صبر أيوب عليه السلام

02:48 صباحا
قراءة 3 دقائق
د. رشاد محمد سالم *

من روائع أمثلة الصبر صبر أيوب، عليه السلام، على المصائب، والمكاره التي يبتلي الله بها عباده.
كان أيوب عليه السلام عبداً صالحاً، امتحنه الله بالغنى، فبسط له الرزق الكثير، ورزقه أهلاً، وبنين، فكان من الشاكرين.
وقد ذكر المؤرخون أنه كان أميراً غنياً، محسناً، ثم امتحنه الله بالمصائب، ففقد المال، والأهل، والولد، ونشبت به الأمراض المضنية المضجرة، فكان من الصابرين. وتلقى كل ذلك بالحمد، والثناء على ربه، وبالتسليم، والرضا، فكان في حالتي السراء، والضراء، مثالاً رائعاً لعباد الله الصالحين، إذ كان شاكراً أيام النعمة، ثم كان صابراً أيام المصائب المتوالية.
ومن اللطائف في قصة صبر أيوب، عليه السلام، أن الشيطان حاول أن يفسد نفسه فيوسوس له بأن يضجر من المصائب التي تكاثرت عليه، فلم يظفر بما أراد، فحاول أن يدخل إليه عن طريق زوجته، فوسوس لها، فجاءت إلى أيوب وفي نفسها الضجر مما أصابه من بلاء، وأرادت أن تحرك قلبه ببعض ما في نفسها، فغضب أيوب، وقال لها: كم لبثت في الرخاء؟ قالت ثمانين عاماً، قال لها: كم لبثت في البلاء؟ قالت: سبع سنين، قال: أما أستحي أن أطلب من الله رفع بلائي، وما قضيت فيه مدة رخائي؟
ولما اشتد به الضر، وطال الزمن، وهجره كل الناس، حتى زوجته الوفية، واجتاز فترة الامتحان بنجاح، فكان عبداً صبوراً، نادى ربه: (أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين).
عندئذ كشف الله عنه ما به من ضر، وآتاه الصحة، ورد له ما كان قد أخذ منه، وآتاه أهله، ومثلهم
معهم، قال تعالى في سورة الأنبياء: «وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (83) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ ۖ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ (84)». وقال تعالى في سورة ص: «وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ (41) ارْكُضْ بِرِجْلِكَ ۖ هذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ (42) وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنَّا وَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ (43) وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِب بِّهِ وَلَا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِّعْمَ الْعَبْدُ ۖ إِنَّهُ أَوَّابٌ (44)».
وأزال الله عنه ما كان قد نزل به من قبل، ورد الله أهله الذين فقدهم أيام مرضه الشديد الطويل، وزاده مثلهم معهم، رحمة منه، جلّ وعلا.
من خلال قصة أيوب، عليه السلام، نلاحظ أنه اجتاز مرحلة صبر طويل شديد، ولذلك أثنى الله عليه بقوله: «إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِّعْمَ الْعَبْدُ ۖ إِنَّهُ أَوَّابٌ»، أي رجاع إلى ربه تواب.
ويعرض الله لنا أمثلة الصابرين ليكونوا لنا أسوة حسنة نقتدي بهم، فنصبر مثل صبرهم، أو مثل بعض صبرهم، كلما اقتضت حكمة الله تعالى أن يبتلينا بشيء من مصائب الحياة الدنيا، في الأنفس، أو في الأجساد، أو في الأموال، أو في الثمرات، حتى يكون لنا عنده أجر الصابرين، ونرتقي عنده إلى منازل المحسنين، المقربين، العابدين، أولي الألباب.
ولذلك قال الله تعالى بعد عرض قصة أيوب في سورة الأنبياء: «وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ»، وقال بعد عرضها في سورة ص: «وَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ»،
فدلّ ذلك على أن الغرض من عرضها أن يكون أيوب في صبره أسوة حسنة لأولي الألباب، الذين هم العابدون.
وأولو الألباب العارفون بثمرات الصبر وأجر الصابرين، هم الذين ينتفعون بما يعرض عليهم من أمثلة الصابرين، ويدركون أن الصبر من الدرجات العليا للعبادة، فيضيفونه إلى عبادتهم الكثيرة التي يؤدونها ابتغاء مرضاة الله تعالى.
وقد أكد الله تعالى أن ابتلاء الناس لا محيص عنه، حتى يأخذوا أهبتهم للنوازل المتوقعة، فلا تذهلهم
المفاجآت، ويذلوا لها، قال تعالى في سورة محمد: «وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ».
وإن الصبر فضيلة يحتاج إليها المسلم في دينه، ودنياه، ولا بد أن يبني عليها أعماله، وآماله، وإلا كان هزلًا. ويجب أن يوطن نفسه على احتمال المكاره من دون الضجر، وانتظار النتائج مهما بعدت، ومواجهة الأعباء مهما ثقلت، بقلب لم تعلق به ريبة، وعقل لا تطيش به كربة.
يجب أن يظل موفور الثقة، بادي الثبات، لا يرتاع لغيمة تظهر في الأفق، ولو تبعتها، أخرى وأخرى، بل يبقى موقناً بأن بوادر الصفو لا بد آتية، وأن من الحكمة ارتقابها في سكون، ويقين.
قال تعالى في سورة آل عمران: «وَإِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (186)».

* مدير الجامعة القاسمية بالشارقة

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"