الرباط.. إشعاع حضاري وثقافي

تقع في سهل منبسط فسيح
02:48 صباحا
قراءة 3 دقائق

الرباط هي عاصمة المملكة المغربية، وثاني أكبر مدنها، تقع على ساحل المحيط الأطلسي في سهل منبسط فسيح، وعلى الضفة اليسرى لمصب نهر أبي رقراق الذي يفصل المدينة عن سلا، وتشتهر بصناعة النسيج كما أن بها جامعة محمد الخامس أول جامعة حديثة أسست بالمملكة.
وتذكر سحر السيد عبدالعزيز سالم في كتابها «مدينة الرباط في التاريخ الإسلامي» أن تأسيس المدينة يرجع إلى فترات تاريخية مختلفة، إلا أن التأسيس الأول يعود إلى عهد المرابطين الذين أنشأوا رباطاً محصناً، وكان هاجس الأمن أقوى العوامل وراء هذا الاختيار ليكون نقطة لرد الهجمات البرغواطية، كما أسّسها الموحدون، في أواسط القرن الثاني عشر، وبنى فيها عبد المؤمن الموحدي «رباط الفتح» وهي نواة مدينة محصنة شملت بالإضافة إلى القلعة، مسجداً وداراً للخلافة، ويعتبر حفيده يعقوب المنصور، المؤسس الحقيقي لمدينة الرباط، وذكر عدة مؤرخين أن اكتمال بناء المدينة كان في عهد أبي يوسف المنصور، بما في ذلك السور والبوابات.
عرفت المدينة خلال العهد الموحدي إشعاعاً تاريخياً وحضارياً، وتم تحويل الرباط (الحصن) في عهد عبد المؤمن الموحدي إلى قصبة محصنة لحماية جيوشه التي كانت تنطلق في حملات صوب الأندلس. وفي عهد حفيده يعقوب المنصور، أراد أن يجعل من رباط الفتح عاصمة لدولته، فأمر بتحصينها بأسوار متينة، وشيّد بها عدة بنايات، من أشهرها مسجد حسان بصومعته الشامخة. وفي القرن الرابع عشر بدأت الرباط تعرف اضمحلالاً بسبب المحاولات المتتالية للمرينيين للاستيلاء عليها. وشيد السلطان يعقوب المنصور الموحدي سوراً عرف بالسور الموحدي، بلغ طوله 2263 متراً. وهو يمتد من الغرب حتى جنوب مدينة الرباط، ويبلغ عرضه 2.5 متر وعلوه 10 أمتار، وهذا السور مدعّم بأربعة وسبعين برجاً، كما تتخلله أبواب ضخمة (العلو، الحد، الرواح، وزعير). وبقي موقع شالة في الرباط مهجوراً منذ القرن الخامس حتى القرن العاشر الميلادي حيث تحوّل الموقع إلى رباط تتجمع فيه القوات لمواجهة قبيلة برغواطة. لكن هذه المرحلة التاريخية تبقى غامضة إلى أن اتخذ السلطان المريني أبو يوسف يعقوب سنة 1284 الموقع مقبرة لدفن ملوك بني مرين وأعيانهم، وحيث شيد النواة الأولى لمجمعٍ ضمّ مسجداً وداراً للوضوء.


فن معماري


حظي موقع شالة في عهد السلطان أبي الحسن باهتمام بالغ، وبنى ابنه السلطان أبوعنان المدرسة شمال المسجد، وزين أضرحة أجداده بقبب مزخرفة تعتبر نموذجاً حياً للفن المعماري المتميز لدولة بني مرين. وفي القرن الرابع عشر الميلادي (وتحديداً سنة 1339) أحيط الموقع بسور خماسي الأضلاع مدعم بعشرين برجاً مربعاً وثلاث بوابات، أكبرها وأجملها زخرفة وعمارة الباب الرئيسي للموقع المقابل للسور الموحدي لرباط الفتح. أما داخل الموقع فتم تشييد أربع مجموعات معمارية مستقلة ومتكاملة تجسد كلها عظمة مقبرة شالة ومكانتها على العهد المريني.
وفي عهد السعديين عام 1609 سمح للأفواج الأخيرة من المسلمين القادمين من الأندلس بالإقامة بالمدينة، وشيّد المورسكيون السور الأندلسي وهو يقع على بعد 21 متراً تقريباً جنوب باب الحد، ليمتد شرقاً إلى برج سيدي مخلوف. وفي هذا العهد تم توحيد العدوتين (مدينة الرباط وسلا) تحت حكم دويلة أبي رقراق، التي أنشأها الموريسكيون. فكانت الرباط مدينة مضيافة لمن يلجأ إليها بعد الخروج من إسبانيا واستقر الأشخاص فيها على موجات متلاحقة بين القرنين الثالث عشر والرابع عشر.


صومعة حسان


تعد صومعة حسان من المباني التاريخية المتميزة بمدينة الرباط التي تقع عليها عين الزائر، وشيدت من طرف السلطان يعقوب المنصور الموحدي، وكانت تعتبر من أكبر المساجد في عهده. لكن هذا المشروع الطموح توقف بعد وفاته سنة 1199، كما تعرض للاندثار بسبب الزلزال الذي ضربه سنة 1755م. وتشهد آثاره على مدى ضخامة البناية الأصلية للمسجد، حيث يصل طوله إلى 180 متراً وعرضه 140 متراً، كما تشهد الصومعة التي تعد إحدى الشقيقات الثلاث لصومعة الكتبية بمراكش، والخيرالدا بإشبيلية على وجود المسجد وضخامته. وتعتبر الرباط عاصمة ثقافية، وهي أيضاً مدينة المتاحف، فمتحف الأوداية المقام في مبنى يعود للقرن السابع وتم ترميمه حالياً، يعرض قطعاً فنية مختلفة من الخزف والحلي والمجوهرات والملابس التقليدية والمطرزات والسجاد والإسطرلابات وبعض المخطوطات من عصر الموحدين، أما على شاطئ النهر فيقع متحف الفنون الشعبية مقابل مجمع الصناعات التقليدية، ويمكن تأمل الحرفيين أثناء عملهم، ويقع متحف الآثار القديمة في المدينة الحديثة، ويقدم للزائر نماذج من القطع التي تعود إلى عصر ما قبل التاريخ، وأخرى إلى العصر الإسلامي الوسيط، وتضم المدينة عدداً من المدارس المختصة في تكوين الأطر العليا وأكبر مسرح بالمغرب وهو مسرح محمد الخامس.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"