عناصر الإنتاج من منظور الاقتصاد الإسلامي

02:51 صباحا
قراءة 3 دقائق
د.إبراهيم علي المنصوري *

جاء التشريع بتهيئة مقومات الإنتاج والعمل على ضبطها وتطويرها، بحيث تتناسب مع مقتضيات المصلحة العامة للمجتمع وخدمة البشرية، وتحقيق العدالة. ومن تلك المقومات عناصر الإنتاج، فمن المعلوم أن أي إنتاج يقوم على عناصر عدة تساهم في اكتمال بنائه، كالأرض والعمل ورأس المال والتنظيم، وأي مشروع يحتاج إلى أرض للحصول على ريعها أو مقر ليقوم عليه والقوى العاملة لتنهض بالإنتاج، وكلاهما لا يقومان دون رأس المال.
وحتى تساهم هذه العناصر في الإنتاج والنمو الاقتصادي، فلا بد من ضبطها وفق معايير وأسس محددة تحفظ أموال المسلمين وتمنع وقوع الفساد فيها وتحقق أهداف المجتمع الاقتصادية كالكفاءة والعدالة والنمو والاستقرار.
ولننظر إلى الأرض ابتداءً، فقد ضبط الإسلام العقود المرتبطة بها كالعقود الزراعية، إذ نهى عن المُزَابَنة والتي هي بيع التمر وهو على رؤوس النخل بالتمر الرطب، ونهى عن المحاقلة وهي بيع الحَبّ وهو في سنابله بحَب صافٍ، نفياً للجهالة ودفعاً لشبهة الربا، أو بيع ثمار العنب وهي على الشجر بالزبيب، وحرّم المُخَابَرَة وهي العمل في الأرض ببعض ما يخرج منها مستقبلاً والبذر من العامل، وهذا فيه جهالة بما لم يُخلق بعد، وحرّم المُعَاومَة هو بيع ثمر نخلة بعينها أو ما شابه سنتين أو ثلاثاً، وهو كالمخابرة من حيث الجهالة.
ومنع الإسلام الغش في البيوع، وقطع النزاع والخصومة بين البائع والمشتري مقصد مهمّ من مقاصد الشريعة، وقد نهى الإسلام عن كِراء الأرض وهي إجارة الأرض البيضاء، ففي الحديث المتفق عليه أن حنظلة بن قيس سأل رافع بن خديج عن كراء الأرض، فقال: نَهى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم عن كِراء الأرْض، قال: فقُلْتُ: بِالذَّهب والفضَّة؟ قال: إنَّما نَهى عنْها بِبَعْضِ ما يَخرُج منها، أمَّا بالذَّهب والفِضَّة فَلا بَأْس، وفي رواية لمسلم: أَمَّا شَىْءٌ مَعْلُومٌ مَضْمُونٌ فَلاَ بَأْسَ بِهِ.
وتتجلى حكمة الإسلام من هذا النهي في حفظ حقوق البائع والمشتري، لأن ثمن الثمرة قبل ظهور صلاحها قليل، فإن تركها حتى يظهر صلاحها زاد ثمنها، وإذا اشترى المشتري الثمر قبل نضجه فقد ماله، إذ لم يستفد من الثمر، فتمتنع بهذا النهي الخصومة بين كليهما.
ووضع الشارع الحكيم ضوابط تحفظ رأس المال، إذ إنه من أهم عناصر الإنتاج، حيث حرم الربا واعتبر النقود أداة تبادل وليست سلعة، فالنقود لا تلد النقود، وحرّم كنز المال، لأنه يؤدي إلى كساد السلع، وحتى يبرأ صاحب المال من الاكتناز فرض عليه بذل رصيد نقدي مقداره 2.5% ، وهو الزكاة، تشجيعاً له على الاستثمار وتنمية المال. وشرع الربح بشرط تحمل المخاطرة كما في القاعدة الفقهية «الغُنمُ بالغرم» وتحمل الضمان مقابل الحصول على الأرباح كما في قاعدة: «الخراج بالضمان»، وكذلك حث على المشاركة والمضاربة، وقد بيّناها في غير موضع من سلسلة مقالاتنا هذه.
وراعى الإسلام حقوق العامل، حيث أمر بتحديد الأجر وتعجيل دفعه للأجير، وأن يكون عادلاً مكافئاً لتعبه. وفي حال عقد المضاربة يقسم الربح بين المضارب، وهو الذي يبذل الجهد ويقدم العمل، ورب المال بحسب ما اتفقا عليه، تجنباً لمفسدة في المال، ومشاحنة في النفس، لتتجلى روعة التشريع في صيانة أموال الناس وتنميتها لتحقيق الرفاه لكل المجتمع.
ولو نظرنا اليوم في الكثير من المجتمعات الاقتصادية التي تعاني أزمات وتقلبات، ندرك أنها ما كانت إلاّ بسبب اختلال في ضبط عناصر الإنتاج كما ضبطها الإسلام.

* أستاذ الاقتصاد والمصارف الإسلامية
المساعد بجامعة الشارقة
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"