاته المختلفة من أشهرها باب زويلة وباب النصر وباب الفتوح.


زمام الحكم


نجحت سياسة الصقلي في إصلاحاته التي أجراها في مصر كما نجح في توطيد حكم الفاطميين. ورأى الصقلي بعدها أن الوقت قد حان لحضور الخليفة المعز بنفسه إلى مصر وتحديداً لمدينة القاهرة عاصمته الجديدة فكتب إليه يدعوه إلى الحضور وتسلم زمام الحكم فخرج المعز من المنصورية عاصمته، ووصل إلى القاهرة في 7 رمضان 362ه 11 يونيو/‏‏‏حزيران 972م، وأقام في القصر الذي بناه جوهر، وفي اليوم الثاني خرج لاستقبال مهنئيه، وأصبحت القاهرة منذ ذلك الحين مقراً للخلافة الفاطمية.
تميزت القاهرة منذ إنشائها بجمال مبانيها، فتناوب الحكام من الفاطميين والأيوبيين والمماليك على تعميرها فكانت على أحسن ما يكون. وكان النيل آنذاك يحدها غرباً. وكان مجراه حتى عام 688ه/‏‏‏ 1289 يمر من فم الخليج إلى شارع نوبار إلى أن يلتقي بشارع الشيخ ريحان حالياً، ثم ينعطف شرقاً نحو شارع عماد الدين؛ حيث تنتهي حدود القاهرة.كان ثغر النيل في ميدان رمسيس محاطاً بالمصانع والترسانات التي بنيت فيها أساطيل المعز لدين الله وصلاح الدين الأيوبي والتي قضى بها على الصليبيين. وكان النهر يمر بعد ذلك بمحطة سكة الحديد الحالية ثم بالشرابية ومنية السيرج إلى مبدأ ترعة الإسماعيلية. ونشأت شبرا على شكل جزيرة تراكمت حول مركب غرق في الثغر في عهد الدولة الفاطمية، وكان اسمها الفيل، فسميت جزيرة الفيل، وزرعت فيها البساتين، وتردد عليها الأمراء والمماليك للتنزه في روضتها ولممارسة الرماية وغيرها من أنواع الرياضة. أما بولاق فنشأت في عهد الفاطميين ثم امتدت فيما بعد حتى بركة الفيل. كما ظهرت أرض اللوق في عهد الفاطميين والأيوبيين.

قلعة الجبل


حتى عهد الملك الصالح نجم الدين الأيوبي كان هناك ساحل على الخليج استعمله السقاءون، وكان يسمى باب الخرق الذي حرّف إلى باب الخلق. وكان الموسكي في ذلك العهد قنطرة على الخليج أنشأها الأمير عز الدين موسك في عام 584ه/‏‏‏ 1189 م. في عهد السلطان صلاح الدين. كما قام حي السيدة زينب حول جسر شيده الظاهر بيبرس على الخليج وعرف بقناطر السباع، نسبة إلى رنك بيبرس الذي كان يمثل سبعا. أما حي الحسينية فأنشأته جماعة من الأشراف قدموا من الحجاز وبنوا المدابغ وصنعوا الأديم المسمى الطائفي نسبة إلى الطائف بالحجاز.
ويقول جمال حمدان فى كتابه «القاهرة»: كانت القاهرة دائبة النشاط في التوسع والبناء في عهد الفاطميين والمماليك. واجتهد صلاح الدين كثيراً في تعميرها وبنى قلعة الجبل وسور القاهرة الممتد إلى أثر النبي. أما الملك الظاهر بيبرس فعمّر الجامع الكبير خارج الحسينية، وجدد جامع الأزهر وأعاد فيه الخطبة وأنشأ ضيعة على فم وادي العباسية سماها الظاهرية.
أكثر ما يميز القاهرة ذلك الكم الهائل من الآثار الإسلامية، ومنها سور جوهر الصقلي الذي أنشأه مع بداية المدينة، ولكن تهدم بعد إنشائه بثمانين عاماً. ولم يكن للقاهرة أي سور في أول عهد المستنصر؛ لذا كان أول عمل قام به بدر الجمالي، وزير الحاكم المستنصر، هو تحصين القاهرة ضد الغزوات الخارجية، وضد ثورات الجند الداخلية.
ضمت القاهرة منذ إنشائها العديد من الأسواق، إلا أن أغلبها شيد في نهاية العهد المملوكي، وكانت هذه الأسواق تثير إعجاب التجار الأجانب؛ بسبب أنشطتها وثرائها. ومن أشهرها سوق خان الخليلي.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"