خارج الحرية.. داخل الفرد

05:52 صباحا
قراءة دقيقتين
صفية الشحي

«إننا محكومون بالحرية» يقول سارتر ثم يعود ليؤكد أن مثل هذا الحكم باطل دون مسؤولية، فكلما تقدمنا في طريق محفوف بالمخاطر، ازداد خوفنا من الغرق في غموض، فللأمن جاذبية يضمحل أمامها بريق الطيران الحر، وليس أمامنا سوى أحد الاثنين: إما الاضطراب نتيجة القفز في الفضاء دون رادع عقلاني، أو الاستقرار المزيف الذي طالما أبقى الإنسان في دائرة الجمود نفسها.
وهناك حرية جديدة يسميها المفكر والكاتب الإماراتي علي أبو الريش «الحرية الصلبة» وهي عكس المرونة التي احتاج إليها الفلاسفة على مر العصور ليتخلصوا من صخرة الماضي ويستعينوا بفكرة «كانط» عن الجمال النابع من طبيعة البشر والوجود من حولهم دون أن ينسوا أن الأمر يرتبط بقرار الاختيار واستحقاق الغبطة الخالصة.
ففي كتابه «الحرية خارج الحرية» يقودنا الأستاذ إلى ما بعد الفراغ لنتجاوز اللامعنى وننأى عن السطح الملحي الذي أنهك تربتنا لقرون، لنقفز إلى حضن الحب «الحقيقة» وجدولها النابع من الداخل.
أليس الإنسان هو الحقيقة؟ تكمن المعضلة في عدم المواجهة كما أن الشك هو في الحرية الجديدة التي لفرط صلابتها لم تبصر الوجود وأصرت على أن يظل اللاوعي هو حكم المرحلة التي لم ينجح رجال التنوير في اجتيازها إلى النصف الثاني من التجربة.
الفلسفة ذاتها لم تنجح إلاّ في إطلاق عصافير العقل إلى الخارج الذي صنع منا أشخاصاً أملاهم علينا الآخر.
يرى أوشو «أنك عندما تهتم بالشيء تدركه، وعندما تدركه تحبه، وعندما تحبه تصبح أنت هو، وهو أنت وتصبحان في الوجود واحداً» وعلي أبو الريش معجب بالفكرة ويحاول تجاوز المفاهيم المركبة والإدراكات والقناعات، حتى لا يقع كغيره تحت وطأة اليقين أصل الإحباطات الأولى.
إن الفيلسوف الذي فضل القناعة على المغامرة والقلق، واجه عصره المتهور بفكر واقعي، فقد فهم أن المغامرات العقلية هي من فجر براكين الاضطهاد، وأدرك أن الفكر الجديد لم يكن سوى رد فعل ناقص على إرث ثقيل انتفخ به الوعي الجمعي، فذهب بمصير إنسانيتنا إلى أتون القسوة والأنانية والعدم الذي يقود إلى عدم أكبر، فهو الباطل المبني على باطل وعلى المعرفة الجاهلة أو الجهل العارف كما يقول سارتر.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"