لفتات تشريعية في الرفاهية الاجتماعية

04:32 صباحا
قراءة دقيقتين

د.إبراهيم علي المنصوري *

إن المتأمل في التشريعات الواردة في القرآن الكريم والسنة النبوية، ليجد لفتات جديرة بالوقوف عندها، تأملاً في آثارها على نفس الإنسان، وما تدعو إليه لتحقيق الرفاهية الاجتماعية، فمن أهداف ومقاصد التشريع هو تحقيق العيش الكريم لجميع أفراد المجتمع، والوصول به إلى أفضل مستويات الرفاهية والسعادة والاستقرار النفسي.
إن ذكر الرفاهية في الدين منضبط بتشريعات تحقق مقاصد سامية من مقاصده، فقوله جل شأنه: «وأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ...»، يبين الغاية من فرض الزكاة، وهي سد حاجات الفقراء، وكفايتهم وتحقيق العدالة الاجتماعية، حيث يعيش فقراء المسلمين في مستوى من الكفاية والاستقرار، شأن الأغنياء.
ولم يكتفِ بفرض الزكاة التي هي من عماد الدين، بل حثّ على الصدقة التي هي من قيم المروءة والشجاعة، في مواضع كثيرة من القرآن وحديث النبي، عليه الصلاة والسلام، وقد جعلها برهاناً على تمام الإيمان، إذ قال: «الصدقة برهان»، فهذه الدعوة ليست لبذل المال فحسب، بل لحث المسلمين على التعاضد، وتفقد أحوال بعضهم. ويستشعر المرء عظمة المشرع عند قراءة النصوص، وكأنه يتفقد كل إنسان بعينه، وإليك نموذجاً من هذا في تشريع الكفارات «لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ...»، فهو، جل
شأنه، وضع كفارة اليمين في أعمال تسهم في تحقيق الرفاه الاجتماعي فابتدأ بإطعام المساكين أو كسوتهم، ثم تحرير رقبة، فقدمها على الصيام الذي هو عبادة محضة وجعله آخر الكفارات، فهدف الإسلام في المقام الأول مساعدة الفقراء ورفع مستواهم المعيشي، فإن لم يقدر، يأتي الصيام. وهذه لفتة تؤكد رحمة التشريع وسمو غاياته ومقاصده، فمطلب الإسلام الأول من تشريع الكفارات، مدُّ اليد إلى الفقراء، وسد حاجاتهم.
ومثله رحمته، صلى الله عليه وسلم، بالرجل الذي جامع امرأته في نهار رمضان وطلب منه دفع كفارة فعله، فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: هل تجد رقبة تعتقها؟ قال لا، قال: فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟ قال لا، قال: فهل تجد إطعام ستين مسكيناً؟ قال لا، فمكث عند النبي، صلى الله عليه وسلم، حتى أُتي بعَرقٍ فيها تمر، فقال: أين السائل؟ فقال أنا، قال: خذ هذا فتصدق به، فقال الرجل على أفقر مني يا رسول الله؟ فوالله ما من أهل بيت أفقر من أهل بيتي، فضحك النبي، صلى الله عليه وسلم، حتى بدت أنيابه، ثم قال: أطعمه أهلك.
ما فتئ النبي، صلى الله عليه وسلم، يعلم الصحابة معاني التراحم والتعاطف في أجلّ صورها، حين رأى قوماً دخلوا المسجد، وهم فقراء، وقد ظهرت عليهم الحاجة، فخطب الناس، وحثهم على الصدقة، حتى قال: تصدق ولو بشقِّ تمرة، فتتابع الناس في الصدقة، حتى سُُرَّ النبي بذلك، ثم قال: مَن سَنَّ في الإسلام سُنَّةً حسنةً كان له من الأجر مثل أجور مَن تبعه، لا ينقص من أجورهم شيءٌ.

* أستاذ الاقتصاد والمصارف الإسلامية
المساعد بجامعة الشارقة
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"